الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل تحول ترامب إلى سكرتير نتنياهو.. للشئون الأمريكية؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعيدًا عن الأوصاف السياسية التى تطلق على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والمتداولة على الساحة إلا أن الحقيقة الوحيدة الساطعة أنه أكثر رئيس أمريكى يحبس هذا الشعور المتدفق برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لأسباب غير انتخابية، بل إن نتنياهو يعامله كسكرتير له.. لدرجة أن ترامب لا يكن فقط هذا الإعجاب العميق بل إنه يحرص على الظهور أمام العالم أن أمريكا هى القوة البشرية التى تخضع لأوامر إسرائيل فى مظهر غير مسبوق فى تاريخ العلاقات الدولية، فهو يفاخر بأنه منح نتنياهو ٤ ساعات من وقته بمشاركة صهره اليهودى (كوشينز) المسئول عن ملف السلام بالتنسيق مع سفير أمريكا الصهيونى «ديفيد فريدمان» ورغم أن عددا من رؤساء أمريكا ارتدوا «اليرموكة» ووقعوا فى سجل الحضور والتواجد أمام حائط المبكى إلا أن هذا كان خطوة بروتوكولية مراسمية والغرض منها التصوير والوعود (المبطنة) لكن ترامب الذى لم تنضج تجربته السياسية ولا يعرف «دبلوماسية التريث» فى كل القضايا التى تصدى لها بداية حربه على الصحافة والإعلام فى معركة حياة أو موت، بل وصفها بأنها «عدو الشعب» نفس الرؤية هو العلاقات الجافة والباردة بين ترامب مع عدد كبير من الملفات وصلت إلى التراشق مع قداسة البابا فرنسيس الأول وهى أول مرة تصل حدة العلاقات لهذه الدرجة بين واشنطن والفاتيكان، وبعد ثلاثة أيام فقط من فوز ترامب تحدث البابا فرنسيس إلى صحيفة إيطالية قائلًا: أنا لا أصدر أحكامًا على الناس والسياسيين، بل أريد أن أفهم ما هى المعاناة التى تسببها أعمالهم للفقراء والمهمشين وتنسحب التصريحات على قضية (اللاجئين والمهاجرين) وهو يثبت أن البابا فرنسيس بمكانته الدينية الرفيعة لكنه يقظ تمامًا لاتجاهات ترامب المثيرة والمسيئة للمسلمين والمسيحيين على السواء.
وتتوقع الدوائر فى العالم أن الصدام مقبل لا محالة، لدرجة أنهم يصفون ترامب بأنه عدو المؤسسة الفاتيكانية الكاثوليكية! (ونجد المقاول ترامب) يرى العالم العربى حثالة وبالفعل استطاع أن يحصل على صفقة العمر لإنعاش صناعة السلاح والصناعات الإستراتيجية بالأموال العربية، فهو عدو الإرهاب أمام الميكروفون، صديق لداعيه فى غرفة التفاوض المغلقة.
وإعلان ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس جاء فى هذا الوقت يعكس أمورا جوهرية، أولها: أنه يعنى التخلى عن حل مشروع الدولتين واتفاق أوسلو والعودة للمربع صفر وهو تحول جذرى فى متغيرات القضية.
ثانيًا: أنه يعنى تهميش قضية المستوطنات والتأكيد على أنه يرى أنها بعيداً عن جوهر النزاع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وإجبارهما على الاعتراف بإسرائيل (دولة اليهود).
ثالثًا: القضاء على أى أمل فى حق العودة بل يمنح إسرائيل حق طرد أكثر من ٢ مليون فلسطينى يعيشون داخل الأراضى المحتلة، أى من أراضيهم.
رابعًا: إلغاء القرارات الدولية والمنظمات الدولية فى مقدمتها اليونسكو واعتبارها مجرد حبر على ورق.
خامسًا: إحراج الزعماء العرب، فهل يمكن أن تصل التحليلات المغرضة لهذا التعهد الذى قطعه مع العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى الذى خرج على العالم ليعلن أنه أقنع ترامب بالعدول عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لتأثيرها السلبى على مسيرة السلام.
سادسًا: إن الخطوة القادمة هى خضوع ترامب لأوامر نتنياهو حيث ينتظر أن يوقع وعدًا «بلفوريًا» بحق إسرائيل فى ضم هضبة الجولان لأراضيها، حيث إن سوريا سوف تتفكك إلى دويلات ترعى المصالح الروسية الإيرانية التركية!
صحيح أن هذه الخطوة تعنى سقوطا سياسيا وأخلاقيا، وهى مقدمة لكى تقوم إسرائيل بضم مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية والغربية وهضبة الجولان كأثر منتج لهذا الإجراء للتحقيق، إلا أن هذه الخطوة تمت بعلم القادة العرب أو استئذانهم وهو ما يجعل الدعوة إلى عقد قمة عربية أمرًا مستحيلًا، ويفوز هذا التوجه لانقسامات حادة فى العالم العربي، ويضاعف من خطورة الأمر أن اللجوء إلى مجلس الأمن هو بمثابة اللعب السياسى فى الوقت بدل الضائع وأن الشرعية الدولية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى ونداء السلام أصبح سلطة راكدة لا يجد من يقوم بتسويقها، خاصة أن إيقاع الزمن الحالى اختلف فى التناول ما سبق غيره من مراحل، فهو أشد صعوبة وتعقيدًا خاصة أنه باسم المبادئ والإسلام والتحرر، ترتكب أبشع صور الترويع والموقف الأمريكى سيعزز تلك العقيدة.
سابعًا: أن الرئيس الأمريكى وضع سياسة أكبر حاكمة للعالم فى مأزق وهو استدعاء لتجارب عالمية منها ما هو هتلري، ومنها ما هو قيصري، ومنها ما هو محوري، ومنها ما هو عسكري، ومنها ما هو سلعة بلا مشتر! وفى كل الأحوال فإن أمريكا أمام تداعيات هذا الأمر يعززها غطاء بفكر عبقري.
وإن نتنياهو وترامب على موعد قريب مع الفضائح يستعصى مواجهتها بعيدًا عن أرضها، فلا يمكن أن تبرئ من اتهامات الفساد والتى تلاحقه بتحقيق انتصار مزيف على الأراضى العربية.
ولا يمكن أيضًا أن هذه المغامرة الترامبية تبرئ «مايكل كلين» مستشار الأمن القومى المقال الذى ينتظره قرار الاتهام والإحالة للمحاكمة لاعترافه بالكذب بعد ثبوت اتصاله مع السفير الروسى «سيرجى كيسلياك» والفرقة ٢٨ للقرصنة الإلكترونية التابعة للمخابرات الروسية فى قضية «هيلارى كلينتون» وهى استنساخ لقضية «ريتشارد نيكسون» خاصة أن «هوما» كبيرة المستشارين لها المتزوجة من السيناتور «أنتونى دفير» هو الذى أخذ الرقم السرى وتواصل فى محادثات جنسية مع القاصرات.
ولن يشفع الرأى العام الأمريكى وهو أعلى سلطة هناك فى مرور تلك الجرائم بعيدًا عن المساءلة والعقاب، ولن يكون نقل سفارة أمريكا إلى القدس ه طوق النجاة من تلك الفضيحة خاصة وأن القرار تم اتخاذه عام ١٩٩٠مـ وهو ( قرار تأشيري) أى حسب المؤشرات السياسية وليس ملزمًا للرئاسة الأمريكية، لكن هذه المغامرة والمقامرة سوف تعصف بمصداقية الولايات المتحدة حتى لو أدى الأمر إلى تبرئة المتهمين فى تل أبيب وواشنطن.
المهم أن دونالد ترامب بعيدًا عن صيحات الاستنكار والإدانة، وضع نفسه أمام الرأى العام العالمى فى حجمه الطبيعى وحول نفسه إلى مجرد سكرتير لبنيامين نتنياهو للشئون الأمريكية، وإن السفارة الأمريكية إذا انتقلت للقدس تقديرًا لأستاذه الفاسد «يبى» فإن السفارة الإسرائيلية فى واشنطن سوف تنتقل أيضًا ليكون مقرها البيت الأبيض الأمريكي.