الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

القدس.. مدينة النبوة

القدس
القدس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتفق علماء التاريخ البشري أنّه لم تحظَ مدينة قط بما حظيت به القدس من أهمية لدى شعوب الأرض منذ أوجدهم الله، موطن النبي إبراهيم خليل الرحمن، ومقر الأنبياء داود وسليمان وغيرهما، ومبعث النبي عيسى كلمة الله التي ألقاها إلى السيدة مريم العذراء، وخصّها الله بإسراء رسوله محمد.
أول القبلتين:
ارتبط وجود مدينة القدس بالمسجد الأقصى الذي بني بعد المسجد الحرام بـ40 عامًا، وتذكر المصادر التاريخية أنها كانت منذ نشأتها صحراء خالية من أودية وجبال، وقد كانت أولى الهجرات العربية الكنعانية إلى شمال شبه الجزيرة العربية قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف عام، واستقرّت على الضفة الغربية لنهر الأردن، ووصل امتدادها إلى البحر المتوسط، وسميت الأرض من النهر إلى البحر، بـ"أرض كنعان"، وأنشأ هؤلاء الكنعانيون مدينة "أورسالم"، وهو الاسم الأول للمدينة.
وقد اتّخذت القبائل العربيّة الأولى من المدينة مركزًا لهم، واستوطنوا فيها وارتبطوا بترابها، وهذا ما جعل اسم المدينة "يبوس"، وقد صدّوا عنها غارات المصريين، وصدّوا عنها أيضًا قبائل العبرانيين التائهة في صحراء سيناء، كما نجحوا في صدّ الغزاة عنها أزمانًا طوالًا؛ وخضعت المدينة للنفوذ المصري الفرعوني بدءًا من القرن 16 ق.م، وفي عهد الملك أخناتون تعرّضت لغزو "الخابيرو" وهم قبائل من البدو، ولم يستطع الحاكم المصري عبدي خيبا أن ينتصر عليهم، فظلت المدينة بأيديهم إلى أن عادت مرة أخرى للنفوذ المصري في عهد الملك سيتي الأول 1317 – 1301 ق.م.
واستولى الإسكندر الأكبر على فلسطين بما فيها القدس، وبعد وفاته استمر خلفاؤه المقدونيون والبطالمة في حكم المدينة، واستولى عليها في العام نفسه بطليموس وضمّها مع فلسطين إلى مملكته في مصر عام 323 ق.م، ثم في عام 198 ق.م أصبحت تابعة للسلوقيين في سوريا بعد أنْ ضمّها سيلوكس نيكاتور، وتأثر السكان في تلك الفترة بالحضارة الإغريقية؛ ثم استولى قائد الجيش الروماني بومبيجي على القدس عام 63 ق.م وضمّها إلى الإمبراطوية الرومانية، بعد ذلك انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين غربيّ وشرقيّ وكانت فلسطين من القسم الشرقي البيزنطي.
دخل ملك الفرس كسرى الثاني سوريا، وامتد زحفه حتى تمّ احتلال القدس وتدمير الكنائس والأماكن المقدسة ولاسيما كنيسة "القبر المقدس"؛ ويُذكَر أنّ من تبقى من اليهود انضموا إلى الفرس في حملتهم هذه رغبةً منهم في الانتقام من المسيحيين، وهكذا فقد البيزنطيون سيطرتهم على البلاد. ولم يدمْ ذلك طويلًا، إذ أعاد الإمبراطور "هرقل" احتلال فلسطين سنة 628 م ولحق بالفرس إلى بلادهم واسترجع الصليب المقدس.
في عهد المسلمين:
عندما أسري بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلّم- تجلّى الرابط الأول والمعنوي بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام في معجزة الإسراء والمعراج، ثم أتى الرابط المادّي أيام الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث دخل القدس بعد أنْ انتصر الجيش الإسلامي بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، واشترط البطريرك صفرونيوس أنْ يتسلّم عمر المدينة بنفسه فكتب معهم "العهدة العمرية" وغيّر عمر بن الخطّاب اسم المدينة من إيلياء إلى القدس فيما بعد.
سقطت القدس في أيدي الفرنجة خمسة قرون من الحكم الإسلامي نتيجة صراعات على السلطة بين السلاجقة والفاطميين وبين السلاجقة أنفسهم، حتى استطاع صلاح الدين الأيوبي استرداد القدس بعد معركة حطين، واهتم بعمارة المدينة وتحصينها؛ ولكن الفرنجة نجحوا في السيطرة على المدينة بعد وفاته في عهد الملك فريدريك ملك صقلية، وظلّت بأيدي الفرنجة 11 عامًا إلى أنْ استردّها نهائيًا الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244؛ ثم تعرّضت المدينة للغزو المغولي، لكن المماليك هزموهم بقيادة سيف الدين قطز والظاهر بيبرس في معركة عين جالوت عام 1259، وضمّت فلسطين بما فيها القدس إلى المماليك الذين حكموا مصر والشام بعد الدولة الأيوبية حتى عام 1517.
دخل العثمانيون القدس بتاريخ 28 ديسمبر 1516، وبعد هذا التاريخ بيومين قام السلطان بزيارةٍ خاصة للمدينة المقدسة حيث خرج العلماء والشيوخ لملاقاة "سليم شاه" وسلّموه مفاتيح المسجد وقبة الصخرة، وأصبحت القدس مدينة تابعة للإمبراطورية العثمانية وظلت في أيديهم أربعة قرون تقريبًا؛ ويُشار إلى أنّ هناك بعض الحكّام المحليّين الأتراك والسلاطين في أواخر العهد العثمانيّ كان لهم دور في زيادة الوجود اليهودي في المدينة والسماح لليهود بممارسة طقوسهم الدينيّة أمام حائط البراق، ما ساعد في نشأة أسطورة الهيكل المزعوم آنذاك. 
الانتداب المشئوم:
سقطت القدس بيد الجيش البريطاني في عام1917 بعد البيان الذي أذاعه الجنرال البريطاني اللنبي، ومنحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني، حتى أعلنت بريطانيا اعتزامها الانسحاب من فلسطين يوم 14 مايو 1948، وتلاها إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومع اندلاع حرب يونيو 1967 أتيحت الفرصة الملائمة لدولة الاحتلال لاحتلال بقية المدينة، ففي صبيحة السابع من يونيو بادر مناحيم بيجين باقتحام المدينة القديمة، حيث تم الاستيلاء عليها بعد ظهر اليوم نفسه، وأقيمت إدارة عسكرية للضفة الغربية، وقام جيش الاحتلال بتنظيم وحدات الحكم العسكري لإدارتها.
مدينة كل الديانات:
كانت أرض مدينة القدس في قديم الزمان صحراء تحيط بها من جهاتها الثلاثة الشرقية والجنوبية الغربية الأودية، أمّا جهاتها الشمالية والشمالية الغربية فكانت مكشوفة وتحيط بها كذلك الجبال التي أقيمت عليها المدينة، وهي جبل موريا -المختار- القائم عليه المسجد الأقصى وقبة الصخرة؛ ويرتفع نحو 770 مترًا، وجبل أكر حيث توجد كنيسة القيامة، وجبل نبريتا بالقرب من باب الساهرة، وجبل داوود في الجنوب الغربي من القدس القديمة؛ وكان يحيط بها سور منيع على شكل مربع يبلغ ارتفاعه 40 قدمًا وعليه 34 برج متنظم، ولهذا السور سبعة أبواب وهي باب الخليل، باب الجديد، باب العامود، باب الساهرة، باب المغاربة، باب الأسباط، باب النبي داود عليه السلام.
ونتيجةً لنشوء الضواحي الاستيطانية اليهوديّة في المنطقة العربية، فقد جرى العمل على رسم الحدود البلدية بطريقةٍ ترتبط بالوجود اليهوديّ، إذ امتدّ الخط من الجهة الغربية عدة كيلو مترات، بينما اقتصر الامتداد من الجهتين الجنوبية والشرقية على بضع مئات من الأمتار، فتوقف خط الحدود أمام مداخل القرى العربية المجاورة للمدينة، ومنها قرى عربية كبيرة خارج حدود البلدية الطور، شعفاط، دير ياسين، لفتا، سلوان، العيسوية، عين كارم المالحة، بيت صفافا، مع أنّ هذه القرى تتاخم المدينة حتى تكاد تكون ضواحي من ضواحيها ثم جرى ترسيم الحدود البلدية في عام 1921.
التقسيم ومحاولات العزل:
بين عامي 1947 و1949 جاءت فكرة التقسيم والتدويل التي طرحتها اللجنة الملكية بخصوص فلسطين -لجنة بيل- حيث اقترحت اللجنة إبقاء القدس وبيت لحم إضافة إلى اللد والرملة ويافا خارج حدود الدولتين العربية واليهودية مع وجود معابر حرة وآمنة، وجاء قرار التقسيم ليوصي مرة أخرى بتدويل القدس؛ وقد نص القرار على أنْ تكون القدس منطقة منفصلة تقع بين الدولتين وتخضع لنظامٍ دوليّ خاص، وتُدار من قبل الأمم المتحدة بواسطة مجلس وصاية يقام لهذا الخصوص وحدّد القرار حدود القدس الخاضعة للتدويل بحيث شملت عين كارم وموتا في الغرب وشعفاط في الشمال، وأبو ديس في الشرق، وبيت لحم في الجنوب، لكن حرب عام 1948 أدّت إلى تقسيم المدينة
بعد اندلاع حرب 1967 قامت دولة الاحتلال باحتلال شرقيْ القدس، وتمّ الإعلان عن توسيع حدود بلدية القدس وتوحيدها، وطبقًا للسياسة الصهيونيّة الهادفة إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عددٍ ممكن من السكان العرب؛ وتم رسم حدود البلدية لتضمّ أراضى 28 قرية ومدينة عربية، وإخراج جميع التجمعات السكانية العربية، لتأخذ هذه الحدود وضعًا غريبًا.