الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

عيد ميلاد أم أعياد ميلاد؟

القس عماد سامي
القس عماد سامي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عنوانُ المقال قد يثيرُ سؤالًا فى ذهن القارئ، لماذا استخدم كلمة عيد فى صيغة الجمع؟ والإجابة: ليس فقط لأننى لا أحب استخدام المرادفات الشهيرة المُستهلَكة؛ بل لأن تجسد المسيح يحمل مسرة ودروسا وعبرا للبشر التى تحتاج إلى مئات الأعياد وليس فقط مجرد عيد ٧ يناير، من هذا المنطلق، نتناول فى هذا المقال اثنين من أعياد الميلاد على أمل التكملة فيما بعد: 
أولا- عيد تناغم الكيان الإنساني:
تعامل المجتمع اليهودى مع الجوانب الإنسانية المتنافرة، بنمط الحياة الدينية المتهاملة، الميتة فى ظاهرها التى كانت ترى كل شيء يمكن صبغهُ بصبغة دينية فكل الأَمور بما فيها ما هو اجتماعى وثقَافى وحياتى طيعة للتلون بصبغة دينية، ومن ثمَّ، غابت وطمست الأَلوان الحقيقية للأشياء، وَغابت القدرة الإِنسانِية على التمييزِ بين ألوان «الخير والشر» وتحديد الفواصل بينها، وتبين درجاتها، فَأُصيب الإِنسان بعمى ألوان، وأمسى يتخبطُ فِى مُحيط مُغطى باللون الدينى الضبابِي. ورغم أَنه قد يكون أَحد الأَلوان جميلًا جذابًا، مثل: الطقوس؛ إِلاّ أَن هذا لا يعنى الاكتفاء. ومن ثمَّ اتسعت الهوة بين الإنسان وذاته، بين الفكر والوجود، بين الاحتياج والتسديد. فى ضوء هذه الانتكاسة يأتى السؤال: هل ما يُقدم الآن على المنابر من تراشق بين الطوائف والمذاهب المسيحية، يملأ فراغ البُعد الإنساني؟
من ثَمَّ، يجب الإِصرار على إِطلاق العنان للخروج عن الأُطر الجامدة، وَالبُعد عنْ محاولات اجترَار الماضى والكف عن استنساخ ما هو تقليدى ومُستساغ، والتحرر من أسر النمطية، وإتاحة الفرص أَمام الإِبداع والابتكَار؛ قد كان ذلك «بميلاد المسيح» وعاش المخلص بين الناس: وتجلت البركات وتعددت الأعياد ولم تختزل فى يومى ميلاده وقيامته، كما يظن البعض. 
وكان من هذه الأعياد: «عيد الكيان الإنساني» عيد نحتفل فيه بعودة أهم وظيفة للإنسان وهى الإنسان، يقول بروس تومبسون: «من الصعب أن نحيا حياة روحية منتصرة بنفس عليلة والجسد العليل». نعم، تعامل المسيح مع الإنسان ككيان متكامل الأبعاد «روحكم ونفسكم وجسدكم»:
جسد: صنع المعجزات، الحث على العمل؛ لتسديد احتياجاته (متى١٧: ٢٧). نفس: ترَقى بها للحياة المشتركة فى مجتمع يسوده السلام، الانسجام والتفاهم المتبادل بين الإنسان، الله والخليقة. روح: بتشكيل الإرادة الإنسانية للانسجام والتناغم مع الإرادة الإلهية فى المسيح نائب الله فى الإنسان.
أما الإطلالة الأخرى للإنسان فكانت غرس القيم المعنوية العليا للمجتمع وتهيئة التربة لنمو تلك المفاهيم بعد أن ماتت وُدفن معها: الغنى احتياج الفقير، الكهنة صراخ الحق، الرجل قيمة المرأة. السؤال الذى يتحدانا اليوم، هل نستطيع خلق بيئة مُعقمة تسمح بإحياء قيم المسيح عمليًا تدحض آراء من يتهم المسيحية بأنها عقيدة فساده؟ أجل، بالسلوك. السؤال لك عزيزى القارئ، متى تصبح المسيحية عقيدة فاسدة؟
بلا شك تحتاج كنائسنا اليَوْم إِلَى احترام الطبيعة الإِنسانية، فكم تحتاج إِلَى أَنْ تُدرك ضَرورة الاهتمام وحث الدولة على بناء: الكنائس والمدارس. والمستشفيات فَلا تُقصِى جزءا منه بدعوى أنه أقل أهمية، أَو أَن صميم رسالتها مقصورة على جزء دون سواه، فتنعم الروح ويقهر الجسد، تُشحذ المشاعر ويضمر العقل. أيها الأحباء، أليس من الفاجعة أن تهلل الكنيسة لبناء كاتدرائية فى العاصمة الإدارية الجديدة! تتقاعس عن الاستثمار فى بناء الإنسان وإعداده ثقافيًا واجتماعيًا! لكن كيف يتم ذلك وهى تحابى السلطة؟!
عيد الحضور الفعال
انخرط المسيح كمواطن يهودى داخل المجتمع اليهودى تأثر بمقوماته أيضًا «وأما يسوع فكان يتقدم فى الحكمة والقامة والنعمة» بالطبع أثر فى مسار قضايا مجتمعه وعصره. التى لا تختلف كثيرًا عن عصرنا الحاضر: من انتشار مثلث الموت: الفقر، الجهل، الأمراض. ناهيك عن جمود وتطرف النظام الكهنوتي. تُمزق الفرق الدينية. وفى هذا يقول حبيب سعيد: «لم يُشاطر الناس فى آرائهم فى الاستسلام للقدر»، بل رأى فى العوز فرصة للعمل والاجتهاد، «ومتى أردتم تقدرون أن تعملوا بهم خيرا» زاد العقل نورًا، بتنقيح مفهوم الفقر؛ فهو ليس ضرورة مُقدرة من الله؛ بل هو ضلالة اجتماعية ولا تعويضًا عن مكافحته والقضاء عليه، ليكون حجر الزاوية، لبناء ملكوت الله على الأرض بعد أن يتوارى الاحتياج بلا رجعة، كذا دَحض قضية المرض، باستخدام عناصر الطبيعة المتاح هو الطين والماء؛ كعلاج للداء ليُدرك الإنسان قيمة التواصل مع بقية الخلائق، التى تحمل فى أجزائها بلسم الجسد وأيضًا شفاء النفس: بعمق اللقاء، دفء التأمل فى الحقول والطيور.. إلخ السؤال: هل ثمّة علاقة بين الحب وزمن التأمل؟
عزيزى القارئ أرى أننا نعيش فى ظروف لا تقل حدةً فى الصراعات الفكرية والاجتماعية والنفسية عن ظروف وواقع المواطن اليهودي. وأمسى لدينا نفس الاحتياج إلى منهجية الرب يسوع فى التعامل مع قضايانا، لكن كيف تخطو بنا ذكرى الميلاد خطوة جديدة إلى عالم الروحيات؟ 
حقـًا، كثيرون يمتلكون أفكار الخلاص، لكن قليلين من يجسدون حشو عقولهم فى الواقع. بلا شك هؤلاء يحتاجون للقاء الحب؛ فيه يتشبعون بفكرة الحياة المشتركة ركيزة البذل والعطاء. لكن الويل ثم الويل، لبدعة المسيحية الذاتية الفردية الناقصة التى لا ترى فى الآخر إلا -الأخذ- مجرد خادم للذات، تُقدم لهم العطايا فى الأعياد كنوع من التحايل طلبًا للكرامة ولفت الانتباه «تزييف ذاتي»، وغض الطرف عن مفهوم العيد الأوسع الشامل الحقيقي. هو: حدث داخل الزمان، ذكرى قلبي؛ يخلع فيها الإنسانية العتيقة «حياة جديدة فى سلوك جديدة». وقف مع النفس تُنزع فيها الإخفاقات؛ ليُضىء الأمل والتفاؤل يتجسدان داخل الواقع المصري، وليس فى هروب المواطن المسيحى الَّذِى رأى آماله فى أَرض جديدة مُختلفة عن أَرضه الحالية الّتى ارتبطت فى عقله بالشقَاء والظلم والاضطهاد والتكفير.