الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

عناوين الكتب الغربية.. "جِنيِّة" تغوي أدباء مصر

السائرون نياما وجوع
السائرون نياما وجوع والعسل المر والمنفى والملكوت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يعرف أحد بالتحديد من أي وقت بدأت ظاهرة اقتباس الكتاب المصريين عناوين أعمالهم من عناوين الأعمال أدبية أخرى لكتاب عالمين سواء من أوروبا أو أمريكا اللاتينية وغيرها؛ لكنها على أية حال ظاهرة موجودة منذ جيل الأربعينيات من القرن الماضي عندما أصدر الكاتب يوسف عز الدين عيسى قصته العسل المر مشابها لعنوان قصة لألبرتو مورافيا تحمل نفس الاسم؛ ذلك الأديب الإيطالي الذي أخذت أعماله شهرة في مصر متجاوزا شهرة عدد من الكتاب المصريين أنفسهم لدرجة أن الكاتب والسيناريست سلامة حمودة اقتبس عنوان روايته "العصيان" لمسلسل ظهر على شاشات التليفزيون المصري مطلع الألفية الثالثة؛ لعنة تكرار العناوين طاردت كتاب جيلي الستينيات والسبعينيات أيضًا فكان الأديب الراحل محمد البساطي قد أصدر آخر أعماله الروائية بعنوان "جوع" تلك التي رشحت لجائزة البوكر في دورتها الثانية عام 2009 ليتشابه عنوانها مع رواية النرويجي كنوت همسون "الجوع" التي صدرت في مطلع عشرينيات القرن الماضي وأهلته للفوز بنوبل؛ هل الأمر عادي كما يردد البعض؟ فإن كان عاديا لماذا أحدث الكاتب المصري يوسف زيدان كل هذه الضجة عندما اقتبس بعض السينمائين الشباب عنوان روايته "عزازيل" في فيلم للمخرج أمير شاكر وتأليف أحمد أبو هيبة؛ وشن حملة إعلامية ضدهم بالإضافة إلى ملاحقاتهم قضائيًا لدرجة انتزعت أفيش الفيلم من جميع دور العرض المتواجد بها وقت أن عرضه في العام 2012؛ أم أن الأمر يدخل في إطار التناص والاقتباسات التي تؤول إلى السرقة؛ فإن كان كذلك فما سر إصرار عدد من الكتاب الكبار للمضي قدما في هذا الطريق؟ "البوابة" تفتح هذا الملف الشائك مع عدد من الكتاب والنقاد الأدبيين والمترجمين بعد أن تعالت الأصوات حين انفردت بتقرير عن قرب صدور رواية للكاتب المسرحي والشاعر بهيج إسماعيل بعنوان "المنفى والملكوت" والتي كتبها بعد ما يقرب من 40 عاما من عكوفه على كتابة المسرحيات والقصائد لكن فور نشر التقرير اتهم عشرات المثقفين الكاتب المسرحي باقتباسه عنوان روايته الجديدة من عنوان رواية للاديب والفيلسوف الفرنسي "ألبير كامو " تحمل نفس الاسم معتبرين ذلك نوعا من التاثر المبالغ فيه بالكتاب الغرب وآخرين اعتبروه نوعا من أنواع التكاسل عن ابتكار عنوان جديد؛ ولم تكن حادثة بهيج هي الوحيدة؛ فقبلها بأشهر نشرت تقريرًا عن تشابه عنوان رواية جديدة أعلن عنها الكاتب طارق إمام مع رواية للألماني هيرمان هيسه بعنوان "الحكايات الخرافية" إلا أن "إمام" –لأسباب ما- عدل عن ذلك العنوان فيما بعد ووضع اسمًا جديدًا لروايته المرتقبة.

جابر عصفور: يجب أن يكون للكتاب في مصر شخصيتهم
في البداية؛ يقول الناقد الأدبي الكبير جابر عصفور إن عادة انتشار تكرار عناوين الروايات الغربية في مصر تنبع من إعجاب هؤلاء بكتابات هؤلاء وهذا إذا كان الكاتب على دراية بأن عنوان روايته يحمل نفس العنوان لرواية أخرى أجنبية لكنه إن لم يكن قاصدًا أن تحمل روايته لنفس عنوان رواية أخرى سواء كانت أجنبية أو غير ذلك فهذا ينم عن جهل الكاتب بالمعرفة؛ لكن سواء كان السبب الأول أو السبب الثاني فظاهرة تكرار العناوين عمومًا غير محببة إذ لابد أن يكون للكاتب شخصيته في الكتابة ولابد عليه أن يقتبس عنوانًا لنفسه أفضل من التقليد.

أمينة زيدان: اقتباس العناوين كفيل بقتل النص الجديد.. نعيش حالة فوضى إبداعية
الروائية أمينة زيدان اتفقت مع أغلب رأي "عصفور" فقالت إن المنهجية للكتاب الذين يختارون لروايتهم عناوينا تحمل نفس عناوين روايات أخرى يكون مقبولا إذا كان الكاتب قد استخدمه لأسباب تتعلق بسهولة تداوله على الألسنة أما إذا لم يكن الكاتب على دراية بأن عنوان روايته يحمل نفس عنوان رواية أخرى فهذا يدل على عدم إطلاع الكاتب مضيفة أن هذا الأمر يتسبب في قتل النص الجديد؛ مشيرة إلى أن انتشار مثل هذه الظاهرة أمر غير مستحب بالمرة لأن هذا يعتبر استسهالا في كتابة العناوين وكذلك سيؤثر على المتن مضيفة أن هذا نابعًا من أن الحالة الثقافية عربيًا في حالة تجمد ومظاهر ذلك التجمد تتجلى بشدة في هروب بعض الكتاب في الوقت الحالي إلى الكتابة التاريخية والخيال العلمي حيث تلاحظ إنهما يتم إقحامه بصورة غير طبيعية في الأعمال الصادرة حديثًا مؤكدة أن الوسط الثقافي المصري في حالة فوضى إبداعية.

سيد الوكيل يكشف: هناك عدد كبير من الروايات الحديثة تحمل اسم "إخناتون"
وكشف الناقد الأدبي سيد الوكيل أن انتشار مثل هذه الظاهرة ناتجًا عن وجود فقر في المشهد الأدبي المصري وذلك لوجود وانتشار كتاب كثيرون على الساحة الأدبية يفتقدون المعرفة الكاملة بالأعمال الأدبية وكل خبرتهم في الكتابة الأدبية إنهم يدخلون ورشة لتعليم طريقة الكتابة وكثير منهم من يستسهل في كتابة روايته فعلى سبيل المثال نجد أن بعض الكتاب يؤلفون روايات عن لعنة الفراعنة وتحمل عناوين روايتهم عنوانا مثل "إخناتون" وهو لا يعلم أن هناك روايات أخرى تحمل نفس العنوان وهذا أن دل فإنما يدل عن جهل الكاتب؛ معتبرًا أن هذا الأمر هو انتهاك لحقوق الملكية حيث نجد في القانون أن أي رواية تحمل عنوانًا لرواية أخرى كان لصاحب الرواية الأصلي الحق في أن يقاضي من فعل ذلك ويطالبه بالتعويض أيضًا.

مصطفى محمود يشتبك مع سيد الوكيل في مدى قانونيتها
ويشتبك المترجم الكبير مصطفى محمود صاحب كتاب "نساء يركضن مع الذئاب"؛ مع إشكالية حقوق الملكية التي أثارها "الوكيل" فيقول إنه لا يوجد مانع من الناحية القانونية من تسمية العمل بنفس الاسم طالما صادر من بلد أجنبي لكن لو كان العمل الأجنبي شهيرا تكون هناك مقارنة بين العملين مما يعرض المؤلف للسخرية،لكن احيانا لا يكون العمل الأجنبي شهيرا فيتصادف أن يختار المؤلف العنوان نفسه بغير قصد فلا لوم عليه ويختلف هذا طبعًا عن اقتباس العمل نفسه وهذا مجاله النيابة العامة.

السيد إمام متحديًا: أفكر في كتابة رواية بعنوان "اللص والكلاب"
المترجم الكبير سيد الإمام يطيح بجميع الآراء السابقة ويصر على أن الامر عادي جداً فالمهم ماهية الرؤية المقدمة مشيرا إلى أن أغلب الروايات ما بعد الحداثية معارضة لنصوص قديمة أو مجاورة مشيرا إلى أن عنوان مثل "حكايات خرافية" لهيرمان هيسه هو جنس أدبى أكثر منها عنوانا وهي موجودة فى كل اللغات مثلها مثل جنس الرواية الواقعية، أو الرواية الرومانسيه أو الرواية الفلسفية أو الواقعية السحرية التى يندرج تحتها كلا من سلمان رشدى وبورخيس وماركيز والكثير من كتاب أمريكا اللاتينية؛
فهل يصح أن يطلق على كل هؤلاء لصوص مضيفا أن هناك من يعيد كتابة نفس الرواية التى كتبها روائى آخر مثلما حدث مع رواية الغريب لكامو أو روبنسون كروزو التى أعاد "كويتزى" كتابتها من منطلق آخر بل أفكر أنا شخصياً فى كتابة اللص والكلاب من منظور آخر مغاير تماماً لمنظور نجيب محفوظ؛ فهل أستحق بذلك أن يطلق على لقب "الحرامى"؟ موجهًا النقاد بإعادة النظر فى مفهوم السرقات الأدبية فهو موضوع شائك و طويل فالتناص مع أحد الأعمال بما فيه مفهوم الاقتباس نفسه لم يعد ينظر إليه من منظور السرقة؛ فلقد عرض فرجيل الإلياذة وسماها "الإنيادة" وعارض شوقى البوصيرى فى نهج البردة؛ والكثيرون يكتبون قصائدهم تحت مسميات عمومية مثل الرثاء والوصف والمديح؛ فلا أحد يستطيع أن يمنع أحدًا من كتابة رواية بعنوان "الغريب" لمجرد أن "كامو" كتب رواية بنفس العنوان.

يوسف نبيل: "المنفي والملكوت" أو "الجريمة والعقاب" أعمال لم تدع منفذًا لاقتباسها
أما الكتاب الشباب فلهجتهم تبدو كأنهم منفعلون مع الموضوع مقارنة بجميع الآراء السابقة فيقول المترجم يوسف نبيل -أحد المترجمين البرازين في اللغة الروسية في مصر وقدم عدد لا بأس بها من أعمال تولستوي- إن اقتباس عناوين مشهورة في أعمال عربية جديدة يعد نوعًا من التهريج واحتقار القارئ؛ فمثلا رواية مثل المنفي والملكوت لألبير كامو لا تدع مجالا لأحد أن يقتبسها فشهرة العمل فاقت الوصف؛ فالاسم مميز جدًا وفرض "كامو سطوته عليه ومن الصعب أن يتوارد على الذهن مرتين مشيرًا إلى أن هناك بعض الأسماء ممكن تكون شائعة مثل "الأم" أو "الغريب" من الممكن أن تتكرر لكن "الجريمة والعقاب" مثلا تكراره به نوع من الاستخفاف.

محمد رمضان حسين: عندما كتب سعد مكاوي "السائرون نياما" لم يكن يعرف أنها أشهر روايات ألمانيا
ويرى المترجم محمد رمضان حسين -أحد البارزين في نقل الأعمال الأدبية من الألمانية إلى العربية- أن كل كل حالة لها ظرفها؛ فأحيانًا يكون الموضوع توارد خواطر فعندما نشر سعد مكاوي "السائرون نيامًا" في الستينيات لم يكن يعلم أن هرمان بروخ كتب أهم رواياته بنفس الاسم ونشرها بالألماني في الثلاثينيات لكنه أشار إلى أن هناك حالات كبيرة من السرقات الأدبية تحدث في الوقت الحالي بالتحديد على مستوى تصميم الأغلفة فهناك أعمال مأخوذة بشكل كامل من أغلفة كتب غربية.
بينما القاص محمد حسني عليوة يرى أن الاقتباس لا بأس به للاستشهاد بمعلومة، بفكرة، بخاطرة، بمقطع شعري أو نثري بهدف، مثلا، إثراء النص؛ لكن التقليد، وحشو النصوص لمجرد الحشو، ينم عن فكرة نضوب قريحة الكاتب فاستقوى بغيره.

جمال الجلاصي: الظاهرة موجودة في كل دول الوطن العربي وليست مقتصرة على مصر فقط
ومن خارج القطر المصري يكشف الشاعر التونسي جمال الجلاسي عن إن ما يحدث من اقتباس العناوين الغربية "تقليعة" ليست بالجديدة وهي ظاهرة عربية عمومًا، وليست مصرية فقط.