الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الجماعة الإرهابية تحاصر ألمانيا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تغاضي ألمانيا عن وجود تحركات التنظيم، كان سببًا في اتساع نشاط الجماعة في ألمانيا التي تعد المركز الرئيسي لنشاط التنظيم الدولي
ربما يتساءل البعض عن السر وراء انتشار أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية في البلدان الأوروبية، بل ووصولهم إلى مرحلة تكوين مراكز قوة تتيح لهم النفوذ إلى دوائر السلطة، والتأثير عليها في اتخاذ قرارات تخدم التنظيم الدولي للجماعة، في حين أن معظم الدول العربية، التي هي بالأساس موطن أعضاء الجماعة، خاصة مصر، تجيد حصارهم وتقليم مخالبهم، حتى لا يتمكنوا من أن يشكلوا دولة داخل الدولة، وهو ما اتضح بعد ثورات الربيع العربي.
في هذا التقرير تأصيل لجذور تكوين الكتلة الإخوانية في دولة ألمانيا، ورصد للمراكز الفكرية والاجتماعية التابعة للتنظيم الدولي للجماعة.

ميونيخ ملجأ «الإخوان»
مهدي عاكف ويوسف ندا أسسا مقرًا للجماعة.. وسعيد رمضان بني مركزا إسلاميًا بتمويل مباشر من المخابرات الأمريكية في الستينيات
لمناقشة الأسباب الحقيقية التي أدت بجماعة الإخوان إلى الانتشار في ألمانيا، علينا قراءة الوضع الألماني إبان هذا الوجود من ناحية، ومن ناحية أخرى وضع جماعة الإخوان، فالوضع في ألمانيا على وجه الخصوص يفصح عن أن الإخوان، قد أحرزوا نفوذًا مهمًا وقبولًا سياسيًا، أكثر من أي مكان آخر في أوروبا.. والتنظيمات الإسلامية في البلدان الأوروبية الأخرى تقتدي الآن بشكل واع بنموذج نظيراتها الألمانية.
فخلال الخمسينيات والستينيات غادر الآلاف من الطلاب المسلمين الشرق الأوسط للدراسة في الجامعات الألمانية، بفعل جذب السمعة التقنية للمعاهد الألمانية.
فبدءًا من عام ١٩٥٤، غادر مصر عدد من أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي فرارًا من الاعتقال، وقدمت لهم ألمانيا الغربية ملجأ، مما مكن تنظيم الإخوان أن يزرع خلايا له في ألمانيا، والتي وصلت لحد أنه اتخذ من مدينة ميونخ الألمانية مقرا لعمل التنظيم الدولي للجماعة في عام ١٩٨٣ على يد مهدي عاكف ويوسف ندا.
ومهد لهذا الطريق سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا، الذي ارتبط بعلاقات قوية مع المخابرات الأمريكية، وهو ما مكنه من تأسيس مسجد في ميونخ بمساعدة رجل الأعمال الإيطالي الجنسية والسوري الأصل غالب همت إبراهيم في الستينيات، ومعهما رجل الأعمال المصري يوسف ندا، وهو ما رصدته المخابرات السويسرية في تقارير لها أن سعيد رمضان قد قام ببناء مركز ميونخ الإسلامي بتمويل ودعم مالي مباشر من المخابرات المركزية الأمريكية، وكشفت عن ذلك مجلة «لوبوان» الفرنسية في تحقيق لها تحت عنوان «عندما كانت المخابرات الأمريكية تمول الإخوان» أن هناك صندوقًا يحمل رقمًا كوديًا «هاه ٤٣٢٠» محفوظ في أرشيف الحكومة السويسرية خاص بسعيد رمضان حول علاقته الوطيدة بالمخابرات البريطانية والأمريكية.
ومن ضمن الوثائق التي يتضمنها هذا الصندوق، مذكرة تحمل تاريخ ٥ يوليو ١٩٦٧ تشير إلى أن سعيد رمضان يتلقى أموالًا من المخابرات الأمريكية.
وقد ظهر الوجود الإخواني في ألمانيا جليا قبيل زيارة الرئيس المصري السيسي لألمانيا في مايو ٢٠١٥، والتي سعى الإخوان فيها إلى حشد أنصارهم للتظاهر ضد الزيارة والسعي لإحراج الرئيس، إذ تعد ألمانيا من أهم المعاقل التي يتحرك فيها التنظيم الدولي في أوروبا والعالم، خاصة أن نفوذ الإخوان هناك لا يعتمد فقط على الأعضاء المنتسبين لها فقط، بل يتكامل معه منظمات تركية تابعة للجالية التركية، وعلى رأسها منظمة رؤيا الملة «ميلي جراش» التي نجح حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس التركي رجب أردوغان، في السيطرة عليها عن طريق صبري أربكان، ابن عم الراحل نجم الدين أربكان رئيس الوزراء التركي السابق المنتمي إلى جماعة الإخوان.

3 مراحل في تاريخ علاقة برلين بالجماعة
اجتماعات مشتركة لمسئولين ألمان مع برلمانيين وقيادات إخوانية في مصر والشرق الأوسط
حرصت جماعة الإخوان على تقوية علاقاتها بالسلطات هناك، وهو ما ترصده دراسة تحت عنوان «ألمانيا والإخوان المسلمين» صادرة عن مركز أبحاث الدراسات الدولية للباحث الألماني «جيدو شناينبرج»، تضمنت تاريخ الإخوان في ألمانيا، علاقة الحكومة الألمانية بجماعة الإخوان إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، وهي مرحلة تغاضي ألمانيا عن وجود تحركات للتنظيم، ولعل هذا التجاهل كان سببًا في اتساع نشاط الجماعة في ألمانيا التي تعد المركز الرئيسي لنشاط التنظيم الدولي.
أما المرحلة الثانية، فبدأت بعد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩، حيث بدأت الحكومة الألمانية في اتخاذ موقف احترازي تجاه جماعة الإخوان التي أصبحت بقوة في ألمانيا، واستمرت حتى أحداث ١١ سبتمبر، ٢٠٠١ بدأت ألمانيا فى تكثيف جهود تعاونها مع مصر وغيرها من دول الشرق الأوسط لمواجهة الجماعات الإرهابية. فى تلك الأثناء رفضت الحكومة الألمانية أن تجمعها علاقات مباشرة مع التنظيم الدولي.
ومع الغزو الأمريكي للعراق وزيادة التهديدات الأمنية وخوف الحكومة الألمانية من وصول الإرهاب إلى أراضيها، حرصت ألمانيا على توطيد علاقتها بدول المنطقة لمواجهة مثل هذه التنظيمات الإرهابية.
لكن إلى جانب مشاركة ألمانيا في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، تمت صياغة سياسية غير رسمية سمحت لألمانيا بالتواصل مع الإخوان.. وشهد عام ٢٠٠٢، صياغة مبادرة تعرف باسم «الحوار مع العالم الإسلامي» كجزء من برنامج التوعية الثقافية في وزارة الخارجية.. وأسفرت هذه المبادرة عن تعيين ممثل خاص لتنفيذ المبادرة في وزارة الخارجية الألمانية وعدد من الموظفين في السفارات الألمانية من أجل تولي مهمة تنفيذ هذه المبادرة، ومع عام ٢٠٠٩، بدأت ألمانيا في عقد اجتماعات مشتركة لمسئولين ألمان مع برلمانيين وقيادات لجماعة الإخوان في مصر والشرق الأوسط.
أما المرحلة الثالثة، فبدأت بعد ثورات الربيع العربي مع تزايد احتمالات وصول الإخوان للحكم في دول الربيع العربي، بدأت ألمانيا في مد جسور التفاهم مع الإخوان ساعدها في ذلك علاقتها السابقة معهم.
في نوفمبر ٢٠١١، وبعد فوز حزب النهضة بأكثر من ٤٠٪ في الانتخابات البرلمانية التونسية أعدت وزارة الخارجية ورقة داخلية تحدد الخطوط العريضة لاستراتيجية الارتباط الحذر مع الجماعات الإسلامية في العالم العربي.

منظمات مشبوهة.. مركز الرسالة لجذب الشباب.. والمجلس الإسلامي يدافع عن المعزول
منظمة المرأة المسلمة لتجنيد النساء.. والتنسيق مع الاتحاد الإسلامي التركي
يوجد في العاصمة برلين مركز «الرسالة» الذي يديره جعفر عبدالسلام أحد كوادر الإخوان في ألمانيا، ويعمل الإخوان من خلال هذا المركز على توسيع قاعدة التنظيم في ألمانيا عن طريق جذب شباب وأطفال الجاليات الإسلامية عن طريق مراكز تعليم اللغة العربية والقرآن.
المجلس الإسلامي
يضاف إلى هذه التنظيمات المجلس الإسلامي في برلين، ويديره الشيخ خضر عبدالمعطي الذي يعد المنسق العام للمجلس الأوروبي للأئمة والوعاظ في أوروبا ويعد من أبرز قيادات الإخوان في التنظيم الدولي، ونشط في الفترة الأخيرة في الدفاع عن الإخوان بعد الإطاحة بحكم الجماعة وعزل محمد مرسي.
الجمعية الإسلامية
وهناك الجمعية الإسلامية في ألمانيا، وهي مرتبطة بالمركز الإسلامي للإخوان في ميونخ، ويديره الشيخ أحمد خليفة وهو من أصول مصرية ويعد من أهم الشخصيات الإخوانية في ألمانيا، وهو يعمل في مجال الدعوة وله أنصار بين المسلمين هناك.. ونجد أن من أهم الشخصيات التي يعتمد عليها الإخوان في تحركاتهم نديم محمد عطا إلياس الذي يدير المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، وهو يعد من أشهر الشخصيات الإخوانية ويرتبط به بيت «عطاء الخير» وهو منظمة في ألمانيا تقدم مساعدات للمهاجرين، وهناك شواهد لارتباطها بتنظيم الإخوان.
منظمة المرأة المسلمة
لا تقتصر تحركات الإخوان على المنظمات الدينية أو السياسية بل تعتمد أيضًا على منظمات نسائية، منظمة المرأة المسلمة في ألمانيا، تلعب رشيدة النقزي وهي تونسية الأصل مقيمة في ألمانيا بمدينة «بون» وتحمل الجنسية البريطانية دورًا مهمًا في تحريكها، ورشيدة النقزي رئيس قسم المرأة الحالي باتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، دورًا في التجنيد بين الأوساط النسائية في الجاليات الإسلامية ببون، وتعمل في منظمة المرأة المسلمة مع صبيحة أربكان زوجة إبراهيم الزيات.
المجلس الأعلى للشباب المسلم
وكذلك هناك تنظيم شبابي آخر يطلق عليه المجلس الأعلى للشباب المسلم، وهو تابع للمركز الإسلامي في ميونخ، ويحظى المجلس في السابق بدعم من أطراف سعودية ذات صلات بالفكر الوهابي، ولكن الإخوان سيطروا عليها بالكامل حاليًا ويعمل المجلس بغطاء رابطة مسلمي العالم.
المركز الثقافي للحوار
وهناك أيضا «المركز الثقافي للحوار»، وهو مركز يقع بحي فيدينج، بالعاصمة برلين. وأنشئ عام ٢٠٠٤ ويتبعه مسجد لكن الإخوان سيطروا عليه ويتم جذب عناصر إليه عن طريق مركز لتعليم اللغة الألمانية للآباء والأمهات المهاجرين، فضلا على الدروس الدينية وتعليم اللغة العربية التي تعد من أهم الأنشطة التي يقدمها المركز، بالإضافة لبيع الكتب الإسلامية، ويخطب في هذا المركز ويلقي محاضرات، عدة شخصيات إخوانية مثل فريد حيدر، ومحمد طه صبري، وخالد صديق.
منظمة رؤيا الملة
أما المنظمة الأكبر التي يعتمد عليها الإخوان في تحركاتهم في ألمانيا، فهي منظمة رؤيا الملة «ميلي جراش» التي تأسست في مدينة كولونيا الألمانية في عام ١٩٨٦.
الاتحاد الإسلامي التركي
كما يعتمد الإخوان في تحركاتهم على المنظمات التابعة لتركيا التي يزيد عدد جالياتها فيها على ٢ مليون شخص، ومن أبرزها، الاتحاد الإسلامي التركي، وهو اتحاد يتبع الحكومة التركية في أنقرة ويدار مباشرة عن طريق وزارة الشئون الدينية التركية.

تمويل الإرهاب وغسل الأموال أبرز أنشطة «التنظيم» بالخارج
هناك العديد من المنظمات والجمعيات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي يستخدمها الإخوان ويستغلونها في تحركاتهم مثل: منتدى الشباب المسلم الأوروبي، ويضم في عضويته اتحادات الشباب الموجودة في مختلف دول أوروبا ومقره ألمانيا، وهذا المنتدى من أكثر التنظيمات قدرة مالية وحظى في بداية تأسيسه في التسعينيات بدعم من السعودية، وهذا المنتدى على علاقة مباشرة في إدارته بإبراهيم الزيات، بالإضافة إلى محمد عبدالظاهر، وهو مصري الجنسية ويتنقل بين ألمانيا وتركيا، ومسئول اللجنة المالية في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.
ويعد أحد الرواد الأوائل للإخوان في ألمانيا سعيد رمضان الذي كان سكرتيرًا شخصيًا لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.
أسس «رمضان» في ألمانيا ما أصبحت واحدة من المنظمات الإسلامية الثلاث هناك، الجمعية الإسلامية في ألمانيا، التي ترأسها من ١٩٥٨ إلى ١٩٦٨، وأدارها بعده ابنه هاني رمضان.
تولى غالب همت، وهو سوري يحمل الجنسية الإيطالية.. إدارة الجمعية في الفترة (١٩٧٣-٢٠٠٢)، تنقل همت بين إيطاليا والنمسا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة، وقد دققت أجهزة الاستخبارات من كل دول العالم طويلًا في صلات همت الإرهابية.. فهو أحد مؤسسي بنك التقوى، وهو تكتل قوى تسمية المخابرات الإيطالية: «بنك الإخوان المسلمين»، كان قد موّل جماعات إرهابية منذ أواسط التسعينيات إن لم يكن قبل ذلك وساعد همت يوسف ندى، أحد العقول المالية المدبرة للإخوان المسلمين، في إدارة بنك «التقوى» وشبكة من مقرات الشركات في مواقع مثل سويسرا وليشنشتاين والباهاماس، التي تفرض قوانين قليلة على مصادر الأموال وجهاتها.. ويشاع أن كلا من همت وندى قد مررا مبالغ ضخمة إلى جماعات مثل حماس وجبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية وفتحا خط ائتمان سريا لكبار مساعدي أسامة بن لادن وفي نوفمبر ٢٠٠١، صنّفت وزارة الخزانة الأمريكية كلا من همت وندى بوصفهما مموليّن للإرهاب وبحسب المخابرات الإيطالية، فإن شبكة التقوى موّلت بدورها عددًا من المراكز الإسلامية عبر أوروبا والعديد من المنشورات الإسلاموية.