«بوكو حرام» تستغل النساء فى العمليات الانتحارية
زعمت «بوكو حرام» عند بداية إعلان قيامها أنها تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية فى عموم نيجيريا، وليس فى معقلها فى الشمال فقط.
وسميت أيضا بـ«طالبان نيجيريا»، لأنها مؤلفة من طلبة تخلوا عن الدراسة، وأقاموا قاعدة لهم، بقرية كاناما بولاية بوشى شمالى البلاد على الحدود مع النيجر.
وتأسست الجماعة فى يناير ٢٠٠٢، على يد شخص يدعى محمد يوسف، والذى تأثر بطالبان أفغانستان، التى تشكلت أيضا من مجموعة من الطلبة.
ودعا يوسف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، والتخلى عن التعليم الغربي، ويتكون اسم «بوكو حرام» من كلمتين، الأولى «بوكو»، وتعنى باللغة الهوساوية المحلية «التعليم الغربي»، و«حرام»، وهى كلمة عربية، أى أن «بوكو حرام» تعنى «منع التعليم الغربي».
وكانت الجماعة تضم عند تأسيسها نحو مائتى شاب مسلم، بينهم نساء، ومنذ ذلك الحين تخوض مواجهات مع قوات الأمن فى بوشي، ومناطق أخرى فى شمال شرقى نيجيريا.
وفى السادس والعشرين من يوليو ٢٠٠٩، اندلعت اشتباكات دامية استمرت خمسة أيام بين قوات الأمن النيجيرية، و«بوكو حرام»، إثر محاولة مجموعات من مسلحى الجماعة، اقتحام المبانى الحكومية ومقر الشرطة الرئيسى فى ولاية بوشي، أعقب ذلك نشوب معارك طاحنة بين المسلحين ورجال الشرطة، انتهت باقتحام قوات الأمن لمعقل «بوكو حرام».
وقال مسئولون بالصليب الأحمر النيجيرى حينها، إن أكثر من ألف شخص قتلوا فى تلك الاشتباكات، كما أن أكثر من ٣٥٠٠ من سكان المنطقة اضطروا للنزوح عن مساكنهم بسبب القتال.
وكان الحدث البارز فى تلك الاشتباكات هو ظروف مقتل زعيم الحركة محمد يوسف بعد نشر صور تظهر أنه ألقى القبض عليه حيا، وتم إطلاق النار عليه بعد ذلك، فيما أعلنت الشرطة أنه قتل أثناء مواجهات مع قوات الأمن.
ورغم أن السلطات النيجيرية أعلنت حينها أنها تمكنت من القضاء على الجماعة، إلا أن التطورات بعد ذلك، أثبتت عكس ذلك، ففى ١٦ أغسطس ٢٠٠٩، أعلنت الجماعة رسميا الالتحاق بتنظيم القاعدة، متعهدة بشن سلسلة من التفجيرات فى شمالى البلاد وجنوبها.
وقال البيان الأول الصادر عن الجماعة بتوقيع زعيمها بالنيابة، ويدعى سانى عومارو، إن «بوكو حرام» ألحقت نفسها بالقاعدة، وإنها تنوى شن سلسلة من التفجيرات فى شمالى البلاد وجنوبها ابتداء من أغسطس ٢٠٠٩، ما يجعل نيجيريا مستعصية على الحكم، حسب زعمها.
وفى ١٢ مارس ٢٠١٥، قبل «داعش» بيعة «بوكو حرام»، التى كانت أعلنتها فى بداية الشهر ذاته، وغيرت اسمها بعد مبايعة تنظيم الدولة إلى ولاية غرب إفريقيا.
وسمت الجماعة «أبومصعب البرناوي» قائدها الحالي، الذى عينه تنظيم الدولة والى ولاية غرب إفريقيا فى ٤ أغسطس ٢٠١٦، خلفًا لزعيم الجماعة السابق أبى بكر شيكاو، الذى تولى منصبه، بعد مقتل زعيمها التاريخى محمد يوسف، على يد قوات الأمن فى العام ٢٠٠٩.
ورغم أن الجماعة، وعدت بعد انضمامها لداعش، بعدم مهاجمة المساجد أو الأسواق، التى يستخدمها المسلمون، إلا أن السلطات النيجيرية تتهمها بتعمد استهداف المدنيين، بعد تلقيها ضربات قاسية على يد قوات الأمن.
وحسب السلطات النيجيرية، فإنه بعد الضربات القاسية، التى تلقتها الجماعة، انقسمت إلى فصيلين العام الماضى، إثر إعلان «داعش» عن تفضيله قائدًا «أبومصعب البرناوي» وتعيينه أميرًا للجماعة، بدلا من «أبوبكر شيكاو»، ما أثار انشقاقا داخل صفوف الجماعة.
ويتردد أن «بوكو حرام» تسيطر على ١٠ بلدات فى ولايات أداماوا وبورنو ويوبى الشمالية، وفى ولاية بورنو، تسيطر الجماعة على ١٣ منطقة من أصل ٢٧ وعلى منطقتين أيضا فى ولايتى أداماوا ويوبي.
وتحدث شهود عيان عن انتهاكات مروعة فى المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، شملت عمليات بتر للأطراف لبعض الأشخاص، وهناك تقارير أيضًا عن حالات زواج بالإكراه.
وكشفت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية فى ٢٣ أكتوبر الماضى عن استخدام «بوكو حرام» للإناث فى عمليات انتحارية، حيث شهدت مدينة مايدوغورى عاصمة ولاية بورنو فى شمال شرقى نيجيريا ثلاث حوادث تفجير انتحارية نفذتها ثلاث إناث، ما أسفر عن مقتل ١٣ شخصا على الأقل، وإصابة ١٦ آخرين.
وقالت المجلة إن «بوكو حرام» تستخدم سيدات انتحاريات أكثر من أية جماعة إرهابية أخرى فى التاريخ، ومن بين ٤٣٤ عملية تفجير تبنّتها الجماعة فى الفترة الممتدة بين إبريل ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٧، ثمة ٢٤٤ عملية نفذتها إناث.
وكانت حركة «نمور التاميل» السريلانكية استخدمت أكثر من ٤٤ أنثى فى عمليات تفجيرية، امتدت على مدى عشر سنوات.
وأضافت «الإيكونوميست»، أنه ليس من قبيل الصدفة أن يتزايد استخدام «بوكو حرام» للإناث فى عمليات انتحارية، بعد اختطاف الحركة ٢٧٦ فتاة من مدرستهن فى إبريل ٢٠١٤.
وعزا مراقبون اعتماد «بوكو حرام» على الإناث، إلى أنه بإمكان الأنثى أن تخفى الحزام الناسف بسهولة تحت حجابها الفضفاض، فضلا عن أن استخدام الإناث فى نسْف أنفسهن يساعد الجماعة فى ادّخار المقاتلين الذكور للهجمات المسلحة الكبرى.
ودعا يمى أوسينباجو، نائب الرئيس النيجيري، فى يوليو ٢٠١٧، المجتمع الدولى بالتعاون مع بلاده للقضاء على «الورم السرطاني» المتمثل فى «بوكو حرام».
وأضاف أوسينباجو فى تصريحات له، أن هناك تواصلا قويا جدا بين الجماعات الإرهابية على مستوى العالم، مشيرا إلى أن «بوكو حرام»، التى تنشط فى نيجيريا والكاميرون وتشاد، والنيجر، تسببت فى مقتل ٢٠ ألفا، وتشريد ٢.٣ مليون مواطن من منازلهم.
وتابع نائب الرئيس النيجيرى: «نشعر بالقلق إزاء الإرهاب ليس فقط داخل حدودنا، شهدنا أيضا تأثير الإرهابيين عبر الحدود، وكيف يمكن للمنظمات الإرهابية التعاون مع بعضها البعض».
واستطرد أوسينباجو، قائلا: «إن الإرهاب هو مشكلة كبيرة، وربما المشكلة الأكثر أهمية التى سيواجهها العالم فى السنوات المقبلة، لذا من الضرورى أن تتعاون الدول لمواجهة هذا الخطر».
3 أسباب تهدد بتمزيق نيجيريا من الداخل
مراقبون أكدوا أن مخاوف نائب الرئيس النيجيري، لم تنبع من فراغ، لأن بلاده تعانى بالفعل أزمات لا حصر لها، ما يوفر أرضية خصبة لانتشار داعش.
المعروف، أن هذا البلد الإفريقي، يضم أكثر من ٢٠٠ جماعة عرقية، وهى مقسمة أيضا بالتساوى بين المسلمين والمسيحيين، وتعتبر أكبر دول القارة الإفريقية اكتظاظًا بالسكان، حيث يبلغ تعداد سكانها أكثر من ١٥٠ مليون نسمة، منهم أكثر من ٧٨ مليون مسلم، وهو ما يجعلها سادس أكبر دولة إسلامية، من حيث الكثافة السكانية.
ورغم أن السكان ينقسمون بالتساوى تقريبًا بين المسلمين فى الشمال والمسيحيين فى الجنوب، إلا أنه تعيش أقليات دينية مسيحية ومسلمة بأعداد كبيرة فى أغلب المدن فى الشمال والجنوب، وهو الأمر الذى استغله بعض الساسة لإشعال أعمال عنف طائفى بين الفينة والأخرى.
وما إن بدأت ١٢ ولاية شمالية تطبيق الشريعة الإسلامية فى عام ٢٠٠٠، إلا وتصاعدت حدة العنف الطائفى فى ظل مطالبة الأقليات المسلمة فى الجنوب بخطوة مماثلة ورفض الأقليات المسيحية فى الشمال للأمر بشدة.
المواقف المتضاربة السابقة انعكست فى عدة اشتباكات كان أبرزها فى فبراير ٢٠٠٩ عندما وقعت صدامات دموية فى ولاية بوشى فى الشمال بين مسلمين ومسيحيين أوقعت ١٤ قتيلا، وقبلها وتحديدا فى أكتوبر ٢٠٠٨، قتل ٧٠٠ شخص فى مدينة جوس فى أعمال عنف مماثلة.
وبجانب ما سبق، فإن البعد العرقى له دور كبير فى ظهور التوتر، حيث تضم نيجيريا أكثر من ٢٠٠ جماعة عرقية وقبيلتين كبيرتين، هما الهوسا فى شمالى البلاد، وأغلبهم مسلمون والإيبو وغالبية أفرادها مسيحيون فى الجنوب الشرقي، لكن القبيلتين تتداخلان فى كثير من المناطق ولذلك شهد وسط نيجيريا وخاصة ولايتا بلاتو وتارابا منذ أن عادت نيجيريا إلى النظام المدنى فى ١٩٩٩ اشتباكات عرقية ودينية أوقعت أكثر من عشرة آلاف قتيل.
ويفاقم من أزمة نيجيريا أن الخلافات ليست ثقافية أو دينية فقط بل اقتصادية أيضا لأن تلك الدولة خلال العقود الماضية تضاعف عدد سكانها ورغم الثراء النفطى الضخم للبلاد لم يواكب الاقتصاد حركة النمو السكانى وزاد النيجيريون فقرا.
كما أن الطريقة التى توزع بها الحكومة الفيدرالية ثروات البلاد النفطية الضخمة تسببت فى إذكاء العنف الطائفى لأنها تمنح التعاقدات فى مجال النفط لذوى الحظوة السياسية ما يعنى أن من يصل إلى السلطة يصل أيضا إلى الغنى ولكن الوصول للسلطة يتم من خلال حشد المؤيدين وهذا لا يتحقق إلا باستغلال الانقسامات العرقية والطائفية ودفع المال لقطاعات من السكان لإثارة الاضطرابات.
وكثيرا ما يؤدى اندلاع أعمال عنف فى منطقة ما من البلاد إلى أعمال انتقامية فى أماكن أخرى، لأنه مثلا عندما يسمع المسلم أن مسلما قتل فى مكان آخر من البلاد يشهرالسلاح ليقتل المسيحى فى جواره وعندما يسمع المسيحى فى جزء آخر من البلاد أن مسيحيا قتل يشن هجمات للثأر من المسلمين فى منطقته، وكل هذا يصب فى النهاية فى صالح تعزيز نفوذ السياسيين من الجانبين.
وأمام ما سبق، لم يكن مستغربا أن تظهر جماعة متمردة تطلق على نفسها « حركة تحرير دلتا النيجر»، والتى تعهدت فى الخامس والعشرين من فبراير ٢٠٠٨، بإطلاق «حرب شاملة» ضد كل شركات النفط الأجنبية فى غربى نيجيريا، مطالبة إياها بمغادرة المنطقة.
وقامت تلك الجماعة فى السادس والعشرين من فبراير ٢٠٠٨ بخطف تسعة عمال نفط أجانب، بينهم ثلاثة أمريكيين وبريطانى وفلبيني، وهم على متن سفينة خدمات نفطية تابعة لشركة «ويلابروس» الأمريكية للهندسة وهى مقاول فرعى لشركة «شل» النفطية فى دلتا النيجر الواقعة جنوب غربى نيجيريا.
وبصفة عامة، تطالب حركة «تحرير دلتا النيجر» بحصول السكان المحليين على نصيب أكبر من الثروة النفطية فى المنطقة وتحاول سرقة كميات من النفط ولذلك يشن الجيش النيجيرى بين الفينة والأخرى هجمات على السكان فى منطقة دلتا النيجر ويقوم باعتقال أشخاص يشتبه فى صلتهم بالمتمردين.
والخلاصة أن نيجيريا، التى تعتبر أكبر منتج نفطى فى إفريقيا وخامس أكبر مصدر نفطى للولايات المتحدة، تشكل بيئة خصبة لترعرع التطرف والعنف العرقى والطائفي، خاصة، أن الكثير من سكانها يعيشون فى فقر مدقع، بينما يحتكر قلة من أصحاب النفوذ الثروة والسلطة.