الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لبنان… ومونديال كرة اللهب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أواخر ولايته وقف الرئيس الأمريكى التاريخى رونالد ريجان، أمام الميديا، وتكاد عيناه تزرفان بالدموع، حينما تعرضت لبنان لأزمة سياسية حادة قائلًا: «إننى أتعاطف مع أمانى الشعب اللبنانى وأمنه»، واستطرد قائلًا: «كان أملى أن أزور هذا البلد الجميل فى شبابى لما سمعته، وأننى أعتبر لبنان دلوعة العالم».
والغريب أن لبنان وسوريا لم تحظ بمثل هذا الاهتمام الأمريكى عام ١٩٤١م؛ حيث مصالح فرنسا التى احتلتها، رغم إرادة البلدين اللذين كانا يتوقان لإنشاء دولة عربية مستقلة لها كيانها وحريتها، ولم تكن فرنسا قد ملأتها نشوة الانتصار غرورًا لتخفف من حدة سياستها الاستعمارية؛ حيث تركزت عقيدتها على عدم قناعتها بفكرة إشراك الشعوب الصغيرة فى حكم نفسها، وإنما كانت متأثرة أولًا وقبل كل شىء بما تسميه (مهمة فرنسا الحضارية) ودفاعها عن حقوق الأقليات المسيحية، واتبعت سياسة التجزئة والتقسيم وأيدت التعددية الدينية والطائفية والمذهبية، وقسمت البلاد إلى لبنان الكبير ودمشق وحلب وأرض العلويين، ثم ضمت حلب إلى دمشق وكونت سوريا وقاومت الشعور القومى والفكرة العربية بكل عنف، وبأساليب القمع والتشريد والسجن، وأمام الإصرار الشعبى دارت مفاوضات عام ١٩٣٦م، لكن فرنسا لم تكن جادة فى رؤيتها، ومع انهيار قوة فرنسا حربيًا وسياسيًا فى صيف ١٩٤٠م أمام الألمان.
وفى ٢٢ نوفمبر أعلن استقلال لبنان الجمهورية، وأسرعت إنجلترا إلى الإعتراف الرسمى باستقلال الدولتين.
والغريب أنه رغم إعلان فرنسا التزامها، لكن كما يقال كانت عين فرنسا فى الجنة، وأخرى النار وقامت باعتقال رئيس الجمهورية ومعظم الوزراء وأوقفت الدستور، وأصبح السلام فى خطر. 
هذه الوقائع التاريخية تعيد للأذهان حقائق خطيرة؛ حيث فرضت نفسها على الساحة الدولية فقد احتضنتها مصر فى عهد الرئيس عبدالناصر لدرجة أن الشعب اللبنانى وقتها كان يدعو بطول العمر للرئيس عبدالناصر الذى بفضل سياسته تحقق التعمير والعمران فى بيروت.
وفى السبعينيات أثناء الحرب الأهلية، انتقل الاهتمام إلى السعودية وتوجت باتفاق الطائف الذى جرد رئيس الجمهورية من كل صلاحياته الدستورية وإبقائه رمزًا بروتوكوليًا مراسيميًا يستشار لكنه لا يطاع، ينصح لكنه لا يسمع، يتولى قيادة القوات المسلحة التى تخضع لرئاسة مجلس الوزراء، وتداخلت قطر كعنصر مكمل للجهود السعودية وانتهت باتفاق الدوحة، ومع ذلك ظل منصب رئيس الدولة شاغرًا لمدة عامين، وكادت الغربان تسكن قصر الذى أصبح بناية مهجورة.
وكانت أول زيارة للرئيس ميشيل عون فى يناير الماضى للسعودية، ثم توجه إلى قطر لكن دخول إيران إلى الساحة بهذه الصورة الوحشية، ليست فقط لدعم من نصر الله المتحدث الرسمى بلسان المصالح الإيرانية فى الشرق، فقد هبط إلى الساحة تحت شعارات جهادية وصور انتصارات وهمية تليفزيونية على إسرائيل ليحصل على المصداقية؛ فإن السعودية تسير بكل قوى وما تملك من حكمة بكل معانيها؛ فإن الأمر يتطلب من الساسة فى لبنان رغم الضغوط الإيرانية الفاشلة تأكيد الإرادة اللبنانية لكى تعيد إلى لبنان الوجه العربى، وتعيد تفتيح رسالته بعيدًا عن صراعات الشيعة والسنة وتغييب الزعامات المارونية؛ لأن للمسيحية فى لبنان حضورًا مميزًا وواعيًا يمكنه أن يشارك فى النجاح، ويجب أن يعلم الشعب اللبنانى أنه ليس «حيطة واطية»؛ لأن القواسم المشتركة العربية تجعل الطوائف بعيدة عن الإستقطاب المذهبى الذى يؤدى إلى صيغ ثنائية لا يمكن أن يكتب لها النجاح.
صحيح أن لبنان بلد ديمقراطى مفتوح القلب والذهن وكافة المذاهب والعقائد فى العالم، بل إنه طوال تاريخه ساحة لنشاط جميع الأنشطة الفكرية والثقافية والمعلوماتية، لدرجة أن يتطلب منها جميع مخابرات العالم ويحرصون على أن يكون لهم على أرضها مقار يجرى مونديال مخابراتي.
وتدور أطروحة حول الدور المصرى قلب العروبة؛ فهناك من يرى إن كان على الرئيس سعد الحريرى فى حالة عودته إلى بلاده تكون محطته الأخيرة القاهرة -ولم يتحدد مصير زيارة الحريرى للقاهرة، حتى كتابة هذا المقال- حيث سيجد المخلصين للقضية اللبنانية المتفهمين، وخير معاونين له لتحقيق الصالح اللبناني، فهناك الكوادر التى لها خبرتها، وحققت نجاحات على الساحة العربية آخرها المهمة الناجحة التى قام بها اللواء خالد فوزى وجهازه لتوحيد الصف الفلسطينى، وأعتقد أن هذا سيكون بمثابة طوق النجاة من دوامة الأزمات المدمرة بلا مزايدة أو مناقصة. وقيام الحريرى بزيارته إلى باريس سواء كان يتصور أنها (المنفى الآمن) أو دار الضيافة؛ فإن خطوة تخصم من ديناميكية العمل العربى الذى لا بد أن يبدأ من القاهرة التى لا يمكن أن تسقط من حسابات أى سياسى عربى سهوًا أو عمدًا.