الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

العالم يحيى غدا يوم التصنيع في أفريقيا تحت شعار "التنمية الصناعية الأفريقية شرط لإقامة منطقة تجارة حرة"

أنطونيو غوتيريس الأمين
أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحيي العالم غدا يوم التصنيع في أفريقيا 2017 تحت شعار "التنمية الصناعية الأفريقية: شرط مسبق لإقامة منطقة تجارة حرة قارية فعالة ومستدامة"، حيث يهدف الاحتفال هذا العام على زيادة الوعي بأهمية التنمية الصناعية الأفريقية في تنفيذ منطقة ناجحة للتجارة الحرة القارية، وبالتالي زيادة تنمية اقتصاد أفريقيا ودعم القضاء على الفقر، ويأخذ هذا الحدث في الاعتبار الدور الذي يؤديه التصنيع في تعزيز القدرة التنافسية في السوق، ويوضح الخطوات اللازمة التي يتعين اتخاذها لكي تحقق البلدان الأفريقية إمكاناتها، وتعتبر القارة الأفريقية هى ثاني قارة مأهولة بالسكان في العالم، وموطن لأكثر من 1.2 مليار نسمة أو 16% من سكان العالم، وعلى الرغم من ذلك، لا تمثل أفريقيا حاليا سوى أقل من 2% من التجارة الدولية والتصنيع العالمي.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في عام 1989 القرار 237 / 44 اعتبار يوم 20 نوفمبر "يوم التصنيع في أفريقيا". ومنذ ذلك الحين، نظمت منظومة الأمم المتحدة أحداثا في ذلك اليوم في جميع أنحاء العالم للتوعية بأهمية تصنيع أفريقيا والتحديات التي تواجهها القارة.
ومن جانبه، أشار أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بهذه المناسبة، إلى أن التصنيع هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف، وسيكون له دور محوري في الجهود الرامية إلى تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وخطة الاتحاد الأفريقي لعام 2063. وقال غوتيريس "يبرز يوم التصنيع في أفريقيا هذا العام الروابط بين التنمية الصناعية والتحركات التي تبذلها أفريقيا نحو إنشاء منطقة للتجارة الحرة القارية. وهذه مساع متعاضدة . وستؤدي الاستثمارات الاستراتيجية في الهياكل الأساسية العابرة للحدود إلى تعزيز القدرات التجارية والصناعية . ويمكن أن يؤدي تشجيع التكنولوجيات الخضراء والحلول المنخفضة الكربون إلى خلق فرص مقنعة لزيادة التجارة والتصنيع على حد سواء.
وذكر غوتيريس أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستظل هي التي تساهم بالفعل بنسبة 80 % من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وتدعم 90 % من جميع الوظائف، جهات فاعلة رئيسية. وسيتعين على الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني إقامة شراكات لتشجيع الابتكار وخلق حوافز لدفع عجلة النمو المستدام. وستستفيد أيضا من قدرات الشباب الأفارقة وتعزيز المؤسسات الأفريقية. ويعكس كل من خطة عام 2030 وخطة عام 2063 هذه الضرورات.
وأكد الأمين العام مجددا التزام الأمم المتحدة القوي بدعم تصنيع أفريقيا، وتنفيذ اتفاق التجارة الحرة القارية، وبناء مجتمعات شاملة وقادرة على الصمود والسلم والازدهار للجميع.
وتعتبر القارة الأفريقية هي ثاني أكثر قارات العالم اكتظاظا بالسكان، مع أكثر من 1.2 مليار نسمة أو 16% من سكان العالم. وعلى الرغم من ذلك، تمثل أفريقيا حاليا أقل من 2% من التجارة الدولية وقطاع الصناعة العالمي. ويتطلب ظهور أفريقيا اقتصاديا وانتقالها من قارة منخفضة الدخل إلى منطقة متوسطة الدخل تحويل الهيكل الاقتصادي من الأنشطة الزراعية والاستخراجية أساسا إلى أنشطة صناعية ذات قيمة مضافة مثل التجهيز والتصنيع، السياحة، الخ.
إن التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة هى أحد الأصول الرئيسية لتمكين أفريقيا من مواجهة التحديات التي تواجهها اليوم، وقد تم الاعتراف بهذه المساهمة بوضوح في الهدف 9 من خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، التي تدعو إلى بناء بنية تحتية قادرة على الصمود، وتعزيز التصنيع المستدام وتعزيز الابتكار، كما هو الحال في الطموح القطاعي أجندة 2063 للاتحاد الأفريقي، من أجل "أفريقيا المزدهرة القائمة على النمو الشامل والتنمية المستدامة".
ولكي تحقق البلدان الأفريقية كامل إمكاناتها، يجب أيضا أن تعزز التكامل الإقليمي والتجارة البينية الإقليمية، وكلاهما محركان للنمو الاقتصادي. ويمكن أن تزيد من فوائد الجهود المبذولة للحد من الفقر وتعزيز الأمن الغذائي والطاقة في أفريقيا.
وكشف التقرير الاقتصادي عن أفريقيا لعام 2017، الصادر بعنوان "التحضر والتصنيع من أجل التحول في أفريقيا الفرص والأولويات السياسية"، أن أفريقيا سجلت نموا اقتصاديا متواضعا بنسبة 1.7% في عام 2016، لم تشهده منذ بداية الألفية، وانخفض معدل النمو الاقتصادي من 3,7% عام 2015 لأسباب خارجية وداخلية، وتمثلت الأسباب الخارجية في استمرار انخفاض أسعار السلع الأولية منذ عام 2014 والتي تمثل الجزء الأكبر من الصادرات الإفريقية، حيث يشكل البترول ومشتقاته 55% من إجمالي الصادرات بينما تمثل السلع المصنعة حوالي 18%، فارتفع العجز في الميزان النجاري إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي. وكذلك تأثرت أفريقيا وبشدة بتباطؤ الاقتصاد الصيني فتراجعت الصادرات الأفريقية للصين من أعلى مستوياتها عام 2013 (116 مليار دولار) إلى 68 مليار دولار، كذلك تأثر النمو الاقتصادي للقارة بارتفاع معدل سعر الفائدة العالمي، والذي أثر سلبا على قدرة الدول الأفريقية على الاقتراض الخارجي.
وأشار التقرير إلى أنه انعكست الظروف المناخية السيئة سلبا على الإنتاج الزراعي لبعض الدول مثل المغرب والجزائر ومالاوي، وتأثر الأداء الاقتصادي لدول وسط أفريقيا بعدم الاستقرار السياسي والأمني التي تمر بها بعض الدول مثل أفريقيا الوسطى. ويعكس الأداء الاقتصادي لأفريقيا ضعف أداء الاقتصادات الكبرى بالقارة حيث انكمش الاقتصاد النيجيري بحوالي 1.6%، بينما نما الاقتصاد الجنوب أفريقي بـ 0.6%، والمصري بحوالي 3.4%. بينما اختلف الأداء الاقتصادي بين المناطق الخمس، فاستمرت منطقة شرق أفريقيا في تحقيق معدلات اقتصادية مرتفعة بنسبة 5.5%، اعتمادا على زيادة الاستثمار في البنى التحتية وزيادة الإنفاق الخاص على الاستهلاك ونمو السوق المحلي. وانخفض النمو الاقتصادي بشدة في منطقة غرب أفريقيا من 4.4% إلى 1.5% متأثرا بانكماش الاقتصاد النيجري، وخالفت كل من السنغال وكوت ديفوار هذا الاتجاه وسجلتا معدلات نمو مرتفعة محققة 6.3% و 8% على التوالي.
وانخفض معدل النمو الاقتصادي في منطقة الجنوب من 2.5% إلى 1% متأثرا بالأداء الضعيف لجنوب أفريقيا وأنجولا، بينما حققت موريشيوس وموزمبيق معدلات نمو جيدة (3.6% ، 4.2%). وشهدت منطقة شمال أفريقيا نموا بلغ 2,6% متأثرا بانخفاض عائدات البترول في الجزائر، وضعف القطاع السياحي في مصر، وانخفاض الإنفاق الحكومي والخاص في المغرب، وفي منطقة وسط أفريقيا انخفض معدل النمو الاقتصادي إلى 2.4%. كما انعكس الأداء الاقتصادي الضعيف للقارة على كافة المؤشرات الاقتصادية الكلية، فارتفعت أسعار الفائدة، وانخفضت قيم العملة الوطنية في العديد من الدول، وارتفع معدل التضخم من 7.5 % إلى 10%. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد القاري لأفريقيا بحوالي 2.6% في عام 2017، والذي يعد معدلا ضعيفا وبعيدا عن معدل 7% المطلوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقدم التقرير مجموعة من التوصيات العملية لصانعي السياسات الاقتصادية، أهمها سرعة تنفيذ عملية التحول الهيكلي نحو التصنيع، وسرعة الاندماج الإقليمي من خلال اتفاقية التجارة الحرة القارية والمتوقع الانتهاء من مفاوضتها بنهاية 2017. وتمثل أفريقيا بالإضافة إلى آسيا، مركز التحضر العالمي. ذلك أنها تمر بمرحلة انتقال حضري سريع، وهى مهيئة لأن تكون أسرع منطقة في التحضر خلال العقود المقبلة. ففي عام 1990 لم يكن يعيش في المناطق الحضرية الأفريقية سوى ثلث سكانها (31%)، أما بحلول عام 2035، فمن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 49%.
وأكد التقرير تحقيق الأهداف القارية والعالمية المتعلقة بالنمو والتحول الشاملين، بما في ذلك خطة عام 2063 وخطة التنمية المستدامة لعام 2030. ذلك أن النظرية والخبرة العالمية توحيان أن التحضر والتحول الهيكلي مرتبطان ارتباطا وثيقا فيما بينهما، ولكن تقل درجة ذلك الارتباط في أفريقيا التي اتبعت مسارها الحضري الخاص بها إلى حد كبير وهو مسار ارتباطه ضعيف بالتحول الهيكلي، بما في ذلك التصنيع. وبالتالي فقد فوتت القارة العديد من الفرص الكفيلة بتعزيز النمو والإنتاجية، بغية الحد من الفقر وتحقيق التنمية الاجتماعية.
وأوضح أن التحضر في العديد من البلدان الأفريقية مدفوعا بتحسين الإنتاجية الزراعية، والواقع أن معظم البلدان تشهد توسعا حضريا سريعا وسط تراجع أو ركود في الناتج الصناعي وانخفاض في الإنتاجية الزراعية، ففي البلدان الأفريقية الغنية بالموارد، يبدو أن صادرات الموارد الطبيعية والإنفاق المتصل بها، وغالبيته على الخدمات غير المتداولة، هى التي تدفع عجلة النمو الحضري، وتولد ما يسمى "بمدن الاستهلاك". وتهدف أفريقيا من التحول الهيكلي تحويل العمالة من الزراعة منخفضة الإنتاجية باتجاه التصنيع والخدمات الحديثة ذات الإنتاجية الأعلى، ولكن الاتجاه الطويل الأجل لهذا التحول كان يهيمن عليه القطاع غير الرسمي وغالبا قطاع الخدمات، حيث يكثر تركز العمالة وغالبيتها في المناطق الحضرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار ضارة على الإنتاجية الاقتصادية بصفة عامة.
وذكر التقرير أن المدن الأفريقية تعاني من انخفاض في الإنتاجية، وقلة فرص العمل، وارتفاع نسبة القطاع غير الرسمي، ولديها فجوات كبيرة في الهياكل الأساسية والخدمات، وضعف في روابطها مع المناطق الريفية، وزيادة أوجه التفاوت، وكثرة الأضرار البيئية، والضعف أمام تغير المناخ وهشاشة النظم والقدرات المؤسسية. وما لم يتم حل هذه العوائق، فإنها ستقوض الإمكانات الحضرية لأفريقيا من أجل إحداث التحول الهيكلي.
وأشار إلى التحدي الذي تواجهه أفريقيا وهو تسريع تحقيق التحول الهيكلي عن طريق تسخير النقلة الحضرية السريعة لتعزيز التنويع الاقتصادي، مع التركيز بوجه خاص على التصنيع الذي سيتيح فرص العمل ويعزز فرص الحصول على الخدمات الأساسية ويقلل من أوجه التفاوت والفقر.
وأضاف التقرير، أن الطبقة الوسطى والاستهلاك الحضري في أفريقيا آخذين في الزيادة، ومع تغير أنماط الاستهلاك، فإن الطلب على السلع المصنعة والمعالجة يرتفع بدوره، مما يتيح فرصة كبيرة لتحقيق التصنيع. ويسلط التقرير الضوء على صناعة السيارات، التي هي مجال يثبت قدرة السياسات الصناعية الأفريقية على اختيار القطاعات ذات النمو المرتفع وتقديم الدعم لها، ويزداد الطلب الحضري كذلك على الغذاء وتتغير أنماطه، مع تزايد عدد سكان الحضر الذين بدأوا في شراء حاجاتهم الغذائية من سلاسل المحلات التجارية الكبرى. وعلاوة على ذلك، تواجه المدن الأفريقية مشاكل كبيرة في تلبية احتياجاتها من المساكن الحضرية مما قد يتيح أيضا فرصا أفضل لتحسين ظروف المعيشة الحضرية وتوفير فرص العمل في قطاعات البناء والخدمات. وينجم عن التنمية الحضرية أيضا طلب على الهياكل الأساسية العامة، حيث يمكن الاستفادة من ذلك من خلال اتباع سياسات المشتريات ودعم الشركات المحلية العاملة في صناعة البناء، كما يمكن للجماعات الاقتصادية الإقليمية في أفريقيا أن تساهم في تعزيز المزايا الجغرافية الإقليمية وكذلك الأمر بالنسبة لمنطقة التجارة الحرة القارية الجديدة.
وقال التقرير إن تولي العديد من البلدان الأفريقية درجة عالية من الأسبقية للمناطق الحضرية – فالمدينة الكبيرة كبيرة جدا، وهناك عدد قليل من المدن الكبيرة أو المتوسطة الحجم، والمدن الصغيرة صغيرة جدا. ويبرز التقرير فوائد النظم الحضرية المتوازنة على نحو سليم والمدن التي تعمل بشكل جيد من أجل تحقيق التنمية الصناعية. كما يبرز أنه يمكن للنظام الحضري المتنوع أن يقدم للشركات الصناعية مجموعة متنوعة من الخيارات لتلبية احتياجاتها المحلية المختلفة.
وبينما يشير التقرير إلى أن العديد من البلدان تتبع سياسات تهدف إلى تعزيز التنمية الحضرية والصناعية في المدن الصغرى، فهو يؤكد أن مركزة الصناعة في المناطق المتخلفة لم تحقق النجاح عموما، لأن فوائد القرب من المدن التنافسية القائمة بما في ذلك الوصول إلى الأسواق، والعمالة، والمدخلات، والمعرفة، والهياكل الأساسية، لا يمكن تكرارها بسهولة في أماكن أخرى. وقد عانت السياسات الرامية إلى إنشاء مدن جديدة بنفس القدر. ذلك أن التكامل الإقليمي يعطي فرصا لزيادة الاستفادة من الزخم الحضري عبر الحدود من أجل تلبية الطلب على الصناعة. فالمناطق الاقتصادية الخاصة، على الرغم من اختلاط حالات النجاح والفشل، يمكن أن يكون لها أثر أكبر إذا ما تمت إدارتها بشكل جيد وربطت ربطا وثيقا مع المدن والتجمعات السكانية التي تعمل بشكل جيد، بدلا من بقائها كجيوب معزولة.
ويرى التقرير أن اقتصادات التكتل في المدن لها فوائد كبيرة بالنسبة للشركات، وهناك أدلة على أهمية هذه الفوائد بالنسبة للصناعات الأفريقية. ولكن دخول العديد من المدن الأفريقية مرحلة عدم الجدوى الاقتصادية في مراحل عمرية سابقة لأوانها يقوض الميزة الإنتاجية الحضرية. وتتصل العوائق أمام تشكيل المدن التي تعمل بشكل جيد باختلالات أسواق الأراضي، ومشاكل النقل، وعدم كفاية الهياكل الأساسية، والفصل الاجتماعي، وتدهور شكل المناطق الحضرية. وتمر العديد من المدن الأفريقية بمرحلة حرجة حيث لديها فرص لحل التحديات المكانية والمؤسسية قبل حدوث موجة هائلة من التنمية الحضرية التي لا يمكن التحكم فيها بشكل جيد. ويعود السبب في الخلل الذي تعاني منه المناطق الحضرية جزئيا إلى ارتفاع تكاليف المعيشة والعمل في المدن الأفريقية وذلك بالنسبة للأشخاص والصناعة. وبالنظر لحجم القيود الحضرية والأهمية الاقتصادية للمدن، فإن السياسات الرامية إلى معالجة هذه القضايا لم تكن كافية حتى الآن.
وأكد التقرير أنه على الرغم من أهمية المدن بالنسبة للتنمية الصناعية، فإن السياسات والتخطيط والاستراتيجيات والأطر المؤسسية في أفريقيا كثيرا ما تكون منفصلة وغير مرتبطة مع بعضها. فالتوسع الحضري السريع يمكن أن يشكل مكسبا قويا لتحقيق التصنيع شريطة أن يتم تسخيره من خلال إطار سياساتي شامل لعدة قطاعات يرتكز على التخطيط الإنمائي الوطني. ونظرا لأن التحضر له آثاره المتعددة الأبعاد على التصنيع والنمو الاقتصادي، فإن التدخلات الاستراتيجية ذات الأولوية المنفذة في إطار التخطيط الإنمائي الوطني ستعود بالنفع على التنمية الحضرية والصناعية. وعلى الرغم من وجود تجارب إيجابية للتعامل مع التحضر ضمن الرؤية الإنمائية الوطنية وعمليات التخطيط، إلا أن هناك مجالا لتحسينها لكفالة أن تراعي مسألة التعقيد والجوانب المشتركة بين القطاعات والمستويات المتعددة للتحضر بعين الاعتبار. وأن للقرارات السياسية المتعلقة بالتصميم الحضري وهياكله الأساسية آثارا طويلة الأجل، وبالتالي سوف تشكل تلك القرارت مسارا للتنمية بالنسبة للمدن الأفريقية.
وعلى الحكومات بمختلف مستوياتها أن تتخذ خيارات صعبة بشأن نطاق الاستثمارات التي تحتاجها ونوعها، وكذلك نمطها المكاني وشكلها الحضري الذي ترغب في تحقيقه. وتحدد هذه الأمور جزئيا عبر رؤى التنمية الوطنية والأولويات الصناعية وآثارها المكانية. كما ينبغي على صناع القرار العمل على إعادة ربط التحضر والتصنيع لأسباب ثلاثة: تتطلب المدن التي تعمل بشكل جيد تصنيعا يتسم بأداء أفضل؛ يتطلب التصنيع الذي يعمل بشكل جيد مدنا تتسم بأداء أفضل؛ يواجه التصنيع والتحضر تحديات مشتركة. وتتمثل العناصر الرئيسية فيما يلي : الأهمية المركزية للتخطيط الإنمائي الوطني. وأن التخطيط الإنمائي الوطني، لابد من وجود منظور استراتيجي شامل لعدة قطاعات بهدف ربط التحضر بالتصنيع. وينبغي للسياسات القطاعية للتنمية الصناعية أن تراعي الآثار المترتبة على التوسع الحضري السريع في أفريقيا، وأن تعمل السياسات الحضرية على تحسين إدماج التنمية الصناعية الغنية بالوظائف بهدف تحقيق تحضر قابل للاستدامة. وبهذا الشكل يمكن ربط الاستراتيجيات الحضرية والصناعية على نحو واضح بالأهداف الوطنية الأوسع نطاقا المتمثلة في إيجاد فرص العمل والحد من الفقر وتحسين نوعية الحياة في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.
وكشف التقرير أن لاستهداف القطاعات آثارا مباشرة على السياسات الصناعية والحضرية وتلك الخاصة بالاستثمار. ونظرا لما يتيحه الاستهلاك الحضري من فرص، فإنه ينبغي استهداف القطاعات عالية النمو ذات الصلة بالاستهلاك، لاسيما القطاعات التي تستجيب للطلب في المناطق الحضرية. وعلى صعيد القطاعات، تعد الأطر المؤسسية والهياكل الأساسية اللازمة لدعم روابط مراحل الإنتاج الضرورية لإنتاج الأغذية المحلية. ومن شأن العمل مع الشركات الرائدة لزيادة قدرة الموردين في هذا المجال أن يكون أداة سياسية قوية. وبالمثل، ينبغي للحكومات أن تعزز بناء المساكن بسعر السوق وكذلك المساكن الاجتماعية لتوسيع قطاع البناء الوطني وصناعة مواد البناء.
ويمكن أن تؤدي الاستثمارات في الهياكل الأساسية إلى إيجاد فرص العمل وتنمية القدرات المحلية في صناعة البناء، وخاصة حين يكون بالإمكان بناء هياكل أساسية بالاستعانة بالتكنولوجيات كثيفة العمالة. ولا شك أن الحاجة قائمة لدعم الشركات المحلية لتمكينها من الوفاء بمعايير الجودة. وقد تكون الشركات المحلية غير قادرة على الاستجابة للفرص المتعددة التي يتيحها الطلب الحضري دون الحصول على دعم من السياسات. ولذلك فهي تحتاج إلى إطار تنظيمي تمكيني، وتحتاج إلى فرص في التدريب وبناء المهارات، وتحتاج إلى الهياكل الأساسية.
كما يمكن للدعم المستهدَف أن يعزز هذه القطاعات والصناعات المرتبطة بها، بما في ذلك السياسات الرامية إلى تعزيز المكون المحلي، ورفع مستوى الصناعات، وتنمية المهارات، وتشبيك المؤسسات، وتوفير مرافق لدعم سلاسل الإمداد. وعندما يقترن استهداف القطاع بالمدن الثانوية المخطط لها استراتيجيا وبممرات النقل الرامية لاستغلال ثروات الموارد الوطنية مثل الزراعة، فإن الآثار قد تكون واسعة النطاق.
وأوضح التقرير أن السياسات الصناعية تسعي إلى الإجابة على سؤالين هما: ما هي طبيعة المنتجات المطلوبة؟ وأين مكان إنتاجها؟ وكلاهما له أبعاد مكانية. وينبغي أن توضع الاستراتيجيات وفقا للاحتياجات المكانية للقطاعات والشركات المستهدفة، وأن يجري تطوير أنواع مختلفة من المدن لتتناسب مع الاحتياجات المختلفة للصناعات. ذلك أن الاستهداف المكاني هو الذي يحدد نوعية الصناعات التي توجد في مكان معين، وكذلك تحديد المدن والمناطق الحضرية التي ينبغي أن تحظى بالأولوية عند القيام باستثمارات معينة في مجال الهياكل الأساسية.
ولما كانت سلاسل الإنتاج الصناعي قائمة وتعمل على خلفية جغرافية، فإن المدن والروابط القائمة بينها يجب أن تكون موضوع التخطيط. وتحتاج البلدان إلى اعتماد الاستهداف المكاني من خلال توجيه الاستثمارات وتحديد أولوياتها بطريقة استراتيجية للاستفادة من المزايا الحضرية للتنمية الصناعية والتوفير في الموارد الشحيحة. ويجب أن يجرى هذا الاستهداف تقييما لفوائد الاستثمار وتكاليفه في مختلف المدن لمقارنة عوائد الاستثمارات في مواقع مختلفة، ولكن يجب عدم إهمال المدن المركزية القائمة لأنها ستظل محورية في التنويع والنمو الاقتصاديين. وعندما يتم التنسيق بين التخطيط القطاعي والمكاني، فإن المشاريع الصناعية والاستثمارات في الهياكل الأساسية تمضيان قدما جنبا إلى جنب نحو المدن ذات الأولوية والمناطق الحضرية. ولذلك فإن على البلدان دعم نظام حضري وطني أكثر توازنا. ويمكنها تلبية الاحتياجات المكانية للصناعات المستهدفة. وتعزيز المناطق الاقتصادية الخاصة في سياق جغرافي متصل. ويمكنها مراعاة جغرافية المزايا النسبية، بما في ذلك الموارد الطبيعية والشبكات. ويمكنها كذلك أن تدعم التكامل الوظيفي بين المدن في النظام الحضري الوطني.
وينبغي للحكومات التي تحاول اختيار مكان ما للتنمية الصناعية أن تولي اهتماما للخصائص الطبيعية للمكان والإمكانات الكبيرة المتوفرة لدى الهياكل الأساسية والكتل العمرانية. ويمكن للبدائل المتمثلة في المدن الثانوية المتوفرة على الخدمات والقابلة للاستمرار أن تمنح الشركات الكبيرة خيارات أفضل على الصعيد المحلي. ذلك أن الاستثمارات ستكون أكثر فعالية من حيث التكلفة في المدن القريبة من عتبة المنافسة وتستهدف الصناعات المهتمة بالفعل بالتواجد في تلك المدن. أما على المدى الطويل، فسيؤدي الاستثمار في الطرق والربط بين المدن، إلى الحد من إعطاء الأسبقية للمناطق الحضرية وتحقيق اللامركزية في التنمية الصناعية. وأنه ينبغي للحكومات اتخاذ مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك تحسين إدارة الشكل الحضري الناشيء؛ وتحسين إدارة الأراضي العامة وكفاءة أداء أسواق الملكية؛ والاستثمار في النقل المتعدد الوسائط مع التركيز على وسائل النقل الجماعي، ووسائل النقل غير الآلية، والشحن؛ ومعالجة مشاكل الحصول على السكن من خلال البرامج التمكينية وبرامج الإسكان الاجتماعي؛ ومنح الأولوية لاستثمارات الهياكل الأساسية الاستراتيجية؛ ووضع الصناعة في المرتبة الأولى في التخطيط للتنمية الاقتصادية المحلية. أما المدن تحديدا فعليها أن تعزز قطاع الخدمات التجارية وصلاته بالصناعة، لاسيما في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتمويل.
كما ينبغي للمدن والكتل العمرانية أن تضع استراتيجيات للتنمية الاقتصادية المحلية مع التركيز الواضح على تسريع التصنيع، بحيث تدرج تلك الاستراتيجيات السياسة الصناعية الوطنية والسياسة الحضرية الوطنية، مع مراعاة المزايا التنافسية لبعض المدن بما في ذلك تقاسم المعارف في المدن الكبيرة والمتنوعة والروابط بين المناطق الحضرية والريفية بالنسبة للمدن الصغرى. وتتوقف اقتصادات التكتلات على تحسين إمكانية الوصول إلى الأسواق الأكبر، وإلى أماكن توفر العمالة، وإلى طائفة واسعة من المدخلات والمعارف والأفكار الجديدة. وبالتالي فإن صياغة السياسات أمر مطلوب لمساعدة مختلف الفاعلين الاقتصاديين على التفاعل فيما بينهم وبين المدن بهدف تحسين الإنتاجية. وفي هذا الصدد، فإن إدارة النقل الحضري واستخدام الأراضي عنصران يحظيان بأهمية كبيرة بالنسبة لإدارة المناطق الحضرية التي تعمل بشكل جيد. وبالنظر إلى أن اقتصادات التكتل يشوبها الآن ضعف في الاتصال والنقل والهياكل الأساسية في المناطق الحضرية، فإنه ينبغي للحكومات أن توفر شبكة من روابط النقل المتصلة، بما في ذلك المناطق الصناعية، والسياسات الداعمة للحد من تكاليف النقل ومشاكل الازدحام.
وأشار التقرير أنه ينبغي للسياسات أن تحظى بالدعم من خلال التمويل والهياكل المؤسسية التي تتيح التنفيذ المنسق وتدعم الميزانية. وينبغي أن تتواءم الهياكل المؤسسية للسياسات الوطنية والصناعية والحضرية مع هيكل السياسات لكفالة الاتساق بين أهداف السياسات والأغراض والقدرات المؤسسية. ويشكل تشتيت كفاءات التنمية الحضرية بين عدة كيانات والتداخل بينها تحديا بالنسبة للمؤسسات. ويشوب الضعف الصلة بين التنمية الحضرية وتخطيط التنمية الاقتصادية والتصنيع بشكل خاص. وبالتالي فإن التنسيق مع قطاعات أخرى غير صناعية أمر بالغ الأهمية. فالطاقة والنقل والاتصالات والتكنولوجيا قطاعات تكتسي أهمية خاصة في تشكيل المشهد الحضري. وذلك ما يجعل من الأهمية بمكان إنشاء آلية للتنسيق الاستراتيجي وتنسيق النهج المعمول بها.
ويعد إنشاء منصة تنسيق مشتركة بين القطاعات خطوة أولى ذات أهمية في معالجة النطاقات الجغرافية المتعددة للتحضر سواء أكانت على المستوى المحلي، أو على مستوى المدن أو على المستوى الإقليمي. فكثيرا ما تؤدي مشاكل الربط بين السياسات والميزانيات والهياكل التنظيمية إلى اختلالات عند التنفيذ. وينبغي أن تستند عمليات الميزنة الوطنية ودون الوطنية، وخاصة بالنسبة للمشاريع الرأسمالية، إلى السياسات والاستراتيجيات الصناعية والحضرية، وكذلك الأمر بالنسبة للإنفاق الرأسمالي. وينبغي أن تستهدف الاستثمارات في الهياكل الأساسية تحسين عمل المناطق الحضرية لدعم الصناعة وخدمة النظام الحضري الوطني في داخل المدن وفيما بينها. ولإشراك القطاع الخاص وتنسيق الاستثمارات أهمية كبيرة كذلك عند التنفيذ. ومن الأمور ذات الأهمية أيضا تمكين السلطات المحلية الحضرية بتزويدها بالصلاحيات والإمكانيات المالية اللازمة لتخطيط مدنها وإدارتها لأغراض التنمية الصناعية. ومن التحديات الكبيرة في مواءمة التنمية الحضرية والصناعية ندرة المعرفة والأدلة. فالبيانات الاقتصادية المكانية تحديدا، لاسيما على المستوى دون الوطني نادرة وتعاني من المشاكل. ومن ثم، يلزم توثيق التعاون بين الوكالات الحضرية والمكاتب الإحصائية الوطنية.
وطالب التقرير إبداع أدوات لتوجيه صانعي القرار ومسؤولي التخطيط وأصحاب الممارسة المكلفين بصوغ السياسات الحضرية والصناعية وتنفيذها بطريقة منسقة، بحيث يركزون على الأهداف الوطنية للنمو والتحول. ويمكن لهؤلاء جميعا التركيز على ضرورة التنسيق بين التحضر والتصنيع، ولكن لا يزال هناك مجال لتعزيز قدراتهم، استنادا إلى الممارسات التي نجحت في أفريقيا وفي أماكن أخرى. ويمكن أن تكون الشراكات الإقليمية، المصحوبة بالمساعدة التقنية الملائمة، مفيدة في هذا المجال.