الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الزي الكهنوتي.. شاهد على تاريخ الكنيسة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
القس شنودة عيسى: الأرثوذكسية استقرت على الأسود وقارًا واحتشامًا
أطلق على الملابس الرهبانية الشكل الرهبانى، وقديمًا كان يطلق عليها الشكل الملائكي، ولربما ما يرتديه الراهب من القلنسوة، وهى التى تشبه قلنسوة الأطفال التى تضفى على الراهب الشكل الطفولى الملائكى من البساطة والبراءة، وكما قال السيد المسيح «إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال لن تدخلوا ملكوت السموات»، وحفظ الطقس الكنسى صلوات خاصة على هذه الثياب، وكانت القوانين الرهبانية مشددة من جهة الالتزام بارتداء هذه الملابس دون غيرها.
ففى بحث جديد عن «تاريخ القلنسوة الرهبانية» مقدم من الأنبا مارتيروس الأسقف العام فى ٢٠١٦، شرح كلمة «قلنسوة» فى اللغة، وتسمى كولوليون أو كوكلس، وهى عبارة عن غطاء للرأس، وهى تشبه غطاء رأس الأطفال والجمع منها قلانسُ، وقلانيس، وقَلاَسٍ، وقَلاسِي.
وعن أصل ظهور «القلنسوة» فقد ورد فى كتاب بستان الرهبان بخصوص القلنسوة التى سلمها الملاك للقديس العظيم الأنبا أنطونيوس المنظم الحقيقى للحياة الرهبانية وهو يرتدى القلنسوة، وقام من موضعه وانتقل إلى مكان آخر وجلس، وإذا برجل جالس أمامه وعليه أسطوانة ومتوشحا بزنار صلب مثال الإسكيم، وعلى رأسه كوكلس شبه الخوذة، وكان جالسًا يضفر الخوص، وإذا بذلك الرجل يتوقف عن عمله ويقف ليصلي، وبعد ذلك جلس يضفر الخوص، ثم قام مرة ثانية ليصلي، ثم جلس ليشتغل فى ضفر الخوص، وهكذا.
أما ذلك الرجل فقد كان ملاك الله، أرسل لعزاء القديس وتقويته، إذ قال لأنطونيوس: «اعمل هكذا وأنت تستريح»، ومن ذلك الوقت اتخذ أنطونيوس لنفسه ذلك الزى، وهو شكل الرهبنة، وصار يصلى ثم يشتغل فى ضفر الخوص، وبذلك لم يعد الملل يضايقه بشدة.
لذلك يقول القديس أثناسيوس الرسول، تلميذ الأنبا أنطونيوس وكاتب سيرته، بخصوص ملابس الراهب «وثيابك الأساسية لا تكن ثمينة للغاية، ورداؤك الخارجى ليكن أسود اللون، ولا تضيف له صبغة الألوان، واجعله يغطى الجسم والأظافر، والأكمام تغطى الأذرع إلى أصابع اليدين، وتغطى شعر الرأس المنسدل بغطاء من وبر، وتربط الشعر المنسدل برباط يغطيك إلى الأكتاف، حتى إذا ما تقابلت مع أى شخص يكون الوجه مغطى، وتشير له من تحت البرقع، ولا ترفعه من على وجهك لأى إنسان، إذا لم تكن منفردًا مع إلهك».

لون القلنسوة
ويتناول البحث لون القلنسوة، ويقول نظرًا لأن ملابس الراهب كانت من الكتان الأبيض، كما يقول كتاب «الهيستوريا موناخورم»، عن رهبان الأب باتروموثيوس، وكان عددهم خمسمائة راهب «وكان يمكن للمرء أن يراهم كمثل جيش من الملائكة الحقيقين ينمون فى نظام الكمال ويرتدون ملابس بيضاء»، وذكر عن جنازة عظيمة لقديس يدعى مرقص، حضرها عدد كبير من الرهبان «وذهب كل الرهبان بملابسهم البيضاء إلى الإسكندرية لتشييع جنازة مرقص»، ويذكر أيضًا، أن الأنبا موسى الأسود، ترهب بالثياب البيضاء، وقال له الأسقف «لقد أصبحت الآن كامل البياض يا أبانا موسى».
تغييرات الزى الكهنوتى
فى أيام البابا مرقس الثانى (٧٩٩م – ٨١٩م) وفى عهد الخليفة المأمون (٨١٣م – ٨٣٣م)، ذكر أن حدث خراب كبير بأديرة وادى النطرون «نهبوها العرب وأسروا الرهبان وهدموا بيعها والمناشيب وتشتتوا الشيوخ القديسين فى كل موضع من الأرض».
وأمر الخليفة المتوكل (٨٤٧م -٨٦١م) فى عهد البابا قزمان الثانى (٨٥١م – ٨٥٨م) بألا «يكون أحد من النصارى الأرتدكسيين والملكانين والنسطوريين ولا اليهود بلباس أبيض، بل بلباس مصبوغ، ليظهروا فى وسط المسلمين»، ويقول إن النصارى قبل هذا اليوم لا يلبسون ثيابا لها أكمام، بل يلبسون ثيابًا بغير أكمام كما يلبس الرهبان الذين هم يضعونهم أباؤهم» ويذكر المؤرخ ابن بطريق «لم يزل النصارى يلبسون السواد ويركبون الخيل فى أيام المتوكل».
وفى عهد البابا شنودة الأول (٨٥٩م – ٨٨٠م) حدث أنه «كانوا الأباء الأساقفة من شدة الخوف يتزايوا بزى العلمانيين، ويغيروا لباسهم ويمشوا رجالا بغير دواب، حتى يمضوا إلى التى يريدوها»، وفى زمن الحاكم بأمر الله (٩٩٦م – ١٠٢١م) أمر بأن «تشد النصارى الزنار فى أوساطهم ويلبسوا على رؤوسهم عمائم سود، ويركبوا بركب خشب ولا يركب أحد منهم بركب حديد، وأن يحملوا صلبان طول شبر».
فى بداية حكم صلاح الدين االأيوبى (١١٧٤م –١١٩٣ م)، وفى عهد البابا مرقس ابن زرعة السريانى (٩٧٥م – ٩٧٨م) ذكر «خروج أمره بأن يغير النصارى زيهم ليعرفوا من المسلمين، بأن يشدوا زنانيرهم فى أوساطهم ولا يتردون بعرضى ولا طيلسان ويرفعون عدب عمائمهم ولايركبون».
وفى أيام البابا يوأنس التاسع (١٣٢٠م – ١٣٢٧م) فى مملكة محمد بن قلاون (١٢٩٣م – ١٣٤١م) «جرت شدائد كثيرة على النصارى وأشهروهم على الجمال وألبسوهم العمائم الزرق».

تدهور واضمحلال الأديرة
وبشهادة المؤرخ أحمد عبدالقادر المقريزى، فقد وصلت حالة أديرة مصر من التدهور والاضمحلال، نذكر أن آخر خطب نزلت بالأديرة، وكانت بلا شك أوقع وأروع من كل ما سبق من نوعها، ذاك الضيق والضنك والاضطراب والكرب التى أثارها فى سنة ١٣٢١م الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهو الشيخ المقريزى الذى دون فى كتابه المشهور تفاصيل تدمير ٥٦ كنيسة وعدد كبير من الأديرة، إذ يقول: «وضرب من الديارات شىء كثير وأقام دير البغل ودير شهران مدة ليس فيهما أحد، وكانت هذه الخطوب الجليلة فى مدة يسيرة قلما يقع مثلها فى الأزمان المتطاولة، هلك فيها من الأنفس وتلف فيها من الأموال وخرب من الأماكن مالا يمكن وصفه لكثرته ولله عاقبة الأمور».
ولم نسمع أي أخبار عن القلنسوة بعد ذلك، خاصة بعد تاريخ البابا متاؤس الأول، حتى ظهور محمد على بك الكبير (١٨٠٥م – ١٨٤٨م) ومع إنهدام أديرة كثيرة، وقلة عدد الرهبان الراغين فى الرهبنة، وفقر الأديرة المدقع، والفقر العلمى اللاهوتى والمعرفى حتى باتت الأديرة يحرسها عدد قليل يعد على الأصابع من الرهبان يعيشون فى فقر لا يوصف، حتى أنهم كانوا يحتفظون بالترمس ليبلوه بالماء والجبن القديم، وهم كانوا «لايأكلون غير العدس ويأكلون اللحم إن توفر لهم أيام الأعياد» لسد جوعهم فى أيام الضيق.
ولايخبزون إلا مرة كل أسبوع، ويتعلقون بقافلة الجمال التى تأتى إليهم ببعض المأكولات والحاجيات، وكانت كثيرًا ما تتأخر بالأسابيع، وربما اختفت القلنسوة عند الرهبان، وحل محلها طاقية بسيطة من الصوف أو القطن تستر رأس الراهب، وتحتها شريط قماش منقوش عليه ثلاثة صلبان لتكون على الرأس وخلف الرقبة وخلف الظهر.
الزى الكهنوتى الحالى
من جانبه، قال القس شنودة عيسى، كاهن كنيسة مارجرجس الزاوية الحمراء، إن الملابس الكهنوتية مرت ببعض التغيرات عبر التاريخ فى ألوانها واستقرت الكنيسة الأرثوذكسية على اللون الأسود فى النهاية، لأنه يدل على الوقار والاحتشام. وقال عيسى لـ«البوابة» إن أسعار الملابس الكهنوتية تختلف حسب المكان ونوعية الخامات وطرق التصنيع، وأكد أن لبس الكهنوت عند السيامة يكون على حساب الكنيسة وليس من مال الكهنة الخاص.
وتابع: بعد ذلك يقوم الكاهن بشراء احتياجاته على نفقته الخاصة، ويتكون الزى الكهنوتى من العمة والجلابية، كانت الفراجية فى البداية يتم وضع صليب كبير يعلق على الصدر، وصليب يحمله الكاهن فى اليد، أما ملابس الخدمة فى القداس هى تونية بيضاء وطيلسانة وتليج للقدم لونه أبيض، وصدرة ملوكية يتم ارتدائها فى الأعياد والاحتفالات، أما الأحذية ليس لها شروط معينة، ولكن يجب أن تكون مريحة لأن الكاهن يلبسها لفترات طويلة، وفى الشتاء يلبس الكاهن الشال باللون الأسود ليتناسب مع لبس الكاهن السوداء.