فى الوقت الذى ترقد فيه الفنانة الكبيرة شادية على فراش المرض نتيجة إصابتها مؤخرًا بجلطة فى المخ، تتصاعد دعوات محبيها إلى عنان السماء يطلبون من الله أن يتمم شفاءها، ورغم أنها لم ترزق بأولاد؛ فإنها منحت كل من تعامل معها من الفنانين الشباب مشاعر الأمومة بكل صدق ودون رياء، وأصبحت بمرور الوقت الملاذ الآمن لهم الذى يحميهم بالمشورة والنصح والقلب المليء بالمشاعر الإنسانية.
تبقى الرائعة شادية واحدة من أعظم من جسد شخصية الأم فى الأعمال الفنية، حتى أصبحت أيقونة فى المناسبات الخاصة بالأمومة والطفولة، ويظل فيلم «لا تسألنى من أنا» شاهدًا قويًا على مشاعر الأمومة التى بثتها شادية سواء بين هؤلاء الفنانين الذين جسدوا أدوار أبنائها، أو على الشاشة الساحرة حينما تطل عبر هذا الفيلم على جمهورها سواء من الأمهات أو الأبناء لتمنحهم مزيدًا من الدفء وضوءًا أخضر للمرور بكل بساطة ويسر للقلوب.
وإذا كانت شادية لم تنجب فى الواقع فقد كانت فى هذا العمل أمًا حقيقية لكل من يسرا وإلهام شاهين وهشام سليم وناصر سيف وطارق دسوقي، حتى الفنانة هالة صدقى التى لعبت شخصية زوجة الفنان فاروق الفيشاوى، الذى كان يجسد شخصية «مدحت» ذلك الرجل الذى كان يتلاعب بمشاعر «زينب» التى جسدتها الفنانة يسرا فيلم فى «لا تسألنى من أنا»، عرض عام ١٩٨٤ وأخرجه أشرف فهمي، وجسدت شادية فى الفيلم دور «عائشة» السيدة الفقيرة التى أنجبت كثيرا من الأبناء، ولا تستطيع الإنفاق عليهم، فتضطر لبيع ابنتها الصغرى التى قامت بدورها الفنانة يسرا لسيدة ثرية لا تنجب لكى تستطيع أن تربى باقى أبنائها، ولكنها فى الوقت نفسه لا تستطيع الابتعاد عن ابنتها، فتعمل خادمة لدى السيدة الثرية لكى تكون بجانب ابنتها.
ويكبر الأبناء ويحصلون على شهادات جامعية ووظائف مرموقة، ويطلبون من أمهم الكف عن العمل كمربية، ولكنها ترفض حتى لا تترك ابنتها وحيدة.
وقدمت الفنانة شادية دور الأم فى الفيلم بصدق شديد، ومن أجمل المشاهد التى قدمتها، عندما تخبر ابنتها بحقيقة الأمر، وأنها أمها الحقيقية، وأنها اضطرت لفعل ذلك من أجلها ومن أجل إخوتها.
المشهد الذى كان بداية للحقيقة، أشعل بعد ذلك عواطف الحب حينما شعر الأبناء بضياع والدتهم، وظلوا يبحثون عنها حينما قررت الابتعاد وتركهم فى واحد من أجمل المشاهد التى صاغتها كاميرا أشرف فهمى، ليجدوها على سطح المنزل، لتثبت فى مشهد للتاريخ أنها حينما قررت تركهم لم تجد لنفسها مكانا إلا سطح المنزل لتظلل بدفئها على عش أبنائها.
«البوابة» حاورت أبناء شادية فى هذا العمل، الذين قدموا عبر كلماتهم باقة ورد لها، وتمنوا أن تخرج بسلام من أزمتها الصحية الأخيرة.
«يسرا»: أسطورة فنية ووطنية لن تتكرر
صاحبة خبرة طويلة.. وحفرت تاريخًا فى ذاكرة الفن المصرى
جسدت الفنانة الكبيرة يسرا شخصية «زينب»، وهى الفتاة التى باعتها والدتها بسبب ظروف الأسرة الاقتصادية، ومن أجل تربية أشقائها تقول، إن الفنانة شادية ثروة قومية كبيرة جدا على المستوى الإنسانى والشخصى والفنى والوطنى وهى سيدة لن تتعوض لا إنسانيا ولا فنيا.
وتضيف يسرا: «تربطنى بها علاقة من أجمل ما يمكن وربنا يديها طولة العمر والصحة ويرجعها لأسرتها بالسلامة إن شاء الله».
وعن كواليس تعاملها معها فى فيلم «لا تسألنى من أنا»، تقول: «كانت كواليس أكثر من رائعة، وأجمل ما يمكن، وتشعر بصدق أنك وسط عائلتك الحقيقية، وكانت الكواليس تسير بشكل لا يوصف، فوقت العمل للعمل ووقت الهزار هزار، خصوصا أنها فنانة دمها خفيف جدًا وكانت ملتزمة للغاية بكل المواعيد».
وتتابع يسرا: «كنت أحكى لها كل حاجة تخصنى وأى شيء يحدث لى فى حياتى، وكنت آخذ نصائحها لأنها صاحبة خبرة طويلة جدًا».
وتستكمل يسرا: «هى فنانة لا يوجد لها مثيل، ولا يمكن أن تتكرر مرة أخرى؛ فأنا أرى أن شادية بالنسبة لى مصر، شادية بالنسبة لى فن وعطاء ومحبة، وكانت تعتز بفنها ومشوارها الفنى رغم أنها ابتعدت عن الأضواء واعتزلت منذ فترة طويلة».
وتروى يسرا موقفا وصفته بأنه لا يُنسى، قائلة: «ظل فيلم «المرأة المجهولة» لشادية يعرض لمدة عام كامل، ويحمل لافتة «كامل العدد» يوميا، أكبر دليل على مدى نجوميتها ونجاحها وشعبيتها الكبيرة، فهى فنانة أجادت التمثيل والغناء معا، وهناك أعمال كاملة لها لم تعتمد فيها على صوتها بل على فنها وحبها للتمثيل، واستطاعت أن تحفر تاريخًا فى ذاكرة الفن المصرى بإخلاصها وحبها للفن».
وتنهى يسرا كلامها قائلة: «الفنانة شادية أسطورة عظيمة فى تاريخنا وفى حياتنا، وفى فننا وعلمتنا الحب والعطاء والوطنية، وعلمتنا نحترم نفسنا ونحترم فننا، وهى لن تتكرر مرة أخرى، وربنا يشفيها ويحفظها لينا ولمصر اللى بتحبها».
إلهام شاهين: أفضل من مَثّلت دور الأم
كنت أبكى عندما أرتمى فى حضنها.. ولا أنسى لها دعمى فى امتحاناتى
أكدت الفنانة إلهام شاهين التى جسدت شخصية «ليلى» ضمن أحداث فيلم «لا تسألنى من أنا»، أنها ترى أن الفنانة القديرة شادية، هى أفضل فنانة قدمت دور الأم على شاشة السينما، بفضل الحنان الذى تتمتع به، مشيرة إلى أن مشاعر الأمومة المتدفقة لدى شادية كانت نابعة من قلبها دون أى تمثيل، سواء أثناء تصوير مشاهدها فى الفيلم، أو فى الكواليس، وعلاقتها الطيبة بكل من شارك فى هذا العمل.
وأضافت «إلهام، أنه ليس شرطًا أن تكون المرأة أمًا فى الواقع، حتى تظهر مثل هذه المشاعر، وأن هذا ظهر جليًا فى علاقتها مع الفنانة شادية فى الفيلم، وبالرغم من أن شادية لم تذق طعم الأمومة؛ فإنها كانت تحنو على الجميع، وتذكر إلهام أن المشاهد التى جمعتها بشادية كانت مؤثرة للغاية، حتى إن دموعها كانت تنساب بطريقة عفوية بمجرد أن تحتضنها شادية.
وأشارت إلى أنها ما زالت تتذكر موقفًا تعرضت له أثناء تصوير الفيلم، ولم يقف بجوارها سوى شادية، مشيرة إلى أنه صادف تصوير هذا الفيلم فترة امتحاناتها، وكانت أوقات تصويرها فى العاشرة صباحًا، وكانت تخشى أن تطلب من المخرج أشرف فهمى تغيير مواعيد التصوير لتكون فى الرابعة عصرًا، حتى لا تتخلف عن حضور الامتحانات، وبخاصة أنها كانت فى بداية مشوارها مع الفن.
وأوضحت إلهام أنها حكت هذا الأمر للفنانة شادية، فما كان منها إلا أنها طلبت بنفسها من المخرج أشرف فهمي، ضرورة تغيير مواعيد التصوير لمدة ثلاثة أيام، وهى الفترة نفسها التى كانت مشغولة فيها بالامتحانات، وبالفعل وافق فهمى على طلبها، مؤكدة أن هذا الموقف لن تنساه مدى حياتها، فقد أنقذتها شادية من الوقوع أمام اختيارين كلاهما صعب، وهو التخلف عن حضور الامتحانات، أو الاعتذار عن حضور التصوير، وبخاصة أن كل مشاهدها كانت أمام شادية.
وفى النهاية، أكدت إلهام أنها شعرت طوال أيام التصوير، التى استمرت لمدة شهرين، وكأنها تتعامل مع والدتها، وأنها تتمنى لها الشفاء العاجل بعد أن أغنت الحياة الفنية بأعمال فنية لا تنسى، وستظل خالدة فى أذهان جمهورها من المحيط إلى الخليج.
هشام سليم: فنانة كبيرة من الصعب تكرارها
تمنى الفنان هشام سليم الشفاء العاجل لفنانة الكبيرة شادية التى تمر حاليًا بأزمة صحية خطيرة، واصفا «شادية» بأنها ليست فنانة عادية، ومن الصعب تكرارها، مشيرا إلى أنها كانت تعتبره بمثابة ابن لها، قائلا: «عملت معها فى فيلم واحد، وربطتنى علاقة إنسانية جميلة بها»، مضيفا أنه «كان دائم التواصل معها للاطمئنان عليها».
وأكد هشام سليم أن الفنانة الكبيرة شادية، كانت قادرة على إزالة الحواجز بسرعة مع العاملين معها، مضيفا أنها كانت تحدثه كثيرا عن والده الراحل صالح سليم، وعشقها له، خاصة أنها كانت تحب الأهلى وتشجعه منذ صغرها، مضيفا أنها كانت تؤكد له خلال عمله معها فى الفيلم الذى جمعه به، إن هناك تشابهًا كبيرًا بينه وبين والده صالح سليم، وأنها كانت تحيطه بالعناية والاهتمام خلال فترة عملها معه.
ولفت إلى العديد من المواقف الإنسانية التى جمعت بينهما. وعبر هشام سليم عن أمنياته بشفاء الفنانة الكبيرة شادية، مؤكدا أنه لم يتسن له التواصل معها خلال أزمتها الصحية الأخيرة، مضيفا أنه يتابع حالتها الصحية من خلال الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي.
هالة صدقى: منحت الفن حياتها
قالت الفنانة هالة صدقى إنها للأسف لم تلتق بالنجمة شادية ضمن أحداث فيلم «لا تسألنى من أنا»، ولكنها كانت تتابع كثيرًا أحاديث جميع من التقى بها وتعامل معها عن قرب، وكيف كانت كريمة تصنع الخير مع كل شخص تتعامل معه، مشيرة إلى أن الكل أجمع على نقاء قلب هذه الفنانة الكبيرة.
وأضافت هالة أنها جسدت فى الفيلم شخصية «شوشو» زوجة الفنان «فاروق الفيشاوى الذى لعب دور «مدحت»، ذلك الرجل الذى كان يتلاعب بمشاعر «زينب» ابنة شادية فى الفيلم، وهذا الأمر وقف حائلًا دون لقاء شادية فى الفيلم لأن مشاهدها كانت معظمها مع الفنان فاروق الفيشاوي، ولكنها حينما تشاهد الفيلم ترى على الشاشة أمًا حقيقية تبذل حياتها لأولادها، وتقبل أن تعيش خادمة حتى تكون ابنتها أمام عينيها طوال الوقت.
وأشارت إلى أن الفيلم سيبقى خالدًا وسيبقى دور شادية مؤثرًا للغاية ونموذجًا حيًا للأم المثالية، مؤكدة أن كل المصريين يدعون الله أن يتمم شفاء شادية التى أسعدت الجميع بأعمالها وأغنياتها على مدار سنوات طويلة.
وأوضحت هالة أن عددا كبيرا من أصدقائها الفنانين حكوا لها عن الخير الكثير الذى كانت تقدمه شادية لكل العاملين والمشاركين فى الأعمال التى قدمتها، وخاصة مسرحية «ريا وسكينة» التى جسدت بطولتها شادية مع عبدالمنعم مدبولي، وسهير البابلى وأحمد بدير، مؤكدة أنها علمت أن شادية كانت تمنح كل العمال راتبًا من أجرها الخاص طوال فترة عرض المسرحية، وهذا الأمر لم يتكرر إلا مع فنانة كبيرة عاشت للفن بدرجة إنسانة ومنحته حياتها ووقتها فنالت احترام الجميع.