وظيفة الساحر من الأشياء التى لديها قدرة حقيقية على تشكيل الصور الذهنية داخل البشر؛ فتقريبا يكاد يتفق الجميع على أن شخصية الساحر هى التى تجذبهم وهم أطفال لا يعلمون حقيقة ما يفعله وفترة الطفولة من أخصب الفترات التى يستطيع خلالها الإنسان أن يخزن صوره الذهنية التى ستتجلى انعكاساتها على أعماله لاحقا.
الساحر شغل بال أعظم فنانى العالم على مر العصور وفى مختلف الأجيال من الأديب جارسيا ماركيز فى كولومبيا إلى المخرج السينمائى فيدريكو فيللينى فى إيطاليا إلى رضوان الكاشف، وفيلمه الأشهر «الساحر» الذى لعب بطولته الممثل الراحل محمود عبدالعزيز انتهاء بالفنان التشكيلى المصرى عمرو الفيومي، الذى دشن أحدث معارضه تحت عنوان «الساحر» ليعكس به المشاهد الخداعة التى تسيطر على واقعنا، حيث إن الساحر يعتمد على إيهام المشاهد، وخداعه بأشياء لم تحدث، ويقوم بتضليله، بأعمال تبدو فى ظاهرها عظيمة، لكن فى واقع الأمر، لا يوجد هناك شيء حقيقى.
ولأن «الفيومي» ابن مدرسة الجداريات؛ فنجح فى تنويع معظم اللوحات التى ضمها المعرض من حيث الحجم والخامات التى تنوعت بين زيت، وأكليرك على قماش، وكارتون وغيرها؛ ففلسفة الجداريات دائما تفرض على الفنان أن يكون متمكنا من الرسم باستخدام كافة أشكال الخامات على حسب طبيعة الجدار نفسه؛ وهو ما ينعكس على حال رسوماته عندما تتخلى عن الجدار وتفرد ألوانها على لوحات من القماش أو الكارتون أو أى خامة أخرى.
فى المعرض الذى يضم ٢٥ عملا؛ تشريح لذات فنان مصرى من أبرز رواد جيل الثمانينيات وهب حياته للفن فقط؛ ومزج ببراعة بين همه الذاتى وهم المجتمع؛ لذا فلم يكن من العجيب أن يشهد المعرض فى أول أيام افتتاحه هذا الإقبال الكبير من قبل جمهور الفن التشكيلى وبالتحديد جمهور عمر الفيومى ومن قامات الفن التشكيلى والأدب والثقافة فى مصر والعالم العربى ومن بينهم وحيد مخيمر وعبدالمنعم عثمان، محمد الجبيلي، إبراهيم منصور، أشرف عويس، وفاء النششيبي، وغيرهم؛ فقد نجح «الفيومي» فى إدخال جمهوره فى عالم سحرى حقيقى لكنه السحر الذى يطوى فى طياته نقدا واقعيا لاذعا.