الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

نساء "داعش".. الأم مدرسة الإرهاب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب - مصطفى حمزة ووليد منصور ورحمة محمود
40 % من سيدات التنظيم فرنسيات.. 3 % من الإرهابيين فى صفوف «داعش ليبيا» نساء.. تتراوح الشريحة العمرية للداعشيات ما بين 16- 24 عامًا.. «التوأمتان» تعودان إلى بريطانيا.. و«أحلام» إلى ألمانيا
تشكل ظاهرة «العائدات من داعش» هاجسًا للعديد من الدول، التى تتخوف من الخطر الناجم عن تواجدهن فى البلاد، فالعديد منهن تلقى تدريبات على أيدى «الدواعش» على كيفية حمل السلاح، فضلًا عن أنهن عشن فى بيئة دموية، ويحملن الكثير من الأفكار المتطرفة التى لها تأثير سلبى على الأجيال القادمة، خاصةً أنهن الحاضنات والأرحام التى تحمل الأجنة، فإذا كن «صالحات سيصلح المجتمع والعكس صحيح». وما يزيد من خطورة الأمر، التقرير الصادر عن مجموعة صوفان فى مارس 2016، الذى أشار فيه إلى أن عدد المقاتلين الأجانب فى سوريا والعراق ما بين 27 ألفا و31 ألفا، ثلثهم من النساء من حوالى 87 دولة حول العالم، أى ما يقرب من 5000 امرأة أوروبية انضمت للتنظيم وتتراوح أعمارهن ما بين 19 و23 عامًا.
هذه الأرقام تكشف خطورة الظاهرة، فما يقارب من 5000 امرأة من المحتمل عودتهن إلى بلادهن، وارتكاب أعمال إرهابية، أو قد يتحولن إلى «ذئاب منفردة» ويقمن بتجنيد العديد من العناصر للتنظيم، فضلًا عن الدور الاستخباراتى واستغلال تواجدهن فى البلاد لجمع المعلومات اللازمة عن المواقع الحيوية. 




تعد الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، من أكثر الدول المرشحة لاستقبال العائدات من تنظيم «داعش» الإرهابى، اللواتى تم استقطابهن عن بعد عبر مواقع التواصل الاجتماعى، بعد التضييق على التنظيم فى مناطق توحشه، وسيطرة قوات التحالف على الجزء الأكبر من أراضيه، وإعلان قوات التحالف تحرير مدينة الرقة السورية، وغيرها من المدن العراقية والليبية.
وكانت أكثر الدول التى صدرت داعشيات إلى العراق وسوريا، هى فرنسا وبريطانيا وألمانيا، حيث تحتل الفرنسيات داخل التنظيم أكثر من ٤٠ ٪ من جملة النساء، حسبما ذكر جهاز الاستخبارات الفرنسى من أن عدد الفتيات الفرنسيات اللاتى التحقن ببؤر التوتر بلغ قرابة ٢٢٠ امرأة، وتقدر الشرطة البريطانية أن نحو ٦٠ شابة، معظمهن تلميذات فى مدارس، غادرن إلى سوريا.
وانضم مئات النساء والفتيات من أنحاء العالم إلى العراق وسوريا منذ تأسيس التنظيم رسميًا عام ٢٠١٤م، حيث بلغ عددهن ٥٥٠ عنصرًا نسائيًا، من إجمالى ٤٠٠٠ مقاتل أجنبى، على الرغم من أن تقديرات وزارة الخارجية الأمريكية تؤكد أن نحو ١٢ ألف أجنبى قد سافروا إلى سوريا من ٥٠ دولة مختلفة، وتتراوح الشريحة العمرية للداعشيات ما بين ١٦- ٢٤ عامًا، ويمثلن نسبة ١٠ ٪ من المهاجرين من أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا لإقامة روابط مع التنظيمات المتشددة، بما فى ذلك تنظيم «داعش».
وفى تقرير للمركز الليبى لدراسات الإرهاب أكد أن عدد النساء داخل التنظيم يقدر بحوالى ٣ ٪ من عدد الإرهابيين الأجانب فى صفوف «داعش ليبيا»، مؤكدًا أنهن ينحدرن من تونس، والسودان، وتشاد، ومالى والجزائر، وأن عدد التونسيات داخل التنظيم يبلغ ٧٠٠ امرأة موزعة فى سوريا وليبيا والعراق.
ومن أبرز العائدات المحتملات من مناطق التوحش، الدكتورة إيمان مصطفى البغا، ابنة الفقيه السورى الشهير الدكتور مصطفى البغا، التى ولدت فى دمشق بداية السبعينيات، وعملت كأستاذ للدراسات الإسلامية فى جامعة الدمام بالسعودية، وتركت عملها بعد الانضمام لتنظيم «داعش» الإرهابى فى الموصل، ومبايعة أميره «أبو بكر البغدادى» كخليفة وإمام للمسلمين، أواخر أكتوبر ٢٠١٤م، وشقيقها هو الدكتور محمد الحسن البغا الذى يشغل الآن عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق، اعتبارًا من عام ٢٠٠٨م، وتتولى الآن منصبًا قياديًا فى التعليم العام بتنظيم «داعش»، وتعتبر من أهم القيادات الشرعية النسائية داخل التنظيم، ومن المحتمل أن تهرب «البغا» للدول الأوروبية، لأن هناك صعوبة بالغة فى عودتها إلى سوريا مرة أخرى.
وتكمن خطورتها كإحدى العائدات المحتملات فى شرعنة الممارسات الوحشية لعناصر التنظيم، مثل جز الرؤوس، وذبح المخالفين، ومحاولة الزج بنصوص تراثية منسوبة كذبًا إلى النبى صلى الله عليه وسلم لتبرير هذه الجرائم، والترويج لتأييد النبى صلى الله عليه وسلم لها ورضاه بها.
وكذلك أحلام النصر، ابنة الدكتورة إيمان مصطفى البغا، التى لا يتجاوز عمرها ١٩ عامًا، ويلقبها التنظيم بـ«شاعرة الدولة الإسلامية»ـ فى إشارة إلى «داعش»، نظرًا لقصائدها التى تمجد دولة البغدادى، ويحتمل عودتها إلى ألمانيا، حيث محل إقامة زوجها القيادى الشرعى بالتنظيم «أبو أسامة الغريب» وهو مغربى الأصل نمساوى الجنسية.
ووصفت «أحلام» قادة التحالف الدولى بالكفر، داعية ربها أن يرزقها بتفجير رأس كافر أو «نحر علج مرتد» عبر تغريدة لها فور وصولها إلى أراضى التنظيم، وتولت بعد زواجها مهمة الطهى لعناصر التنظيم.
ومن البريطانيات المرشحات للعودة إلى بلادهن «التوأمتان» سلمى وزهرة حالانى «١٦ عامًا»، وهما بريطانيتى الجنسية صوماليتى الأصل، انتقلتا من مانشيستر إلى سوريا عبر الحدود التركية للانضمام إلى التنظيم والزواج من رجاله، فى يوليو ٢٠١٤م، بعد أن تم تجنيدهما عن بعد عبر شبكة الإنترنت، لتلتحقا بشقيقهما الأكبر الذى يقاتل فى صفوف التنظيم، حيث نشرتا صورًا لهما مع أخريات منتقبات يحملن «كلاشنكوف» ومسدسات، على حساب إحداهن على موقع تويتر، فور وصولهما إلى سوريا، ثم انضمتا إلى الشرطة النسائية داخل التنظيم.




«العائدات».. إعفاء من المسئولية وإقامة جبرية
العديد من التكنهات تم طرحها بخصوص ظاهرة «العائدات من داعش»، فبعضهم تحدث بتفاؤل شديد حول إمكانية دمجهن فى المجتمع والتعامل معهن بلطف، وأنهن مواطنات ولهن حق على المجتمع، والبعض الآخر تبنى نظرة تشاؤمية حول هذه الظاهرة وحذر من الخطر الناجم عنها، وقدم بعض التوصيات التى يجب أخذها بعين الاعتبار من أجل تقليل المخاطر. 
ورغم خطورة الظاهرة وما قد ينتج عنها، إلا أنه لا بد من التفرقة بين نوعين من العائدات، الأول، هن النساء اللاتى نفرن من التنظيم ونبذن أفعاله الوحشية وأفكاره الضالة، وبين أخريات ما زلن مقتنعات بأفكار التنظيم ويحرصن على تطبيقها فى المجتمع بالقوة. 
ويواجه النوعان من العائدات عدة تحديات، رصدتها دراسة حديثة صادرة عن مركز المستقبل، وهى عدم وجود برامج فكرية لتأهيل العائدات ودمجهن فى المجتمع مرة أخرى، فضلًا عن سوء المعاملة ونظرة المجتمع لهن على أنهن مجرمات والتخوف من التعامل معهن بشكل طبيعى، ما يجعل بعض العائدات يتصرفن بشكل أكثر عدائية تجاه بعض الأفراد، وعلاوة على هذا يشكل الوضع الاقتصادى المأزق الأكبر للعائدات، خاصةً أن بعضهن قد لا يجدن فرصة عمل مناسبة أو مصدر رزق يستطعن العيش منه والانفاق على أطفالهن. 
ورغم هذه التحديات، إلا أن بعض الدول اتبعت سياسات متفاوتة تجاه هذه الظاهرة، فأعلنت وزارة الداخلية الروسية إعفاء المواطنات الروسيات اللاتى عدن مع أطفالهن من العراق مؤخرًا من المسئولية الجنائية باعتبارهن «سلمن أنفسهن»، وجاء هذا القرار بعد عودة أربع نساء إلى الشيشان ومعهن ثمانية أطفال، بينما حذر تقرير بريطانى الحكومة البريطانية من ظاهرة عودة المتشددات من داعش، وأوصى بضرورة تفعيل قانون (TpIms) لمنع الإرهاب والتحقيق مع المتطرفات ووضعهن تحت الإقامة الجبرية فى مسافة تبعد مئات الأميال عن منازلهن.




أطفال الدواعش.. ضحية للأفكار المتطرفة وخطر يهدد الدول
«مصلحى»: لا يجب محاسبتهم على أخطاء اقترفها ذووهم خبراء علم النفس: المتطرفات أشرس من الرجال ومن الصعب تأهيلهن
يواجه أطفال داعش تحديًا كبيرا فى مجتمعاتهم وينظر إليهم باعتبارهم لا حق لهم فى الرعاية الأساسية، ولا تريد وكالات الإغاثة ونظم الرعاية الحكومية الاعتراف بهم فى المناطق التى يعثر عليهم فيها، وتقدر أعداد أبناء داعش الذين فقدوا ذويهم فى الحروب عشرات الآلاف، ويعيش جميعهم مصيرا غامضا ومجهولا بين حدود ليبيا وتونس، وأغلبهم يعيشون أزمة بسبب رفض تونس استلام أطفال أبناء داعش وإعادتهم إلى أهليهم. 
فلا يزال مصير أطفال الدواعش مجهولا بين الرفض وقبول الاندماج فى المجتمع مرة أخرى، وقدم العديد من الخبراء بعض التوصيات التى يمكن الاعتماد عليها من أجل إعادة دمج الأطفال مرة أخرى فى المجتمع، ومن جانبه أكد أحمد مصلحى، الناشط فى مجال حقوق الطفل، أن الأطفال جميعهم متساوون فى الحقوق ولا يتم التفرقة بينهم بسبب الدين أو الجنس أو النوع ولا بسبب أخطاء اقترفها ذووهم، مؤكدًا أنه لا يجب معاملة أبناء الإرهابيين بطريقة مختلفة عمَّا يعامل به الطفل العادى.
وشدد مصلحى فى تصريح خاص، على أن الطفل الذى ينتمى والده إلى تنظيم داعش الإرهابى ليس له ذنب فى الأخطاء التى اقترفها ذووه، فلا يجب أن يعامل الأطفال ويدفعوا ثمن أخطاء لم يرتكبوها، مضيفًا أن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى معاملة خاصة وإعادة تأهيلهم وإشراكهم فى المجتمع بطريقة أفضل حتى لا يكونوا قنابل موقوتة فى المجتمع.
وأوضح الناشط الحقوقى، أن المجلس القومى للأمومة والطفولة هو الذى يقوم بوضع الاستراتيجيات من أجل حماية الأطفال من تعرضهم لسلوكيات خاطئة تؤثر على طفولتهم ومن أجل حمايتهم من الأخطار والجرائم المنتشرة فى المجتمع، مشددًا على أن الأطفال لهم حقوق يجب أن يتمتعوا بها ولا يتركوا عرضه لدفع ثمن أفكار ذويهم.
وأشار إلى أن الطفل له حق النشأة فى بيئة صالحة، وحق التعليم والرعاية الصحية، وهى حقوق تكتسب بمجرد ميلاد الطفل، مؤكدًا أن المجلس القومى للأمومة والطفولة يجب أن يفعل دوره فى حماية هؤلاء الأطفال وذلك بمساعدة وزارة التضامن الاجتماعى فى المقام الأول وبالتشارك مع المجتمع. وفى السياق نفسه أكد سامح عيد الباحث فى حركات الشئون الإسلامية، أن أغلب التنظيمات الجهادية تقوم باستيعاب الأطفال الذين فقدوا ذويهم فى الحروب وتقوم بصرف مبالغ مالية بصفة شهرية لهم، مؤكدًا أن أطفال الإرهابيين لا يجب معاملتهم وتحميلهم أخطاء ذويهم.
وأوضح عيد فى تصريح خاص لـ«البوابة» أن الله عز وجل ذكر فى كتابه الكريم (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، فلا يجب أن يتحمل الأطفال أخطاء الآباء، ولكن يجب استيعابهم وإعادة تأهيلهم فى المجتمع، حتى لا يصبحوا قنبلة جديدة وسلاحا جديدا ضد مجتمعهم.
وأشار إلى أن المجتمع والدولة عليهما دور كبير فى احتواء هؤلاء الأطفال وتأهيلهم وتعليمهم بقدر كبير لحمايتهم من الأفكار المتطرفة، مشيرًا إلى أن نبذهم بشكل أو بآخر سيجعلهم قنبلة فى وجه المجتمع.
أكد جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، أن هناك خطرا حقيقيا وهو النساء العائدات من داعش يفوق خطر الرجال، مشيرًا إلى أن النساء اللاتى تتبنين فكرا متطرفا تكن أكثر شراسة فى المعاملة وفى التخطيط والتنفيذ لهذا الفكر من الرجال، مضيفًا أن الدليل على أن النساء أشرس فى أفكارهن هو قيام إحدى نساء داعش بإرسال أطفالها الاثنين وتحميلهما حزاما ناسفا وتفجيرهما عن بعد داخل قسم شرطة فى سوريا. وأوضح فرويز فى تصريح خاص لـ«البوابة»، أن النساء العائدات من داعش سيمثلن خطرا حقيقيا فى المجتمع، إذا كانت عودتهن نتيجة الظروف التى يتعرض لها التنظيم فى العراق وسوريا، مؤكدًا أنه فى حالة اقتناع العائدات من داعش بأفكارهن التى تعلمنها على يد التنظيم المتطرف سيكون من الصعوبة تغيير أفكارهن، رغم استخدام العلاج النفسى.
وتابع أستاذ الطب النفسى، أن تبنى الأفكار المتطرفة، خاصة من تنظيم دموى مثل داعش يكون نتيجة أمراض نفسية عميقة، وبالتالى إعادة تأهيل النساء العائدات من هذا التنظيم الدموى أمر صعب جدًا إلا فى حالة اقتناع النساء بأخطائهن وقبولهن لوجهة نظر أخرى، ففى هذه الحالة يتم عمل حضانة لهن ومجادلتهن بالفكر.