الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كنيسة أبوسيفين.. متحف للأيقونات القبطية

الكنيسة بُنيت فى
الكنيسة بُنيت فى أوائل القرن الخامس الميلادى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استغرق ترميمها 30 عامًا.. وتضم 250 قطعة أثرية نادرة
كانت مقرًا للكرسي البابوي من منتصف القرن الـ12 حتى الـ14
البابا تواضروس صعد إمبل الكنيسة ووعظ الشعب
تقع كنيسة أبوسيفين، بالقرب من دير أبوسيفين للراهبات بمصر القديمة، الموجود في شارع مسجد عمرو ابن العاص، وفي 27 يوليو الماضي قام البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بتدشين مذابح ومعمودية وأيقونات الكنيسة، بعد الانتهاء من أعمال ترميمها والتي استغرقت 30 سنة، حيث مر الترميم هندسيا بثلاث مراحل وهي: مراحل الجزء الإنشائي، والجزء المعماري، والترميم الدقيق.
أنشئت كنيسة أبوسيفين في أوائل القرن الخامس الميلادي، ثم هدمت في القرن العاشر الميلادي، وقام الأنبا إبرام السرياني، البطريك الثاني والستون، بتجديدها في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله تجديدا شاملًا، ثم جددها بعد ذلك أيضا الشيخ أبوالفضل، المعروف بابن الأسقف، كاتب سر الأفضل شاهنشاه بن بدر الدين الجمالي، الذي كان معاصرا للأنبا مقار البطريك التاسع والستون، والذي انتخب لكرسي البطريركية سنة ٤٨٧هـ - ١٠٩٤، وظلت الكنيسة على تلك التجديدات زمنا إلى أن احترقت سنة ٥٦٤هـ - ١١٦٨، مع حريق الفسطاط الذي تم في عهد «شاور» الوزير الفاطمي لمنطقة الفسطاط، وظلت الكنيسة على حريقها وتحولت لشونة للقصب القادم من الصعيد، إلى أن جاء الشيخ أبو البركات بن أبوسعيد سنة ٥٧٢هـ- ١١٧٦، وبدأ ترميمها واستبدل أعمدتها الرخامية الحاملة للسقف بأكتاف من الطوب، وأعلا بناء القباب القائمة فوق الهياكل عما كانت عليه.. تحمل كنيسة أبوسيفين رقم (٥٧٤) في تعداد الآثار.

عهد المعز لدين الله الفاطمى
قامت «البوابة» بجولة داخل أرجاء الكنيسة بصحبة القمص صليب جمال، راعى كنيسة أبوسيفين، والذى تحدث عن تاريخ الكنيسة وآثارها القبطية، والجداريات التى يعود عمرها لأوائل القرن الخامس الميلادى، ومرت بعصور صعبة وتعرضت للحريق والهدم أكثر من مرة وأعيد ترميمها، وكانت أقدم كنيسة بمنطقة مصر القديمة، هى كنيسة مار يعقوب المقطع، والسور الغربى للكنيسة المعلقة التى يعود تاريخ إنشائها للقرن الرابع. أما كنيسة أبوسيفين فقد أعيد ترميمها بالكامل، وكان أعظم ترميم لها، وذكره التاريخ تم فى القرن العاشر الميلادى بعد معجزة نقل جبل المقطم، وكان البطريرك الـ٦٢ آنذاك هو البابا إبرام، ابن زرعة مقره الرسولى كان فى الكنيسة المعلقة.
وسأل المعز لدين الله الفاطمى البابا إذا كان له أى مطالب سينفذها له الحاكم فى الحال، وكان طلب البطريرك هو إعادة ترميم كنيسة أبوسيفين بالإضافة لبناء سور كنيسة المعلقة، وبالفعل وافق المعز لدين الله الفاطمى على مطالب البطريرك ومنحه التصريح.
ومع بداية ترميم الكنيسة رفض أحد المتشددين أعمال الترميم، ونزل فى حفرة بأعمال الترميم، وأقسم ألا تُرمم الكنيسة وهو على قيد الحياة، الأمر الذى دفع المعز لدين الله الفاطمى للتدخل بنفسه، وزار الكنيسة وأمر بدفن هذا الشخص المشدد حيًا فى مكانه، لكن البطريرك إبرام تدخل ونزل الحفرة، وطلب من المعز السماح عن هذا الشخص، وبالفعل وافق الحاكم وتمت أعمال الترميم إلى أن انتهت.

مقر البطريرك وعمل الميرون
تم نقل مقر الكرسي البابوي من الكنيسة المعلقة إلى كنيسة أبوسيفين، في منتصف القرن الثاني عشر في عصر البابا غبريال الثاني ابن تريك «البابا ٧٠»، حتى أوائل القرن الرابع عشر في عهد البابا يوحنا الثامن «البابا ٨٠» وتزخر الكنيسة بأجساد ١٠ من الآباء البطاركة، بالإضافة إلى العديد من المطارنة والأساقفة. ويعد البابا يوحنا الثامن، الذى ذكر عنه أنه آخر من سكن الكنيسة، ثم نقل كرسيه إلى كنيسة العذراء بحارة زويلة بعد ذلك.. وقد شهدت كنيسة أبوسيفين صناعة زيت الميرون مرتين.

آثار تاريخية
يقول القمص صليب جمال، إن أهم ما يميز كنيسة أبوسيفين، هو حامل الأيقونات، والذي يعود للقرن العاشر الميلادي، والكنيسة بها ١٢ مذبحًا و١٢ هيكلا، ويتكون حجاب الهيكل الرئيسي من العاج الأصلي ومحفور عليه الصلبان بخشب الأبنوس.. وأحجبة الكنيسة مصنوعة من الخشب عاشق ومعشق وبدون مسامير أو أي مواد لاصقة.

متحف للأيقونات القبطية
اشتهرت كنيسة أبوسيفين بالأيقونات، وتعتبر كنيسة مختلفة عن غيرها من الكنائس الأرثوذكسية القديمة، فهي متحف للأيقونات القبطية لما تحويه من أيقونات أثرية اختلفت مدارسها الفنية في الرسم، ويعود تاريخ هذه الأيقونات للقرن الـ١٣ الميلادي حتى الـ١٩، حيث وصل عدد الأيقونات إلى ٢٥٠ أيقونة أثرية، وهو أكبر عدد تضمه كنيسة واحدة في العالم، ومعظم هذه الأيقونات يعود للقرنين الـ١٨ والـ١٩ أيام إبراهيم الناسخ ويوحنا الأرمني وأنسطاسى الرومى، وهم من أهم فنانين الفن القبطي في هذا الوقت، وهناك ٩ أيقونات يعود تاريخها للقرون الوسطي في القرن الـ١٣ حتى القرن الـ١٧ وهي من أندر الأيقونات، ووضعت الكنيسة تحت كل أيقونة مُصلق نحاسي اللون لاسم صاحبها وتاريخه وذلك باللغة القبطية والعربية والإنجليزية.

الجداريات (الفريسكات)
اللوحات الجدارية، أي رسم أو تصميم يزين الحائط، وتزَيِّن أغلب اللوحات الجدارية الجدران الداخلية للمباني، وقد يوضع بعضها على السقوف أو الجدران الخارجية، وتكون الجداريات الداخلية منسجمة مع طراز الغرفة ومقاييسها، بحيث يتناسب مع الأبواب والنوافذ والأثاثات بشكل فني.
وتعتبر الجداريات فنًا مختلفا تمامًا عن الأيقونات، وفي كنيسة أبوسيفين، توجد رسمة جدارية للقديس مارجرجس بالحصان الأبيض، وتوجد بعد خطوات قليلة من الهيكل يسارًا، وتم الانتهاء من ترميمها.. وفي الدور الأعلى للكنيسة توجد جدارية بجوار مقصورة القديس أبو سيفين وهي بالألوان، وهناك جدارية أخرى بشكل أوضح وبالألوان بهيكل يوحنا المعمدان وتشمل قبة المذبح كاملًا، ولا تزال في مرحلة الترميم ويعود تارخيها للقرن الـ١٢ الميلادي. أيضًا يوجد عمودان جداريان على يمين ويسار الهيكل أحدهما للسيد المسيح، والآخر للسيدة العذراء وهي تحمل الطفل يسوع.

سقف وتصميم الكنيسة
يقام داخل الكنيسة صلوات قداسات بشكل يومى، وعن شكل الكنيسة الرئيسية، والتى اتخذ سقفها شكلًا مختلفًا عن الكنائس الأخرى عبارة شكل فُلك نوح، من الخشب بنظام (الجمالون) على الطراز البازيليكى، عبارة عن ثلاث قباب وثلاثة هياكل بالأعلى، ويتكون صحن الكنيسة من (خورس)، وهو المكان الذى يجلس به الشمامسة بالهيكل، وهناك الجناج القبلى والبحرى والغربى.
يوجد بالأعلى ١٢ هيكلا بـ١٢ مذبحا على أسماء (الملاك روفائيل، أبوسيفين، العذراء مريم، الأنبا برسوم العريان، مار يعقوب المقطع، الشهيد أبانوب، مار بقطر ابن رومانوس، الملاك ميخائيل، الـ١٤٤ ألف البتوليين، الأنبا أنطونيوس، الشهيد مارجرجس، يوحنا المعمدان) وأعاد البابا تواضروس تدشين ٩ مذابح منها، بعد إعادة ترميمها فى يوليو الماضى، والمذابح الأخرى لم يُعاد تدشينها بسبب استمرار أعمال الترميم أو الزيارات.

قصة مغارة الأنبا برسوم
تحوي كنيسة أبوسيفين الأثرية «مغارة» أو مزار الأنبا برسوم العريان، وهو من القرن الـ١٣ الميلادي، الذي كان ناسكا سعى للتقرب من الله، ولم يدخل الكنيسة أو يتولى أي رتبة كهنوتية، ودخل كنيسة أبوسيفين عندما كانت مهجورة والزيارات بها قليلة، ودخل للاعتكاف بالمغارة.
وطبقًا للكتب الكنيسة القديمة، فوجئ الأنبا برسوم بثعبان كبير داخل المغارة، في البداية كان خائفًا  وصلى إلى الله أن ينزع عن هذا الثعبان الطابع الوحشي، وبالفعل تحول الثعبان لحيوان أليف غير ضار، وعاش الأنبا برسوم مع الثعبان طويلًا وتشاركوا الأكل والشرب سويًا دون أي أذى، وعندما سمع الناس عن هذا القديس كانوا يأتون إليه بكثرة، وبعد عشرين عاما انتشرت شهرته ترك الأنبا برسوم المغارة، وتوجه إلى دير شهران (الأنبا برسوم حاليًا) بالمعصرة بكورنيش حلوان.. ويتم النزول إلى مغارة الأنبا برسوم داخل الكنيسة بسلم صغير، وهي رطبة لانخفاضها عن مستوى سطح الكنيسة بما يقرب من متر ونصف المتر، وكانت تغمرها المياه أيام فيضان النيل، ويوجد بها مذبح قائم من الحجر حيث يذهب إليها المرضى لأخذ البركة والصلاة أمامه، ويتم الاحتفال بالقديس في ١٠ سبتمبر من كل عام.

إمبل الوعظ
الإمبل، هو المنبر ويسمى، «Ambon» وهى كلمة يونانية معناها «المصعد»، وقد تحرفت في العربية إلى «الإنبل»، أو «الآمبل»، ويصنع من الرخام أو الخشب، وعدد درجات السلم ١٢ درجة على عدد تلاميذ السيد المسيح.
وفي كنيسة أبوسيفين يوجد إمبل الوعظ الذي يرجع تاريخ بنائه للعام ١٣٣٤ ميلادية، وموجود على يمين الهيكل ويعتمد على الصوت الجهورى للكاهن ويعظ للمُصلين، ويعد إمبل كنيسة أبو سيفين أجمل إمبل على مستوى القطر المصري مصنوع من الرخام ومطعم بالصدف الأصلي، وكُتب عليه باللغة القبطية «فليرفعوه في كنيسة شعبه، وليباركوه على منابر الشيوخ».
ويصعد كاهن الكنيسة مرة كل عام في الجمعة العظيمة في الساعة الثانية عشرة مساءً، وفي عيد أبوسيفين في ٤ ديسمبر من كل عام.. وعندما زار البابا تواضروس الكنيسة يوليو الماضي، وضعنا «قطمارس» وهو كتاب القراءات الكنسية من الكتاب المقدس والسنكسار المقدس، وأيضًا «منجلية» وهي منضدة خشبية يوضع عليها القطمارس، وصعد البابا تواضروس إلى الإمبل وبدأ يعظ ويقرأ من القطمارس واستخدم مايك FM، وعبر البابا آنذاك عن حبه لهذا الطقس وصعود الإمبل مرة ثانية.. وقال البابا ضاحكًا: «أعتقد أن البطاركة الذين سبقوني كانوا أقصر قليلًا مني».

رفات أبوسيفين
وتحتفظ الكنيسة برفات القديس أبوسيفين، وهو أول رفات تم نقله إلى مصر منذ أكثر من خمسة قرون، طبقًا للتاريخ، قادمًا من كابادوكيا شرق آسيا الصغرى، وهي مسقط رأس صاحب الكنيسة. الذي ولد في ٢٢٤ ميلادية من أبوين وثنيين سمياه فيلوباتير أي محب الأب، ودخلا للمسيحية حيث اعتمدت والدة يايروس وزوجته وفليوباتير، وأخذوا أسماء جديدة فدعى يايروس نوحًا وزوجته سفينة وفيلوباتير مرقوريوس، واستشهد أبوسيفين في قيصرية بكبادوكيا في ٢٥ من نوفمبر عام ٢٥٠ ميلاديا، بعد عذابات عدة تعرض لها من أجل إنكار الله. ونقلت رفات القديس لكنيسته بمصر القديمة في ١٦ يونيو فى عهد البابا يوأنس الرابع عشر (١٥٧١-١٥٨٦). ويتم الاحتفال بعيد أبوسيفين ثلاثة أعياد في السنة، عيد الاستشهاد ٤ ديسمبر، عيد تكريس كنيسته ١ أغسطس، وعيد نقل رفاته لكنيسته ١٦ يونيو، ويتم تنظيم النهضات الروحية في هذه الاحتفالات.

رفات قديسين والمغطس
وتحتوى الكنيسة على رفات قديسين آخرين منهم: مارجرجس، ومار يعقوب المقطع، بقطر ابن رومانوس (تاج الشهداء)، قزمان ودميان وأمهم وإخواتهم، الأنبا سمعان الأرمانيوس.
ومن أهم ما يميز الكنيسة أيضًا «المغطس» وموجود في مدخل الكنيسة مساحته ٢.٥٠×٢.٥٠ متر، بارتفاع ١.٧٠ متر، ومغطى بلوح زجاجي سميك يتحمل الحركة أعلاه، وتقول الرواية: إن المسيحيين كان لهم إيمان بأن الله يقدس كل مياه الأنهار في يوم عيد الغطاس الموافق ١٩ يناير من كل عام، وهو يوم تعمد السيد المسيح فى نهر الأردن، وجرت العادة لدى المسيحيين قديمًا للاحتفال بهذا اليوم على ضفاف نهر النيل والتعمد مرة أخرى في النيل كإعادة تعميد. ومن أشكال التقليد في هذا اليوم أن المسيحيين كانوا يحملون القصب وفاكهة اليوسفي وشمعة، وكانوا يطلقون على هذا اليوم عيد الفوانيس أو عيد الأنوار نسبة إلى كلمة أبيفانيوس، وهي كلمة قبطية تعني الظهور الإلهي.. وعندما وجد المسيحيون صعوبة في هذا الاحتفال على ضفاف النيل، بدأوا للاحتفال به في الجزء الغربي داخل الكنيسة يوم عيد الغطاس، وأثناء دخولهم الكنيسة يبللون أيديهم ووجوههم للتبارك بمياهه، ثم يدخلون الكنيسة لحضور قداس العيد.. أما الآن فالحوض مجرد أثر لا يتم استخدامه.

حوض اللقان
أما عن حوض «اللقان» البالغ مساحته ٦٠×٦٠ سم، وهو قطع من الرخام الأثرية، كان على مثال غسل السيد المسيح لأرجل تلاميذه، يتم الاحتفال به ثلاث مرات في السنة في يوم عيد الغطاس خميس العهد، وعيد الرسل، ويتم خلالها إزالة الغطاء الزجاجي ويتم وضع طبق نحاسي داخل الحوض وتتم تلاوة صلاة اللقان طبقًا للتقليد.

كنائس للصلاة يوميًا
يوجد بالكنيسة الرئيسية تكييف مركزي، وطبقًا لمواصفات هيئة الآثار يجب ألا يكون التكييف ظاهرًا أمام الزوار، وبالتالي تم تركيبه بشكل احترافي يمنع ظهوره ويظل المكان باردًا.. ويوجد أعلى الكنيسة الرئيسية عدة كنائس تتم الصلاة فيها مرة على الأقل كل أسبوع لصغر حجمها، وفي كنيسة للشهيد مارجرجس يقام بها قداسات للأطفال يوم الجمعة، وبها مذبح واحد وأيقونات مناسبة لحجم الكنيسة الصغير.. أيضًا في كنيسة يوحنا المعمدان لا تزال الجداريات تحت الترميم والذي سيكشف جداريات جديدة لم يكتشف صاحبها للآن إلا بعد الترميم.