الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أكل لحم البشر.. ثقافة لا تنتهي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار ما بثته وسائل إعلام يابانية حول القبض على ياباني بعد العثور في شقته على أجزاء مبتورة من تسع جثث، بعضها كان مخزنًا في مبردات تستخدم في رحلات التنزه، والعثور على عدد من المبردات في المنزل كل منها يحتوي على أجزاء بشرية، الكثير من المخاوف حول عودة ثقافة أكل لحم البشر؛ خاصة أن الحادث لم يعد نادرًا، فهناك محكمة بجنوب أفريقيا شرعت في محاكمة 5 أشخاص بتهمة أكل لحوم البشر، عقب تسليم شخص لنفسه وبحوزته حقائب بها أعضاء بشرية.
ويأتي أكل لحوم البشر أو الـCannibalism وهو المصطلح مشتق من كلمة كاريب الإسبانية التي تصف قبائل الكاريب الهندية التي تحدث عنها المستكشف كريستوفر كولومبوس، والذي تم تفسيره بمعنى "أكل لحم الجنس ذاته" ليُشير إلى تلك العادة التي مارسها الإنسان منذ ما قبل التاريخ، ثم اختفت تدريجيًا مع تطور الحضارة الإنسانية.
وقد مورس أكل لحم البشر عبر التاريخ في عدة مواضع منها المجاعات، الحصار، طقوس للقبائل البدائية، كنوع من المبالغة في إيذاء العدو عندما يأكل المنتصر من لحم المهزوم، اعتقاد البعض أن أكل لحم الأعداء ينقل قدراتهم لهم، في بعض الطقوس الدينية أو طقوس الدفن، أو كمرض سلوكي جنسي.
وذكر جيمس كول، وهو متخصص في العصر الحجري القديم في جامعة برايتون البريطانية، في دراسة نشرها في مجلة "ساينتيفيك ريبورت" حول دوافع الإنسان لأكل لحوم البشر، فأوضح أنه في العصر الحجري القديم، الذي يمتد منذ ظهور إنسان "هومو" قبل ثلاثة ملايين عام وحتى ما قبل عشرة آلاف عام، وجدت حفريات أثرية في إسبانيا تشير إلى أن إنسان "هومو" الذي سبق وجوده إنسان "نيانديرتال" وعاش قبل مليون عام كان يأكل لحم البشر، وكذلك الإنسان المنتصب "هومو إريكتوس" قبل 680 ألف عام في موقع أثري في فرنسا، وتبين أيضا أن إنسان "نيانديرتال"، وهو ابن عم الإنسان المعاصر، كان يأكل لحم البشر أيضًا، بحسب حفريات في موقعين في إسبانيا وفرنسا.
ووفق الدراسة، لم يكن أسلاف الإنسان المعاصر "هوموسابيانس" بعيدين عن هذه الأفعال أيضًا، بحسب ما أظهرت متحجرات لعظام عثر عليها في مغارة في بولندا وتعود إلى 15 ألف عام، ومتحجرات عثر عليها في مغارة في بريطانيا تعود إلى 14 ألفا و700 عام؛ ويستنتج الباحثون أن البشر كانوا يأكلون لحوم البشر من خلال دراسة العظام، إذ يعثرون في هذه الحالة على آثار تقطيع لاستخراج النخاع الشوكي، وتحطيم للجمجمة لاستخراج الدماغ.
ورغم تفسير معظم هذه الحالات بالحاجة إلى الغذاء، لكن في حالات أخرى تبين أن الدوافع كانت تنفيذ طقوس معينة؛ كما هو الحال في مغارة جوف في بريطانيا، حيث حوّل أسلاف للإنسان المعاصر الجماجم إلى أكواب شراب، وفي مغارة ماشيكا في بولندا كان الدافع في تلك الممارسات مرتبطًا بالحرب، وفي مغارة آراغو في فرنسا كان الدافع طقسيًا.
يؤكد حديث كول ما وجده الأثريون من عظام بشرية في أوعية طهي عمرها نصف مليون عام في الصين، ومن أشهر القبائل التي أشتهرت بهذا النشاط قبيلة أناسازي في أمريكا الشمالية؛ كذلك قيل إن المكتشف جيمس كوك الذي قتله سكان هاواي قد تم التهامه؛ كذلك فقد يكون أكل لحم البشر نوعا من التكريم للميت، وهو طقس لدى بعض القبائل في نيوزيلندا فهي تمجد ذكرى الميت بأن تأكل مخه، فبعد أن يموت شخص له مكانة عندهم تجتمع القبيلة حول جثته وينشدون بعض الأناشيد الدينية ثم يستخرج ساحر القبيلة مخ الميت ويوزعه بالتساوي بين المشيعين ليأكلوا منه.
في العصر الحديث تم توثيق بعض حالات أكل البشر وإشاعة حدوث ذلك في بعض المواقف، فخلال 872 يومًا من حصار لينينجراد، بدأت تظهر تقارير عن أكل لحوم البشر في شتاء 1941-1942، بعد أكل الطيور والفئران والحيوانات الأليفة كانت تؤكل من قبل الناجين، حتى أن شرطة لينينجراد شكلت وحدة خاصة لمكافحة أكل لحوم البشر. 
وفي أجزاء من أوروبا الشرقية خلال الحرب كانت هناك روايات من بعض الناس بالعثور على أظافر الإنسان في النقانق يشير إلى ان المواد الغذائية وكانت تتألف من اللحم البشري؛ كما كتبت العديد من التقارير والشهادات تشير إلى أن الجنود اليابانيين، في أجزاء كثيرة من منطقة شرق آسيا الكبرى ارتكبوا أعمال أكل لحوم البشر ضد أسرى الحلفاء في الحرب؛ وذلك وفقا للمؤرخ يوكي تاناكا الذي قال إن "أكل لحوم البشر في كثير من الأحيان نشاط منهجي أجرته فرق كاملة وتحت قيادة ضباط".
وقال أحد الشهود إنه في غينيا الجديدة "القوات اليابانية بدأت في اختيار السجناء، وكل يوم أحد السجناء يقتل ويؤكل من قبل الجنود، وأنا شخصيا رأيت هذا يحدث وحوالي مائة سجين تم تناولهم في هذا المكان من قبل اليابانيين، والمتبقين منا نقلوا إلى مكان آخر على بعد 50 ميلًا، حيث توفي 10 سجناء من المرض، وعادت القوات اليابانية مرة أخرى لاختيار السجناء لتناول الطعام، أما الأفراد المختارون لأكلهم تم نقلهم إلى كوخ حيث تم قطع لحمهم من أجسادهم، بينما كانوا على قيد الحياة وألقي بهم في حفرة حيث توفي في وقت لاحق. وآخر حالات موثقة وقعت في جزيرة في اليابان في فبراير 1945، حين قتل وأكل الجنود اليابانيون خمسة من أفراد سلاح الجو الأمريكي، وتم التحقيق في هذه القضية في عام 1947 في محاكمة جرائم الحرب، وتم تقديم 30 من الجنود اليابانيين للمحاكمة، وخمسة ثبتت إدانتهم وتم شنقهم. 
واشتهر العديد من السفاحين بأكل لحوم البشر مثل ألبرت فيش الذي اغتصب وقتل وأكل عددا من الأطفال خلال العشرينيات، وقد قال إنه كان يشعر بلذة جنسية هائلة نتيجة ذلك، وأيضا السفاح الروسي أندريه تشيكاتيلو، الذي قتل 53 شخصًا على الأقل بين عامي 1978 و1990؛
كما اشتهرت قضية إسي ساجاوا، آكل لحوم بشر الياباني الذي اشتهر بقتله طالبة السوربون الدنماركية رينيه هارتيفيلت، والذي اعتبره الأطباء "مجنون" وبالتالي لا يمكن إخضاعه للمحاكمة، فتم إعادته إلى اليابان حيث مكث في مصحة عقلية لخمسة عشر شهرًا، خرج بعدها وعاش طليقًا في اليابان؛ أيضًا انتشرت حكاية أخرى عن اضطرار الناجون من حادث الرحلة 571 لسلاح الجو الأوروجواني بأكل لحم المتوفين من ضحايا الحادث لأنهم انعزلوا لمدة 72 يوما في جبال الأنديز على ارتفاع 3600 متر.
و من السفاحين أيضا آرمين مايفيس فني الكمبيوتر الألماني، الذي اعترف بقتل وأكل رجل في أوائل عام 2001 حيث التقى به بعد أن أعلن على مواقع الإنترنت أنه يطلب "شابًا قوي البنية ما بين الثامنة عشر والثلاثين، للذبح؛ ثم قال مايفيس بعد ذلك إنه قتله برضا الأخير، غير أن ما يزعم من هذا "التراضي في الفعل" لم يهدئ من حالة الاشمئزاز التي أصابت الشعب الألماني.
أما مصر، فقد شهدت أكل لحم البشر في عصر الدولة الفاطمية فيما يُعرف باسم "الشدة المستنصرية"، وهي المجاعة التي حدثت في عهد الخليفة المستنصر بالله واستمرت لنحو 7 سنوات، نتيجة اختفاء مياه النيل، واختفى الحرث والزرع مما تسبب في مجاعة، حيث روى أن الأحباش كانوا يتربصون بالنساء في الطرقات ويخطفوهن ويقتلوهن ويأكلوا لحومهن؛ وفي هذه الشدة أكل الناس بعضهم البعض، وأكلوا الدواب والكلاب والقطط، وكان حينها يباع رغيف الخبز بـ50 دينارًا، والكلب بـ5 دنانير.
وروى المؤرخون أنه قد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل، وخطف الخبز من على رءوس الخبازين، وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة أكلوها؛ والخليفة المستنصر نفسه باع كل ما يملك في القصر، حتى بيع من المتاع ثمانون ألف ثوب، وعشرون ألف درع، وعشرون ألف سيف محلي، حتى الجواهر المرصعة بالأحجار الكريمة بيعت بأبخس الأثمان، ولم يبق له إلا حصيرة يجلس عليها وبغلة يركبها وغلام واحد يخدمه؛ وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع مقابر آبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياعًا صوب بغداد.
وذكر ابن إلياس أن الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها؛ وأشار تقي الدين المقريزي في كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة" إلى أن الناس أكلوا القطط والكلاب "بل تزايد الحال فأكل الناس بعضهم بعضًا، وكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها وعليهم سلب وحبال فيها كلاليب فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوا"؛ ولفت المقريزي في كتابه إلى حدوث مجاعة مشابهة للسابقة أيام الحافظ لدين الله وفي عهد الفائز وفي سلطة العادل أبي بكر الأيوبي سنة 576ه بسبب توقف النيل عن الزيادة "فأكل الناس صغار بني آدم من الجوع فكان الأب يأكل ابنه مشويًا ومطبوخًا والمرأة تأكل ولدها، وكان يدخل الرجل دار جاره فيجد القدر على النار فينتظرها حتى تتهيأ فإذا هي لحم طفل".