الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"عربة الحواديت" تشق طريق الدهشة والأحلام لأطفال مصر

عربة الحواديت
عربة الحواديت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"رب كتاب تضعه بيد طفل يغير حياته" ولأجل التماعة عيون الصغار، رسومهم وضحكاتهم وأسئلتهم اللماحة، يقطع الكاتب الشاب محمد عبدربه وفريق من المتطوعين، ساعات طويلة في عربة الحواديت، مدخرين هدايا من المتعة والخيال والمعرفة لقرى مصر النائية.
ينادون "هيا نحكي ونقرأ ونرسم"، يأتي الصغار تحت شجرة أو خيمة أو فصل بالمدرسة، لا يهم، يتفرسون بوجه مدرس الإنجليزي الذي يحلق بهم لدنيا بالتأكيد أرحب من واقعهم، ولما ينتهي الوقت يمنون أنفسهم بعودة العربة من جديد.
ورغم ترحيب الأهالي بـ6 محافظات جابتها العربة، ومناشدات حارة كي تدعم الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة "عربة الحواديت" والمبادرات التي تنهض بالجمال والمعرفة في مواجهة القبح، فإن شيئا من ذلك لم يتحقق، وأخبر الوزير هيثم عبدربه أنه لا يمكنه فعل شيء، وبالفعل خرج الكاتب من أروقة الوزارة بكيس بلاستيك يحوي 70 كتابا فحسب. 
على العكس، لاقت الفكرة ذيوعا ودعما رسميا من خارج مصر، فصور التليفزيون السويدي مع الفريق بالقرى، وناشدهم مسئولون بالسودان وكينيا بالمجيء، ونادتهم مؤسسة تربوية كويتية بالتفرغ عامين مع تعهد بتجهيز عربة مخصصة وكل المستلزمات، وسبق أن وصل المشروع للقائمة القصيرة من جائزة "صناع الأمل" الإماراتية.
وقال هيثم السيد، قائد "عربة الحكايات" لـ"البوابة نيوز" إن إحباطا كبيرا تسرب لنفسه بعد أن نفدت الكتب التي كانت بصحبته، وقد استطاع توفير 32 ألف كتاب جديد وجاب الفريق محافظات عدة بينها بورسعيد والإسماعيلية وقنا وسوهاج وأسوان بواقع 85 ورشة حكي خلال العامين الماضيين.
لجأ هيثم لوزارة التضامن الاجتماعي كي يسجل "العربة" رسميا، ما يسهل تجواله بالمحافظات وحصوله على دعم أيضا، وكان الرد أن الجمعيات الخيرية بمحافظته الشرقية لا تحتاج لزيادة، سأل هيثم المسئولون هناك: وهل بينها جمعية ثقافية واحدة؟ فأجابوه بالنفي، وراح بالفعل لينضم كنشاط تحت أي من الجمعيات السائدة، فقالوا أنهم يحتاجون لمواد الكساء والغذاء والدواء للمعوزين والأيتام، وليست بهم حاجة للكتب، فكان عليه أن يلتزم الدهشة!
لكن هيثم لم يتراجع عن حلمه بعربة حواديت تجوب مصر، وهي فكرة عرفتها أغلب دول العالم منذ سنوات طويلة، واتخذت أشكالا متعددة بعضها بدائي كأن يحمل رجل كوبي كتبا على ظهر حمار للمناطق الجبلية الوعرة وصولا للأطفال، وبعضها كان شديد التقنية والجمال بشوارع كندا وأمريكا.
يحتاج هيثم لعربة واسعة مجهزة على الأقل تمكنه من استيعاب الأطفال بداخلها وإقامة ورش الحكي والتلوين والقراءة بداخلها، وهو يعتمد أسلوبا تربويا في ورشه يقوم على التفاعل مع الأطفال وليس التلقين، ويطلب منهم بعد كل ورشة أن يعبروا عما أعجبهم بالكلمات والرسوم، ويمنحهم كتابا هدية، يحرص أن يكون جديدا، ويوثق كل ذلك عبر فريقه بالصوت والصورة، وهو فخور بأن إحدى طالبات محافظة الشرقية تصعدت لقوائم مسابقة "تحدي القراءة" الذي أطلقته أبوظبي للعام الثاني على مستوى مصر، وكان أول كتاب جديد تقتنيه من خلال عربة الحواديت.
لكن وحتى تأتي العربة، لا يتوقف الفريق عن الحركة، برغم ان يومه مشحون بأعباء الوظيفة التقليدية، ويؤكد أنهم يتحركون في اليوم الواحد بأكثر من قرية، ولا يتوقفون حتى بأيام الإجازات.
كان أول كتاب جديد يدخل به هيثم لعالم الحكايات وهو بعد صغير، أحد إبداعات كامل الكيلاني في "السلسلة الخضراء"، وقد أهداه إليه والده أمين المكتبة بإحدى المدارس الإعدادية بالزقازيق، ومنذ ذلك الحين وهو يدمن القراءة والكتابة، وبسببه قرر أن يكون حكاءً للأطفال، فيما لا يزال الأب يشتري كتبا لأجل عربة الصغار حتى اليوم.
وقد ظلت المناشدات تتوالى من قبل النشطاء والمثقفين لدعم "عربة الحواديت" ويقول هيثم أن بين الداعمين لهم الدكتورة مرفت مرسي مدير المركز القومي لثقافة الطفل التي بادرت بالاتصال به وتبرعت بدعمه على "عهدتها الشخصية" ومنحته مؤخرا 350 كتابا! والكاتب الشاب محمد فتحي الذي يعتبر سندا حقيقيا وقد دعم من خلال مؤسسة "اسمعونا" كتب وتجهيزات العربة لمدة عام، وتعهدت الفنانة كندة علوش بالدعم والترويج عبر صفحتها وتواصلت مع مؤسسة "مصر الخير"، ومن الناشرين دار "نهضة مصر" التي وفرت الكتب بمحافظة أسوان، بنحو 500 كتاب ومجلة، و"المصرية اللبنانية"، والدكتور شريف أسعد الإعلامي البارز الذي تواصل مع الناشرين، كما يعد صاحب مكتبة "عمر بوك ستورز" صديقا كبيرا للعربة وقد جعل مكتبته بوسط القاهرة نقطة تلاقي لمتبرعي الحملة وناشطيها.
وخلال جلسة مؤخرا تحدث هيثم عبدربه عن التحديات التي تواجه العربة مع ممثلي مؤسسة "مصر الخير" ود. عمرو عثمان مساعد وزير التضامن الاجتماعي، وتعهدوا بالدعم لمدة 6 أشهر. 
ويتساءل عبدربه: لماذا يحجم الكتاب عن المشاركة الفعالة والتبرع لتلك المبادرات، وبعضهم جنى الكثير من بيع كتاباته للطفل، فهل لا يعتبرون وصول حكاياتهم لأطفال بمناطق نائية لا تعرف سينما ومسرح ومكتبة، من بين أولى واجباتهم؟!
صعوبات جمة واجهها هذا الفريق، بدء من تشكك البعض بجديتهم، ومن يرمونهم بحب الشهرة، ومن يتخذون من دعمهم وسيلة ترويجية ثم يختفون على أرض الواقع، والساعات الطويلة وصولا للمحافظات البعيدة، لكن فرحة الأطفال تنسيهم كل مشقة، وهم لا ينسوا كيف رحب بهم أهل أسوان وناشدوهم بالعودة.. لكل هذا بكى هيثم بشدة حين شعر بأن المشروع يمكن أن يتوقف. يقول: كان يمكن بجزء ضئيل مما ينفقه رجال الأعمال على الفنانين ولاعبي الكرة أن نصنع شيئا مختلفا لصغارنا ينمي عقولهم، وهو ما ينطبق على الشركات الكبرى وقد طرقوا أبوابها بلا مجيب.
يتشكل فريق "عربة الحواديت" من 9 شباب لهم تخصصات مختلفة، ومنهم الفنانة الصغيرة نيرة حازم، وآية حرب مذيعة الراديو، ويقومون بإعداد المكان ودعوة الصغار والتحاور مع الكبار، بل وحمل الكتب وكل شيء، ويسعد الأطفال في النهاية أن يحصلوا على صورة لهم بصحبة كتاب جديد إضافة للتجربة الممتعة.
يشعر قائد العربة بأن الطفل كـ"نوارة القطن" يحتاج لمن يحتويه ويحميه كي ينمو، وهو لا ينسى وجه تلك الطفلة التي طرقت باب سيارته مبهورة برسوم مجلة كان يحملها، ومنذ ذلك الحين قرر أن يبهج أطفالا مثلها.
هيثم عبدربه له كتب أطفال منشورة منها "كنز العمة مسرورة" و"كريم وعمر وريم"، وله رواية مطبوعة باسم "تلك الأيام البعيدة" وهو يتذكر الليالي الجميلة التي قضاها يقرأ الحكايا وهو بعد صغير، ولكنه اليوم يحتاج من يمده بالكتب كي يغزو القرى النائية ويضع الكتب الجديدة والحلم في يد هؤلاء الذين يستقبلون الحياة.