السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حدود القوة الإيرانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دون تهويل أو تهوين تدخل المنطقة من زاوية «التوسع الإيرانى فى الجوار» مرحلة جديدة، الكلمات المفتاحية لها قالها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب: «إنْ تجاهلنا المخاطر، فإنها سوف تنتهى بكارثة» فى معرض حديثه الأخير حول إعادة النظر فى الاستراتيجية تجاه طهران. 
أربع قضايا أصبحت على الطاولة «احتمال الوصول لإنتاج أسلحة دمار شامل، تطوير صواريخ عابرة للقارات، التدخل فى شئون الجيران إلى الغرب من إيران، الإرهاب».. هذه القضايا طُرحت متداخلة ومترابطة فى الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة، وفى الأشهر القليلة المقبلة سوف يتعرف العالم على الخطوات العملية التى سوف تتخذ لتحول الاستراتيجية إلى واقع على الأرض، من بين الخطوات تفعيل قرار مجلس الأمن رقم ٢٣٧٠ (أغسطس ٢٠١٧)، الذى ينص على تجريم الفعل الصريح أو الضمنى لأعمال الإرهاب. لم تكن تلك الاستراتيجية مفاجئة لإيران، فقد ألمح إليها القادم الجديد إلى البيت الأبيض أكثر من مرة، وكانت الأوضح قبل الإعلان الأخير فى خطاب الرئيس ترامب فى الأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى. فى حدود ما يفرضه التاريخ الحديث، فإن الدول كما الإنسان، لا يمكن أن يكون متسقًا إن كان صاحب عضلات مفتولة فى الساعد وأرجل هزيلة، ربما الاتحاد السوفيتى السابق خير مثال على ذلك، فقد قام بعملية تصنيع كبيرة وأنشأ جيشًا ضخمًا، لكن بقية النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت هزيلة، فسقط بسبب عدم التوازن! ذلك هو وضع إيران اليوم، فهى تستطيع من حيث المبدأ أن تصل إلى إنتاج أسلحة دمار، كما تستطيع أن تطور صواريخ بعيدة المدى، لكن لا تتوافر لها القاعدة الاقتصادية ولا السياسية لحمل كل ذلك المنتج بتوازن، فهى تسير عرجاء، من جهة استخدام العلم الحديث، ومن جهة مناقضة تطبيق مفاهيم «اجتماسياسية» قرن أوسطية تتكئ على منفيات للعقل وكراهية للحرية. 
لا يريد النظام الإيرانى أن يفهم أو يعترف بأن «نموذجه» غير قابل للحياة فى بيئة ترى أن مستقبلها فى مكان آخر، فى الحرية الحقيقية والاستقلال والتنمية التى تفرضها العولمة والثورة الاتصالية. ما يحدث اليوم فى العراق من تدخل عسكرى إيرانى ضد الكرد يؤشر لما يمكن أن تغوص فيه إيران فى المستقبل من حروب طائفية وعرقية ومناطقية مختلفة فى جوارها العربى، كل ذلك على حساب الاقتصاد الإيرانى الذى يئن تحت طائفة من العجوزات الحالية والمتوقع لها أن تتفاقم بمجرد وضع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة موضع الفعل. ما صدر وما يصدر من إيران قبل وبعد الإعلان عن الاستراتيجية الجديدة يدل على ارتباك نظام طهران، حيث لم يكن يتوقع تلك المراجعة العميقة، وقد راهن قبل الإعلان عن تفاصيل الاستراتيجية على التهديد والوعيد، بأن على الولايات المتحدة أن تبتعد ألفى كيلومتر عن حدود إيران! ثم لجأت طهران إلى المراهنة على انقسام أوروبى، لم يحدث كما توقعت، ثم أخيرًا على احتمال التعايش مع الإدارة الأمريكية، إما لثلاث سنوات مقبلة (الباقى من الفترة الأولى للرئيس)، أو أن تنتهى ولاية ترامب مبكرًا بسبب العراقيل التى يواجهها! وإما أن يعاد انتخابه فذلك «مستحيل» حسب الرأى الإيراني! أى أن طهران أصبحت تعرف أن الولايات المتحدة هى الأساس فى تسيير أمور الاتفاق الموقع فى يوليو ٢٠١٥ أو تعطيله، بقى عليها أن تعرف أن الاستراتيجية الجديدة تُكمل من خلال المؤسسات وليست إرادة أفراد. إدارة باراك أوباما لما سعت إلى الوصول إلى ذلك الاتفاق فى ٢٠١٥، لم يكن بوارد أن تنظر إلى أكثر من عشر سنوات، لتعطيل وصول طهران حيازة القدرة النووية، وهى لا بد أن تعرف ما يعرفه عامة المطلعين على تكنولوجيا القدرة النووية أن التحضير لها وبناء بنية تحتية جاهزة، تجعل من أى دولة قريبة إلى تلك القدرة فى أشهر قليلة، المثال هو اليابان التى تقول أدبيات متوفرة: إن تلك البلاد تستطيع بما تملكه من بناء تحتى وتقنى، أن تصل إلى القدرة النووية فى أشهر! وهى ليست وحدها، بل هناك عدد من دول العالم فى الموقع نفسه. تجاهلت إدارة أوباما ذلك الاحتمال، كما تجاهلت حتى تجربة المفاوضات المماثلة مع كوريا الشمالية فى العقد الأول من القرن الحالى، عندما أشركت عددًا من الدول المجاورة فى المفاوضات، والتى فى النهاية أهملتها كوريا الشمالية، نتيجة حسابات خاصة بها. يخطئ من يعتقد أن الاستراتيجية الجديدة هى أولًا من فكر شخص واحد، ذلك ينفيه عدد من الشواهد بما فيها قوانين مررها الكونجرس الأمريكى فى هذا الصدد، كما يخطئ من يرى أن الملف الإيرانى بعيد عن الملف الكورى الشمالى، فهناك هامش من التماثل فيما بينهما. إن أردنا أن نمد بصرنا إلى المستقبل المتوسط فإن ما تم البناء عليه فى طهران من توسع فى الجوار ومساندة للإرهاب وإصرار مرضى فى معاداة الولايات المتحدة والغرب، جاء وقت التفكير فى نقضه جديًا. مركزية سياسة الولايات المتحدة فى التأثير على الواقع، أفصحت عنها إيران بطريق غير مباشر، عندما هددت أن خروج أمريكا من الاتفاق، يعنى تخلص إيران من التزاماتها، لم تفكر حتى فى بقية الموقعين، أو أنها سوف تبقى على الاتفاق إكرامًا للدول الأخرى! نحن الآن فى نهاية حدود القوة الإيرانية التى سمحت لها ظروف التغيرات فى المنطقة لتتمدد، فهى أمام قبول التلازم الثلاثى النووى وإنتاج الصواريخ والتدخل فى الجوار ودعم الإرهاب، كحزمة واحدة، إما حل كل تلك الملفات أو مواجهة صعوبات لم تألفها فى سابق عقود فترة حكمها.
نقلا عن الشرق الأوسط