الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف أصبحت فرنسا ملاذًا ضريبيًا لقطر؟! "2 ـ 2"

فرنسوا أسيلينو وماكرون
فرنسوا أسيلينو وماكرون وتميم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فرنسوا أسيلينو.. المرشح السابق لرئاسة الجمهورية رئيس ومؤسس لحزب الاتحاد الجمهورى الشعبى
قطر دفعت 3 ملايين يورو تكاليف طلاق «ساركوزى» وزوجته السابقة «سيسيليا»
الدوحة توسطت لدى «القذافى» ودفعت تعويض قضية الممرضات البلغاريات
الإمارة الخليجية أطلقت حملات إعلامية لبناء مساجد وجمعيات إسلامية فى باريس


أنتهز هذه المناسبة للتذكير بأن إيمانويل ماكرون خلال الحملة الرئاسية فى إبريل ٢٠١٧، عند سؤاله من قبل صحفيى مجلة «Capital» حول هذا الموضوع كان قد ألمح أنه فى حال انتخابه فإنه سيضع حدًّا للامتيازات المكتوبة لقطر، أى المزايا الضريبية المخصصة للإمارة. ولكن لم يتم ذلك، فلقد استقبل ماكرون، بعد انتخابه رئيسا للجمهورية فى قصر الإليزيه فى ١٥ سبتمبر، أمير قطر الجديد تميم بن حمد آل ثاني.
ووفقًا للمعلومات المتاحة لدينا، لا توجد أى أخبار أو أى نية حول إلغاء امتيازات قطر فى فرنسا، وسأطرح السؤال التالى على السادة المسئولين: متى ستتوقفون عن جعل فرنسا ملاذًا ضريبيًا لقطر، ومتى سيتحقق ما ألمح إليه الرئيس ماكرون قبل الانتخابات الرئاسية فى إبريل الماضي؟
أما الفصل الثانى فيتعلق بتدخل قطر فى السياسة الفرنسية، وسأبدأ بتلك العلاقة الخاصة غير الصحية بين فرنسا وقطر التى ابتدعها نيقولا ساركوزي، وفى المرحلة الحالية، هناك شكوك ولكنها تبدو متطابقة مع تصور نيكولا ساركوزى للتمويل المقبل من قطر. تنبع هذه الشكوك من عدة مصادر، منها «Pierre Péyant» و«Vanessa Ratinier» مؤلفا كتاب «فرنسا تحت التأثير»، والذى نشرته دار «Fayard» فى عام ٢٠١٤، ووفقًا لما جاء على لسان المؤلفين، فإن قطر قامت بدفع تكاليف طلاق «Nicolas Sarkozy» وزوجته «Cécilia Sarkozy»، التى قُدرت بحوالى ٣ ملايين يورو. فلقد قامت الإمارة بدفع مبلغ كبير يتعدى ما طلبته السلطات الليبية للإفراج عن الممرضات البلغاريات، وتم إيداع المال فى البنوك السويسرية حتى يتمكن «Nicolas Sarkozy» من دفع تكاليف إطلاق سراحه من «Nicolas Sarkozy»، وذلك وفقًا لما صرّح به رجل الأعمال زياد العقادى فى إبريل ٢٠١٣. وعلى أي حال، فهذا التحليل الذى تم التوصل إليه أيضا من قبل بعض الفرنسيين يبدو مقبولا ومبررا، حتى إنه تم تناوله فى الصحافة، وبعيدا عن «Nicolas Sarkozy» فالمشهد يعج بأمثلة صارخة حول قيام قطر بإفساد الطبقة السياسية الفرنسية، وهناك العديد من الكتب التى تناولت هذا الموضوع، لا سيما ذلك الكشف المثير الذى يتضمنه كتاب «Christian Chenot»، و«Georges Malbrunot» المسمى «أمراؤنا الأعزاء»، الذى تم نشره فى أكتوبر ٢٠١٦. والكتاب يبدو جيدًا للغاية وموثقًا، ويتعرض للعلاقات المشبوهة بين كل من النائب السابق للحزب الاشتراكى «Jean-Marie le Guen» والوزيرين السابقينRachida Dati» : Jack Lang ،Jean Vincent Placet» بالإضافة إلى عضو مجلس الشيوخ «Nathalie Boulet» والنائب الاشتراكى «Nicolas Bays»، وسفير دولة قطر السابق فى باريس الذى قام بتوزيع عدد من الساعات الثمينة على بعض الوزراء خلال الحملة الانتخابية التمهيدية للحزب الجمهوري، حتى إن «Brunot Le Maire» وزير الاقتصاد الحالى، اعترف بأنه تلقى ساعة فاخرة جدا تبلغ قيمتها ٨٥٠٠٠ دولار من أمير قطر، إلا أنه قام بإعادتها إليه، ولكن على ما يبدو لم يقم الآخرون بعمل الشيء نفسه.

أما عن الجزء الثالث من مداخلتى؛ فإنه يتطرق إلى تمويل قطر لبناء المساجد وبعض الجمعيات فى الضواحى الفرنسية، وقد استخدمت قطر الحملات الإعلامية لبناء المسجد أو لتمويل هذه الجمعيات الكائنة بالضواحى الفرنسية، بدءا من عام ٢٠١١، بالرغم من عدم وضوح أهداف كل منها، وأذكركم بأن القانون الصادر عام ١٩٠٥ منع تمويل إقامة أى مبانٍ لأغراض دينية من الأموال العامة فى فرنسا، وأذكركم كذلك بأن التقرير الأخير الصادر عن مجلس الشيوخ يفسر ويحاول تحليل أسباب انعدام الشفافية فيما يخص تمويل بعض المساجد، ولا سيما من خلال بعض الأموال الأجنبية التى تم توجيهها لتمويل الأنشطة الثقافية الملحقة بالمساجد، على سبيل المثال: المكتبات، المطاعم، حضانات الأطفال.
ومن الواضح أن ذلك يفسح المجال للشكوك، وأود أيضًا أن أذكركم بأن المجالس البلدية من الممكن أن تقوم بإجراء عقود إيجار طويلة الأجل تصل إلى ٩٩ سنة، وهو ما يسمح فى بعض الأحيان بالتحايل على ذلك القانون الصادر فى ١٩٠٥، خاصة إذا ما تم التعاقد بأسعار أقل بكثير من أسعار السوق تحت ضغط من بعض المقرضين الأثرياء.
أما فيما يخص الفصل الثالث من مداخلتى، الذى يتطرق إلى تأثير التدخلات القطرية، تدخل قطر على الدبلوماسية الفرنسية.
أوليس من حقنا التعبير عن دهشتنا فيما يخص مواقف فرنسا على الصعيد الدولى، لا سيما موقفها مما يجرى فى ليبيا وسوريا، وارتباطه كما لو كان ذلك بمحض الصدفة الوثيق بقطر؟ وعلاوة على ذلك، اتبعت نفس الانتكاسات الإمارة الصغيرة، وفيما يتعلق بليبيا، أذكركم بما سبق أن أشرت إليه بالنسبة إلى أن قطر مولت إطلاق سراح الممرضات البلغاريات المحتجزات فى ليبيا، ودور فرنسا ونيكولا ساركوزى وزوجته فى هذا الحدث. تعلمون أيضا كيف كان استقبال القذافى فى فرنسا، الذى أقل ما يوصف به أنه كان استقبالا فخمًا. ومن ناحية أخرى، فإن قطر هى من دفعت فرنسا للمشاركة فى الحرب ضد ليبيا فى عام ٢٠١١، تلك الحرب التى أدت إلى سقوط وموت معمر القذافى، وقد أرسلت قطر آنذاك حوالى ٥٠٠٠ جندى إلى ليبيا، ويجب أن نتذكر تداعيات التدخل فى ليبيا فى عام ٢٠١١، الذى أدى إلى زيادة عدد المتطرفين الإسلاميين فى ليبيا. لقد أصبحت ليبيا دولة مفككة تتفشى فيها الفوضى، حتى إن الأمريكان وصفوها بأنها دولة ذات «صراع منخفض الكثافة»، وهرب ٧٠٪ من السكان من ويلات الحرب، وقد أدت زعزعة استقرار النظام الليبى إلى زعزعة استقرار جزء من المشرق، وقليل من المغرب العربي، وكذلك منطقة الساحل، خاصة ما يحدث فى شمال مالي.

وهناك أيضًا من تداعيات هذه الأزمة مشكلة تنامى عدد المهاجرين إلى أوروبا. أما بالنسبة لسوريا، فقد استطاعت قطر لم الشمل بين فرنسا وسوريا، مما دفع نيكولا ساركوزى إلى دعوة الرئيس بشار الأسد لزيارة فرنسا فى يونيو ٢٠٠٨، ولكن منذ منتصف عام ٢٠١١، تغيرت تماما العلاقة فيما بين قطر وسوريا، حتى إن الإمارة تبنت موقفًا معاديًا تمامًا للسياسات السورية. وللأسف اتبعت السياسة الفرنسية بالضبط نفس النهج، وهناك سلسلة من الأحداث جرت فى هذا الشأن تستحق أن نشير إليها: ففى عام ٢٠٠٩ طرحت سوريا إستراتيجية البحار الأربعة، التى كانت سوريا تريد بموجبها أن تصبح مركزًا لعبور الهيدروكربونات بين البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود، وبحر قزوين، والخليج الفارسي. وفى وقت مبكر من عام ٢٠٠٩ اقترحت قطر مشروعًا لمد خط لأنابيب الغاز من حقل الغاز «Nonstorme» الذى يقوم باختراق المملكة العربية السعودية، الأردن وسوريا وحتى تركيا ثم إلى أوروبا، لكن كان هناك مشروع منافس «Islamic Gas stay plan»، يهدف إلى مد خط لأنابيب الغاز من إيران، عبورًا بالعراق وسوريا، وانتهاء بمناطق استغلال الغاز بأوروبا من خلال الموانئ السورية. فى يوليو ٢٠١١، اختار الرئيس بشار الأسد التعاقد مع الجانب الإيرانى حول مشروع الغاز، الأمر الذى أثار استياء كل من قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا، الدول التى شعرت أنه تم استبعادها، وكما لو كان كل ما جرى من أحداث وليد الصدفة، فمن هنا بدأ الوضع الداخلى فى سوريا فى التدهور سريعًا، وتم تحميل قطر مسئولية ذلك والإشارة إلى الدور الذى لعبته فى تمويل الأحداث التى جرت بسوريا، وظهور تلك الدولة المزعومة المسماة داعش فى سوريا. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه خلال حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى جرت فى إبريل، كنت المرشح الوحيد من بين أحد عشر مرشحًا، الذى حرص على تناول هذا الموضوع، حتى إننى طلبت من «Emmanuel Macron»، أمام نحو ٦ ملايين مشاهد فرنسي، خلال المناظرة التى عقدت فى ١١ إبريل، أن يحدثنا عن رأيه فى دور قطر فى تنمية الإرهاب.