الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف أصبحت فرنسا ملاذًا ضريبيًا لقطر؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عادةً ما ينظر إلى فرنسا على أساس أنها أرض للحرية؛ وفى أرض الحرية يحق لنا قول كل شىء، ومناقشة كل شىء.. وفرنسا بلد ولد فيها مفهوم العلمانية بطريقة ما.. هذه الكلمة الفرنسية التى يصعب جدًا ترجمتها إلى لغات أخرى، لأنها لا تطلق لوصف من له باع فى الإلحاد؛ وإنما تعنى أن لكل فرد الحق فى اعتناق أى دين أو معتقد يختاره فى إطار حياته الشخصية، ودون فرضه على الآخرين، لذا فإن العلمانية بالنسبة للفرنسيين تقوم على نشر ثقافة التعايش بين أطياف المجتمع، الموضوع الذى طلب منى التحدث عنه بشكل أساسى يدور حول العلاقات الثنائية بين فرنسا وقطر، وسأقوم من خلال مداخلتى التى تنقسم إلى ثلاثة أجزاء أولا بعرض للامتيازات التى تمكنت قطر من الحصول عليها فى فرنسا، وكذلك بعض الأمثلة الصارخة لتدخلها فى السياسة الفرنسية، وأخيرًا تأثير قطر على الدبلوماسية الفرنسية.
وفيما يتعلق بالامتيازات التى حصلت عليها قطر فى فرنسا؛ فسوف أذكر نقطتين أساسيتين، أولًا: هناك امتيازات مكتوبة؛ أى قانون خاص، بالرغم من أن جميع الامتيازات كان قد تم إلغاؤها فى ٤ أغسطس ١٧٨٩، ومع ذلك، فإن قطر قامت فى ١٤ يناير ٢٠٠٨ فى الدوحة بالتوقيع على معاهدة ضريبية سخية جدًا مع فرنسا إبان رئاسة ساركوزى، فيما يعد تعديلا على الاتفاقية الضريبية التى كانت موجودة بالفعل بين فرنسا والإمارة، والتى تم توقيعها فى ١٢ يناير ١٩٩٣، وقد دخل هذا التعديل حيز النفاذ فى ٢٣ أبريل ٢٠٠٩، ما سمح لدولة قطر والكيانات العامة ذات الصلة بها، بما فى ذلك عائلة الأمير آل ثانى، بالاستفادة من الإعفاء الضريبى على الممتلكات غير المنقولة المحتفظ بها فى فرنسا. والبند ١٢ من القانون الفقرة رقم ١ يحدد المكاسب التى من المفترض أن يحققها كل من الدولتين وهذا يعنى؛ فرنسا أو قطر من الإعفاء الضريبى فى الدولة الأخرى. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الاتفاقية؛ تنص على إعفاء القطريين المقيمين فى فرنسا من الضرائب على الأرباح، وأخيرًا؛ ينص هذا التعديل أيضا على إعفاء الممتلكات الواقعة خارج فرنسا لمواطنى قطر المقيمين فى فرنسا، وبعبارة أخرى فنحن أمام قانون استثنائى ومرهق للاقتصاد. القاعدة الضريبية المتميزة التى منحتها فرنسا إلى قطر؛ جعلت منها ملاذا ضريبيا للقطريين الذين قاموا منذ ذلك الحين بالعديد من عمليات الشراء والتملك فى فرنسا، وذلك من خلال هيئة الاستثمار القطرية وأحد فروعها قطر القابضة. 
ومن المدهش أن هذه الإمارة الصغيرة التى لا تتعدى مساحتها ١١٠٠٠ ألف كيلو متر مربع، أى مساحة مقاطعة Gironde نفسها بفرنسا، التى يبلغ عدد سكانها ٢ مليون و٤٠٠ ألف نسمة تمكنت من تملك عدد كبير من البنايات المشهورة فى باريس، منها مبنى Virgin ومبنى بنك HSBC بالشانزليزيه، ومبنى جريدة Figaro الذى تشغل السفارة الأمريكية بعض طوابقه، بالإضافة إلى عدد من الأبنية التراثية، أحدها قصر Coislin، الذى تم بناؤه من قبل المعمارى Gabriel فى القرن الثالث عشر، ويقع عند تقاطع شارع رويال وميدان الكونكورد، بجانب فندق كريون والآخر قصر Lambert الذى يقع على جزيرة سانت لويس ويعد من المبانى الفخمة والمرموقة، وهناك أيضا فندق Devereux الذى يقع بميدان Vendôme وقصر Kinsky. وذلك بالإضافة إلى عدد من الفنادق الفخمة والقصور الباريسية الفاخرة، منها: فندق Royal Monceau، فندق Peninsula، فندق Hilton باريس، فندق Intercontinental، فندق Louvre، فندق Concorde la Fayette، فندق Palais de la méditérranée فى نيس، فندق Martinez فى كان، فضلا عن أن قطر تمتلك أسهما فى كازينو كان، وتمتلك العائلة المالكة القطرية أصولا عقارية قيمة أخرى، وذلك من خلال صندوق خاص، مقره فى أمستردام فى هولندا يسمىMayapan BV، الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى، الذى كان أميرا لقطر حتى يونيو ٢٠١٣؛ قام بشراء عدد من العقارات الفاخرة فى فرنسا فى مقاطعتى Yvelines وVar، بالإضافة إلى ذلك تمتلك قطر عددا من أسهم مجموعة Lagardère صاحبة سلسلة كاملة من دور النشر ووسائل الإعلام، منها Hachette: Armand Colin: Dunaux، Stock: Fayard Grasset: Larousse: Le livre de poche: les points de vente Relais: les Magazines: Elle: Paris Match: Télé ٧ Jours: Le journal du Dimanche: Europe١: Virgin Radio: RFM: Canal Energie.. وعلى ذلك فإن AIA تمتلك تقريبا ١٢.٨٣٪ من رأس مال مجموعة Lagardère وقطر القابضة ١٣.٠٣٪ من رأس المال، كما تمتلك قطر أيضا ما يقرب من ٦٪ من رأس مال شركة إيرباص و٣٪ من الشركة الفرنسية توتال و٥.٥٪ من شركة فينشى المسئولة عن مواقف السيارات وصيانة الطرق السريعة، و١.٥٪ من شركة فيوليا؛ و١٪ من LVMH. أما فى المجال الرياضى فتمتلك قطر نادى باريس سان جيرمان لكرة القدم وكرة اليد، كل هذا وفقا لتلك الاتفاقية الضريبية التى تجعل من فرنسا ملاذا ضريبيا لقطر، وهناك امتيازات أخرى غير مكتوبة، تعد فى حد ذاتها مثالا صارخا آخر على سياسة غض البصر التى تنتهجها الجهات الحكومية أمام الممارسات القطرية فى فرنسا، حتى إذا كان ذلك يتضمن فى حد ذاته مخالفة للقانون الفرنسى، من أبرز الأمثلة على ذلك والتى كانت بمثابة الصدمة للمجتمع الفرنسى: الموقف السلبى الذى انتهجته السلطات العامة فيما يتعلق بالتحسينات - التى يخالف معظمها القوانين المتبعة فى حماية الأبنية التاريخية المصنفة ولم يتم عملها بمعرفة السلطات المعنية - التى أدخلتها عائلة قطر فى أحد أجمل القصور الخاصة فى باريس، قصر Lambert، الذى يقع فى جزيرة Saint Louis، فى سبتمبر ٢٠٠٧ والتى أدت إلى نشوب حريق فى المبنى فى يوليه ٢٠١٣ نتج عنه أضرار لا يمكن معالجتها لعدة ديكورات لا تقدر بثمن، ويرجع تاريخها إلى القرن ال ١٧، ولم يتم إجراء أى تحقيقات حول هذا الأمر، كما أن مالكى القصر لم يتعرضوا للمساءلة القانونية، كما أنه بالإمكان التطرق إلى حادثة الاغتصاب التى كان أحد الدبلوماسيين القطريين طرفا فيها فى يونية ٢٠١٦، ونظرا لتمتعه بالحصانة لم تتم مساءلته، وقد أغلقت القضية دون اتخاذ أى إجراء آخر، كذلك المشتريات التى قام بها أمير قطر السابق أحمد بن خليفة آل ثانى، والتى تمت فى ظروف أقل ما يقال عنها إنها ظروف غامضة، والتى تضمنت شراء متاجرPrintemps، تلك الصفقة التى ما زالت رهن التحقيق بتهمة سوء تداول الأصول العامة، صفقة شراء قصر Vista Palace de Roquebrune، فى Cap Martin التى تعد مثالا آخر للفساد والاتجار بالنفوذ، وفى عام ٢٠١٦، فتحت النيابة العامة فى باريس تحقيقا أوليا بتهمة غسيل الأموال حول بعض الأعمال التى تم إجراؤها من قبل إحدى الشركات الفرنسية العاملة فى مجال التصميم الداخلى فى أحد اليخوت فى الأسرة القطرية الذى يسمى Qatara، وهناك فضيحة تم تداولها مؤخرا فى الصحافة قبل بضعة أيام فى سبتمبر ٢٠١٧؛ حول تراخى السلطات العامة أمام قيام قطر ببناء فيلا على ضفاف بحيرة Léman على الحدود السويسرية بمقاطعة Haute Savoie فى منطقة يحظر البناء فيها، حيث إنها جزء من رقعة زراعية، وذلك بالمخالفة لقوانين البناء وتخطيط المدن على وجه الخصوص فيما يخص ارتفاع المبانى، كل هذه الأمثلة ليست حكايات من محض الخيال، فكلها تعكس ضعف وتقاعس السلطة العامة الفرنسية للدولة عن تنفيذ القوانين الفرنسية على الأراضى الفرنسية أمام تسلط ونفوذ رأس المال القطرى الذى لم يتعرض لأى ردع لمعاقبته على أفعاله.