الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إيران وهزة ترامب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يمزق دونالد ترامب الاتفاق النووى الـ«سيئ جدًا» مع إيران. اكتفى بهزه بقوة وهزّ معه الصورة التى حاولت إيران تسويقها على الصعيد الدولى بعد توقيع الاتفاق. أثار الشكوك وطرح علامات استفهام حول ما اعتبره سلفه باراك أوباما الإنجاز الأبرز فى عهده.
لم يكن الشق المتعلق بالاتفاق، الجانب الأهم فى كلام الرئيس الأمريكي. الجانب الأهم كان الرسالة المتضمنة فى الكلام، وهى أن مشكلة العالم والشرق الأوسط مع إيران، تتعلق بدورها خارج حدودها قبل أن تتعلق بحلمها النووي. وكأنه أراد القول إن الدور أخطر من القنبلة، وإن التفكير بالقنبلة ربما يهدف إلى حماية القدرة على الاستمرار فى هذا الدور.
أيقظ الرئيس الأمريكى ذكريات ووقائع كان أوباما يحرص على تناسيها. أعاد التذكير بالمحطات الدامية فى العلاقة الإيرانية - الأمريكية منذ انتصار ثورة الخميني. ذكّر الأمريكيين بمشهد دبلوماسييهم رهائن فى سفارة بلادهم فى طهران وعلى وقع هتافات «الموت لأمريكا». ذكّر أيضًا بنعوش الجنود الأمريكيين العائدة من بيروت بفعل تفجير يحمل بصمات الأجهزة الإيرانية.
لم يكتف ترامب بالشق الثنائي. اتهم إيران بأنها «أكبر داعم للإرهاب فى العالم» وبإيواء مسئولين فى «القاعدة»، وتحويل نهج زعزعة الاستقرار سياسة دائمة، ولفت إلى بصمات «الحرس الثوري» وأسلحته فى العراق وسوريا ولبنان واليمن. بدا الرئيس الأمريكى كمن يجمع الاتهامات تمهيدًا لمحاكمة، أو كمن يعد ملفًا كاملًا يستند إليه لتبرير «الاستراتيجية الجديدة» حيال إيران. وفى الاستراتيجية هذه كلام واضح يعنى أهل الشرق الأوسط. قال: «سنعيد تنشيط تحالفاتنا التقليدية وشراكاتنا الإقليمية ضد التخريب الإيراني، واستعادة أكبر لاستقرار توازن القوى فى المنطقة. سنعمل على حرمان النظام الإيرانى من تمويل نشاطاته الخبيثة». وكانت عقوبات وزارة الخزانة ضد «الحرس الثوري» الثمرة الأولى لكلام ترامب.
فى موقف ترمب هذا أشياء لا بدّ من ملاحظتها. أعاد وضع إيران فى صورة الخطر الأول بعدما احتلت كوريا هذا الموقع فى الأسابيع الماضية. وبدا واضحًا أن ترامب يعتبر أن الامتحان الأول لإدارته هو فى الشرق الأوسط وليس على حدود الصين. ثم إن ترامب أعاد تظهير الخطر الذى يمثله الدور الإيراني، والمتمثل فى هجوم واسع على مستوى إقليم الشرق الأوسط. أى فى منطقة يبقى العالم معنيًا بثرواتها واستقرارها وتوازن القوى فيها. والرسالة الثالثة هى أن أمريكا التى وقّعت الاتفاق النووى مع إيران ليست فى وارد، وخصوصًا فى ظل الإدارة الحالية، أن تشرعن الاختراقات التى حققتها إيران فى عدد من الدول العربية كأمر واقع لا بدّ من التسليم به. وهذا يعنى عمليًا أن واشنطن لا تسلّم بحق طهران فى أن تكون صاحبة الكلمة الأخيرة فى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وأن يكون قاسم سليمانى جنرال الجنرالات فى العواصم الأربع.
ما قاله ترامب علنًا من البيت الأبيض هو نفسه ما يقوله الدبلوماسيون الأمريكيون فى الغرف المغلقة واللقاءات الخاصة. وهو موقف ينسجم أيضًا مع موقف جنرالات إدارته الذين عملوا فى العراق ولمسوا حجم الانقلاب الذى تديره إيران فى المنطقة، خصوصًا بعد إطاحة نظام صدام حسين. انقلاب يدار «بالميليشيات والصواريخ والجيوش الصغيرة الجوالة وإسقاط حصانة الحدود الدولية»، على حد قول مسئول عربي.
تحول خطاب ترامب إلى سياسات على أرض الواقع، سيشكل بالتأكيد انقلابًا على النهج الذى اتبعه أوباما فى سنواته الأخيرة. ويروى دبلوماسى أمريكى أنه طلب من أوباما أكثر من مرة السماح بإدخال بعض الأسلحة إلى سوريا لإعادة شيء من التوازن يرغم النظام على الدخول فى مفاوضات جدية. ويضيف أن موقف أوباما الثابت كان يرتكز إلى ثلاث لاءات، هي: لا لحرب بالواسطة ضد إيران فى سوريا، ولا لموقف يهدد القوات الأمريكية الخاصة الموجودة فى العراق، ولا لموقف يهدد المفاوضات النووية مع إيران. ويستنتج الدبلوماسى أن إيران كانت مهتمة بالاختراقات الميدانية أكثر من اهتمامها بالبرنامج النووي، وهكذا نجحت فى «تغيير مواقع دول والتوازنات السياسية والمذهبية فيها وتغيير طبيعة عواصم عربية تاريخية».
شعر حلفاء أمريكا وأصدقاؤها بالمرارة حين أصرّ أوباما على قراءة كل ملف المنطقة انطلاقًا من رغبته فى إنجاز فى الملف النووى الإيراني. اعتبروا موقفه انقلابًا على ركائز السياسة التقليدية للولايات المتحدة، والتى كانت تركز على أمن حلفائها والالتزام بالتصدى لأى خطر يحدّق باستقرارهم.
تحول خطاب ترامب إلى سياسات محددة ترمى إلى احتواء الاندفاعة الإيرانية فى الإقليم، وبالتنسيق مع الأصدقاء التاريخيين لواشنطن، سيشكل بالتأكيد أوسع رد على الانقلاب الإيرانى الكبير الذى كان يرمى إلى محاصرة الدول المؤثرة فى الإقليم وزعزعة استقرارها والتقليل من أهميتها الاستراتيجية.
لا عودة إلى قدر من الاستقرار فى الإقليم ما لم يتم تعديل ميزان القوى بضوابط جديدة تلزم الجيوش بالمرابطة داخل بلدانها وتلزم الميليشيات بمغادرة أراضى الآخرين. ولا يرى المعتدلون العرب فرصة من هذا النوع من دون دور أمريكى يعيد إحياء الخطوط الحمر فى وجه تتابع الانقلابات وتجوال الميليشيات. فى هذا السياق يمكن فهم تأييد السعودية لـ«الاستراتيجية الحازمة» التى أعلنها ترامب، وما جاء فى الاتصال الهاتفى الذى أجراه الملك سلمان بن عبدالعزيز مع ترامب بعد خطاب الأخير.
يبقى أن ترامب أعاد وضع موضوع الدور الإيرانى على الأجندة الدولية. ظهر ذلك جليًا فى الاتصال بين أنجيلا ميركل وتيريزا ماي. ففى موازاة تمسكهما بالاتفاق النووى مع إيران، شددتا على ضرورة أن يتصدى المجتمع الدولى لسياسة زعزعة الاستقرار الإيرانية التى ستكون بعد أيام مطروحة على المائدة الأوروبية.
بدهى أن تغضب إيران من إعادة تركيز الأضواء على دورها فى زعزعة الاستقرار. لا بدّ من الانتظار لمعرفة ما إذا كانت سترد بالوسائل القديمة وأين. الأكيد أن تحول خطاب ترامب إلى سياسات عملية انقلابًا كبيرًا على الانقلاب الإيرانى الذى أفاد كثيرًا من غزو العراق وميول أوباما الانسحابية ومن ظهور «داعش» وأهوال ممارساته.
نقلا عن «الشرق الأوسط»