الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

أثر القديس أوغسطينوس على فكر المصلحين الإنجيليين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
القديس أوغسطينوس كان المصدر الآبائى الأكثر أهمية بالنسبة للمصلحين الإنجيليين. فى القرون التى سبقت الإصلاح، كانت هناك نهضة فكرية فلسفية لاهوتية واسعة، إذ قام أتباع التيار الأنسنوي، بدراسة كتابات الفلاسفة اليونان والمفكرين واللاهوتيين، لا سيّما كتابات القديس أوغسطينوس (٣٥٤-٤٣٠)، ومنها: فى عقيدة الثالوث، فى النعمة والإرادة الحرّة، فى التعيين المسبق، مدينة الله، الاعترافات، وغيرها من الكتابات.
ابتدأ مارتن لوثر بدراسة كتابات القديس أوغسطينوس منذ عام ١٥٠٩، عندما كان لا يزال راهبًا شابًا فى الدير. دفن نفسه بين كتابات أوغسطينوس فى مكتبة الدير. قرأ معظم كتاباته. وإعجابه بالقديس أوغسطينوس لم يكن بسبب انتمائه إلى نظام الرهبنة الأوغسطينية، ولكن للأهمية اللاهوتية والفكرية والروحية التى وجدها فى كتاباته.
لهذا، التهمها التهامًا. كتب لوثر: «أنا لا أدافع عن أوغسطينوس لأنى راهب أوغسطيني، لكن قبل قراءتى كتاباته لم يكن يعنى شيئًا لي». تبنّى مارتن لوثر بشكل كبير، موقف أوغسطينوس حول موضوع النعمة والخلاص، وافقه بأن الله هو الذى يبادر أولًا بنعمته باتجاه الإنسان الخاطئ الذى يقبل المبادرة. أخذ عنه، وصفه للدور الإلهى والإنسانى فى التبرير. طوّر لوثر عقيدة النعمة فى كتاباته، لتكون الموضوع الرئيسى فى إصلاحه. 
استخدم لوثر كتابات أوغسطينوس ليبرهن على خروج بعض تعاليم وممارسات الكنيسة فى عصره عن التعاليم والممارسات الصحيحة، مظهرا الفرق بين الكنيسة المثالية المعلنة فى الكتاب المقدس، والكنيسة الموجودة فى القرون الوسطى. إن تشديد لوثر على الكتاب المقدس، وإعادة تقديمه للاهوت أوغسطينوس، حفّز اهتمامات الكهنة الآخرين والعلمانيين، للعمل والمشاركة معهم فى إصلاح الكنيسة. وبالتالي، كان لوثر مديونًا للقديس أوغسطينوس بشكل كبير فى إصلاحه، إذ نظر إليه كثائر وقائد رئيسى لإصلاح الكنيسة. وافق لوثر مع بعض كتابات أوغسطينوس، ولم يوافق مع بعضها الآخر لا سيما فيما تعلّق فى بعض عناصر اللاهوت الأسرارى (سرى المعمودية والعشاء الرباني). فى الوقت الذى علّم أوغسطينوس، بأن الأسرار هى علامات فاعلة للنعمة بمجرّد ممارستها، علّم لوثر بأنها تكون فاعلة، بارتباطها بالإيمان وبكلمة الله المخبأة فى هذه العلامات المرئية. لخّص لوثر لاهوته حول الأسرار بقوله: «ليس أسرار الإيمان، ولكن الإيمان فى الأسرار هو الذى يبرّر». أمّا المصلح زوينكلي، فعند دراساته لكتابات آباء الكنيسة، فقد وجد أوغسطينوس، الأبرز بينهم. فى دعوته إلى التمسك بسلطان الكتاب المقدّس، قال زوينكلى إنه يدعم رأى القديس أوغسطينوس، بأن الكتاب المقدّس، كان السيد والمعلّم لكتابات وتعاليم آباء الكنيسة. وخلال تطوير فكره اللاهوتي، طوّر زوينكلى تدريجيًا، مفهومًا لاهوتيًا أوغسطينيًا يركّز على مركزيّة المسيح، لا سيّما فى عقيدة النعمة الأساسية. استنادًا إلى فكر أوغسطينوس، ميّز زوينكلى بين الكنيسة المرئية والكنيسة غير المرئية. قال «الله وحده يميّز بين الذين يدّعون زورًا بأنهم أتباع يسوع المسيح، ومن هم حقيقة أتباع المسيح، فى الكنيسة المحلية المرئية. أما الكنيسة الجامعة غير المرئية، فهى غير مرئية بالنسبة لنا، ولكنها مرئية فقط من لله. وصف الكنيسة الحقيقية على أنها شركة المختارين القديسين، والوحدة الحقيقية فى شركة جميع المختارين هي، من خلال كلمة الله. فهذه الكنيسة الجامعة غير المرئية، تنتشر فى كل مكان وزمان. وستجتمع مع بعضها البعض فقط فى نهاية الأزمنة. وافق زوينكلى على معظم أفكار أوغسطينوس اللاهوتية حول موضوعات: النعمة والخلاص، واختيار الله الحرّ، وفداء المسيح. وصف أحد اللاهوتيين أثر القديس أوغسطينوس على زوينكلى بقوله: «من الممكن أن نجد كل لاهوت زوينكلي، من الملاحظات التى دوّنها على هوامش كتابات أوغسطينوس الموجودة فى مكتبته». فى كتابه «القديس أوغسطينوس فى كتابات المصلح جان كلفن»، لكاتبه لوشيوس سميتس، يُظهر الكاتب مدى الأثر الكبير الذى تركه القديس أوغسطينوس على كتابات جان كلفن، فى عدة موضوعات. مثلا: استخدم كلفن البعض من أفكار أوغسطينوس، حول لاهوت الأسرار فى الكنيسة (سرّى المعمودية والعشاء الربّاني)، لا سيما تعريفه للسر، على أنه علامة خارجية لنعمة داخلية، مفهومه للكنيسة المنظورة والكنيسة غير المنظورة، مفهومه للتعيين المسبق، أيضا مفاهيمه حول: عناية الله، سيادة النعمة، فساد الإنسان، الإرادة الحرّة والاختيار المسبق، وغيرها من الموضوعات. ويبين الكاتب أن هناك ٤١١٩ اقتباسًا، فى كتابات كلفن، اقتبسها من القديس أوغسطينوس.
قال كلفن، بأن لديه شعورًا، بأن أفكاره فى توافق كبير مع أفكار أوغسطينوس. ومع أنهّ لم يحبّذ استخدام أوغسطينوس للتفاسير المجازية، لكن اعتبره مفسرا أمينا لنصوص الكتاب المقدّس. إن موافقة المصلحين الإنجيليين الرئيسيين الثلاثة: لوثر وكلفن وزوينكلي، مع العديد من مفاهيم القديس أوغسطينوس، قاد بعض المؤرخين إلى القول، بأن مصلحى الإصلاح الإنجيلى الأساسي، جعلوا المسيحية أوغسطينية بامتياز.