الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"السوشيال ميديا" سلاح التنظيم الإرهابي لتجنيد المراهقين "ملف"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الجزيرة» ساعدت فى نشر أخبار «القاعدة»
رغم محاولات القائمين على مواقع التواصل الاجتماعى المتكررة فى مواجهة المتطرفين والمتشددين من أعضاء التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، إلا أنه لا تزال تلك التنظيمات تعمل بكثافة ولديها القدرة على اختراق مواقع «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستجرام» وغيرها من مواقع «السوشيال ميديا»، نظرًا لأهميتها وسرعتها فى محاولات التجنيد والاستقطاب ومن ثم التوجيه، وهو ما أكده الدكتور أيمن حسان، الباحث بالمركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فى دراسة حديثة حول كيفية استخدام التنظيمات الإرهابية لمواقع التواصل الاجتماعى بشكل خاص، منبهًا إلى خطورتها الهائلة على مقدرات الأمن القومى للدول واستقرارها، مشيرًا إلى أن المحتوى المعلوماتى لهذه المواقع هو من أكثر المعلومات تداولًا بين الجمهور خاصة الشباب، حيث إن هذه المواقع والصفحات الخاصة، تمكنت من جذب أعداد هائلة من المتصفحين فى مدى زمنى بسيط متجاوزة بذلك قدرات أجهزة الإعلام التقليدية الأخرى بفارق كبير، وهو ما منحها قدرة كبيرة فى بث الأفكار والاعتقادات المتطرفة.
ويقول «حسان»: «إنه بحسب مفهوم الأمن الفكرى الذى ظهر مؤخرًا مع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ فى الاعتبار مسألة تعرض الأفراد للرسائل الإعلامية الجهادية، وما يؤدى إليه من تأثير كبير بشكل سلبى فى فكر وقناعات وقيم ولدت لدى الشباب والمتلقين أفكارًا متطرفة غريبة على مجتمعه وثقافته ودينه، بخلاف ما كان يعرف بالغزو الثقافى فى الماضى، الذى كان يتم من خلال الفضائيات ووسائل الإعلام التقليدية، وهنا تجدر الإشارة إلى قناة الجزيرة القطرية ودورها فى نشر أخبار وأفكار تنظيم القاعدة فى أفغانستان، وكذلك الجماعات الإرهابية حول العالم، والشواهد كثيرة، وبالتالى حاز «الإنترنت» على اهتمام بالغ كمسألة تهدد الأمن الفكري، لأفراد المجتمعات بحسب الاستعداد الفكرى والنفسى وضعف الثقافة الدينية والحصانة الثقافية والفكرية ونقص الوعي، خاصة لدى المراهقين، وهم أغلب المستخدمين لتلك المواقع.
كما تشير العديد من الدراسات والبحوث الميدانية، إلى كون عمليات نشر معلومات وحقائق بشكل متواصل ومتكرر عبر «الإنترنت» وغيره من وسائل الإعلام، يؤدى إلى جعلها مسلما بها لدى الأفراد، وإن كانت غير حقيقية، فيعد مجالًا خصبًا لتداول الشائعات، والأخبار الكاذبة، بشكل مقصود ومدروس لتحقيق نتيجة معينة ونشر معلومات خاطئة بهدف تجنيد المتصفحين وإقناعهم بالفكر المتطرف وجذبهم للانضمام للجماعات الإرهابية، وتنفيذ الأعمال العدائية ضد البلاد والمجتمعات المتواجدين بها، وتحقيق ما يعرف باستراتيجية «الذئاب المنفردة».
ويحرص مديرو المواقع التى تبث رسائل جهادية وتكفيرية على استخدام مصطلحات وتعبيرات بعينها، لتغذية النعرات الطائفية والفكر المتطرف على شاكلة الجهاد ضد الصليبيين، ومقاومة الاستعمار، وتأسيس الخلافة، والشهادة مقابل الجنة وحور العين فى الآخرة وغيرها، يضاف إلى ذلك الفوضى الكبيرة فى إصدار فتاوى تعزز من الترويج للأفكار المتطرفة دينيًا، والتى تلقى قبولًا لدى الكثير من غير المثقفين دينيًا، مؤديًا بهم إلى طريق الانضمام إلى التنظيمات والجماعات المتطرفة ذات النهج البعيد تمامًا عن مناهج الأديان الحقيقية والسمحة، ويترتب على ذلك سلوكيات عدوانية وعمليات إرهابية ترتكب بدعوى الدين باستغلال سذاجة المتصفحين لتلك المواقع.

المؤامرة الكبرى
ورصد «حسان» فى دراسته، أن المحتوى الإلكترونى عبر الدردشة الخاصة، وكذلك عن طريق المنتديات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يسهل تبادل المعلومات الماسة بالأمن القومي، وتجنيد الشباب للعمل ضمن الخلايا الإرهابية، وهو ما يشكل تهديدا كبيرا، خاصة بالنسبة للعاملين فى الهيئات الحيوية للدولة لمحاولة استدراجهم، أو تجنيدهم سواء بالفكر المتطرف والدخول إليهم عن طريق الدين والجهاد، كما يهتم «داعش» بدراسة جوانب شخصيات المشتركين على مواقع «السوشيال ميديا»، من خلال ما يقومون بنشره على صفحاتهم الشخصية لتحديدهم وسيلة استدراجهم للوقوع فى براثن الإرهابيين وإقناعهم بالقيام بأعمال إرهابية، ولم تغفل الدراسة الإشارة إلى أن العديد من الدول المتقدمة قامت بشن حملات إلكترونية واسعة النطاق، تقوم من خلالها بنشر معلومات وأخبار تستهدف إثارة الفتنة، وزعزعة الاستقرار فى دول أخرى، خاصة العربية، فتعمل على حشد الأفراد، وتنظيمهم فى منظمات، وحركات تأخذ فى الغالب مسميات ديمقراطية، تستهدف إثارة الفتنة، وإذكاء النعرات الطائفية، والانقسامات داخل المجتمع الواحد، لتقوده لحرب أهلية تتمكن من خلالها من تدميره ذاتيًا، دون أن تخسر جنديًا أو دولارًا واحدًا.

أول من استخدم الإنترنت لنشر العنف
من المعلوم أن الجماعات المتطرفة هى من أوائل الذين اقتحموا الفضاء الإلكتروني، حتى قبل انتشار شبكة «الإنترنت» عالميًا بسنوات، فقد تعاقب ظهور مواقع تابعة لجماعات متطرفة من الولايات المتحدة وأوروبا، وبشكل خاص بريطانيا وأستراليا ثم بقية دول العالم، وفى كل هذه المراحل كان «الإنترنت» فى عمق دائرة ترويج ثقافة التطرف والعنف، معبرا عن أفكار المهمشين والمتطرفين الصاخبين من كل ملة وجنس.
وفى العالم الإسلامى أسهمت شبكة الإنترنت بشكل واضح فى بسط نفوذ التطرف الفكرى لمختلف التيارات من خلال المواقع والمنتديات التى تديرها الجماعات والرموز المتطرفة التى تقدم منتجاتها الفكرية وفق خطاب جاذب، مستغلين فى ذلك الواقع الصعب لبعض مجتمعات العالمين العربى والإسلامي، ومع أن التطرف لا دين له ولا جنس، إلا أن ما أصاب المسلمين من شرور التطرف فى العقود الماضية، خاصة حين قاد إلى العنف يتجاوز ما حصل لبقية شعوب الأرض، ففى المجتمع العربى كانت تأثيرات تلك المواقع قد بدأت تتشكّل حين وفّر «الإنترنت» فضاء حرّا لنشر كل ممنوع، منذ بداياته الأولى ليصبح مع مطلع الألفية الثانية الوسيلة الأبرز فى الترويج للتطرف والعنف والكراهية، ما جعل من المتطرفين سادة المشهد الإلكترونى، خاصة بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر.

«داعش» فى قلب أوروبا وأمريكا
رصد «حسان» فى دراسته، أن عدد المواقع المتطرفة يتراوح بين ٢٤٠ و٣٠٠ موقع، تزيد وتنقص تبعا للأحداث، ومتابعة بعض الرموز، ومعظم المواقع فى المرحلة الحالية تأخذ من قضية فلسطين والعراق وسوريا عناوين للانطلاق فى نشر المواد المتطرفة دون استثناء، مشيرًا إلى أنه على الرغم من ضغط الدول الغربية على دول الشرق الأوسط والمجتمعات الإسلامية، بدعوى تشديد الرقابة على المواقع المتطرفة، إلا أن معظم هذه المواقع تنطلق بدعم واستضافة شركات غربية وأمريكية.
وفى الماضى القريب أصبح ما يعرف بـ«الإرهاب الإلكتروني» واقعُا ملموسًا فرضته الأحداث اليومية، بفضل اهتمام المتطرفين بتوظيف الفضاء الإلكتروني، وتقنيات الاتصال الحديثة وإمكانياتها غير المحدودة، لخدمة أغراضهم، لتشارك الظاهرة الإرهابية التقليدية، ومحفزاتهما للمضى قدمًا نحو تحقيق نفس الدوافع وذات الأهداف، وهى نفس الأسباب التى تساهم حاليًا فى انتشار فكرة «الخلافة الإلكترونية»، فمن المعروف أن جماعات العنف والتطرف لا تترك أية وسيلة لتبرير وتسويغ عملياتها الإرهابية والترويج للفكر الذى تتبناه، عبر أساليب تناول مختلفة، أهمها التوظيف العاطفى الذى يعتبر أقوى من الحجج العقلية عبر رسائل جذب واستقطاب أنصار جدد، إضافة إلى تعزيز مواقف المؤيدين والأتباع، ومن الزاوية الإعلامية المجردة تحظى العمليات الإرهابيّة، منذ سنوات ما قبل الإنترنت وثورة الاتصال، بتغطيات إعلاميّة مكثفة، تجد فيها وسائل الإعلام مادة صحفية مثيرة، فتتناولها بشكل مركز وفق منطق الحدث الإرهابي، ولعل هذا ما دعا بعض الخبراء إلى التحذير من أن وسائل الإعلام قد تنحرف تحت ضغط المنافسة عن دورها فى البناء الاجتماعي، إلى الترويج للإرهابيين الذين يستغلون بمهارة مسألة حرص الإعلاميين على السبق الصحفي، لتمرير أيديولوجية معينة بهدف كسب تعاطف الرأى العام مع قضاياهم.
واعتبرت الدراسة أن مواقع التواصل الاجتماعى بالنسبة للإرهابيين والمتطرفين، هى وسيلة جاذبة وجماهيرية، تمنح قدرا كبيرًا من السرية والخصوصية لمستخدمها ناشرًا أو متصفحًا، حيث مقدرتها على تحقيق التواصل مع الآخرين بكل اللغات والثقافات فى وقت تشهد فيه إقبالًا كبيرًا من الشباب، بجانب انتشار صفحات شخصية ورسمية لرموز الفكر التكفيرى وتواصلها بخطاب تحريضى جذاب مع زوارها ومعتنقى هذه الأفكار، ولم تعرف رموز الفكر التكفيرى بشكل جماهيرى إلا عن طريق صفحاتهم الشخصية التى روجت لأفكارهم واستقطبت الأتباع، بطريقة فاقت المنتديات الحوارية المتطرفة والقوائم البريدية التى كانت حتى وقت قريب وقودًا للصراع الفكرى المتطرف مع خصومه، وهى التى كان يتجاوز عدد زوارها ما يقرب من ربع مليون زائر فى إجازات نهاية الأسبوع، وتعد هذه الأرقام ضئيلة مقابل ما توفره مواقع التواصل الاجتماعى من خلق حلقات وصل بين أقطاب الأفكار المضللة والأتباع الذين ينشرون هذا الفكر فى دوائرهم الخاصة، وهو ما يعزز من تأثيرها.