الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

التأسيس الثالث لـ"الإخوان" في ذمة الله

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب- سارة رشاد ورحمة محمود ووليد منصور ومحمد رجب سلامة 

القيادات التاريخية نجحت فى عرقلة المشروع وشباب الجماعة توجهوا إلى ليبيا وسوريا والعراق
باحثون: الجماعة تفسخت إلى جماعات.. ولا سبيل لأى كيان إخوانى موحد.. و«حسم» الأثر الأبرز لـ«محمد كمال» زعيم جبهة الشباب

حين خرج شباب جماعة الإخوان الإرهابية قبل عام متحدثين بثقة عما أسموه «تأسيس ثالث» للجماعة، كان فى المقابل مراقبون يقرون بأن هذا الحديث «ضجيج بلا طحين». 
برروا وقتها موقفهم بأن ما يطرحه الشباب يفتقد لآليات التنفيذ، وبالطبع حدث ما كانوا يقرونه، إذ أعلنت وزارة الداخلية بداية أكتوبر 2016 عن مقتل محمد كمال، المسئول عن صف الشباب آنذاك، والمعنى بمشروع «التأسيس الثالث» فى اشتباكات دامت لنصف ساعة بمنطقة البساتين، حيث جمعت الأجهزة الأمنية معلومات تفيد باختباء بعض قيادات الجماعة الإرهابية بشقة هناك.
عقب مقتل «كمال» بدأت جبهة الشباب التى تبنت أفكاره تسمى نفسها بـ«الكماليون»، فى إشارة إلى بقائها على دربه (العمل المسلح القائم على التنظير الفكري)، إلا أن ما حدث أن هؤلاء المؤمنين بفكر «كمال» ظلوا على قناعتهم، لكنهم فقدوا الدليل ليكفوا منذ قرابة ستة أشهر عن الحديث عن أى خطوات جديدة عن «التأسيس»، ليبقى «التأسيس بلا تأسيس».
أكتوبر الجارى يمر العام الأول على مقتل مجدد تيار العنف، محمد كمال، داخل الجماعة، ليصبح السؤال ماذا تبقى من أثره وماذا عن تأسيسه المزعوم؟. 
الحديث عن أثر لمحمد كمال، زعيم جبهة الشباب، أمر يؤكد حالة التخبط التى يمر بها شباب الجماعة، إذ مرت ذكرى مقتله دون إشارة إلا من عدد محدود من مؤيديه على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما رسم كرتونى قصير يتحدث عنه، فيما عدا ذلك تغيب «كمال» عن الإخوان بمن فيهم الشباب التابعون له، ليؤكدوا بذلك زوال أثره حتى على اللجان النوعية التى أسسها قبل وفاته، وما زالت تعمل مثل «لواء الثورة، وحسم»، إذ لم تشر حركة «حسم» (الأنشط بينهما) عبر نوافذها الإعلامية لـ«كمال» أو لذكرى مقتله.

خريطة إرهابية
وعلى ذلك تبقى حركة «حسم» هى الأثر الأبرز لـ«كمال»، إذ وضع قبل وفاته خريطة لعملها وآليات الحصول على السلاح، ومنهجها فى تنفيذ العمليات الإرهابية، بحسب اعتراف القيادى الإخواني، مجدى شلش، الصديق المقرب من «كمال»، إذ قال خلال ظهور له فى إحدى القنوات الإخوانية أكتوبر ٢٠١٦: «إن فكر الجماعة بدأ يتحول منذ فض اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر، حيث بدأ الاتجاه لتشكيل مجموعات جديدة تقودها بعيدًا عن العمل الإصلاحى، ليتحول إلى المسلح الذى أسماه بـ«العمل الثوري» داخل الدولة»، وكان ذلك بتحركات «كمال» عندما سعى لتجميع شباب وقيادات «الإرهابية»، ممن رفضوا النظام المصرى، ليقودوا تحركات جديدة ضده. إلا أن هذه التحركات التى رسم لها «كمال» انتهت إلى لا شيء بما فيها الحركات الشبابية الإخوانية التى ظهرت عقب فض رابعة وتبنت العنف، وهي: «مولوتوف عفاريت»، و«العقاب الثوري»، و«وَلَّع»، و«مشاغبون»، و«بلاك فاير»، إذ اختفت هذه الجماعات لضبط بعض عناصرها، أو اندماج الباقى لحركتى «لواء الثورة»، و«حسم». 
فشل مستمر
لكن لماذا؟ بصيغة أكثر إيضاحًا، لماذا فشل «تأسيس» الإخوان المزعوم؟ عن ذلك يجيب طارق أبو السعد، الإخوانى المنشق، الذى قال إن هذا «التأسيس» لم يكن إلا فى عقل «كمال» ومن بعده استغلته القيادات التاريخية للإخوان لإعاقة إتمامه. ولفت إلى أن الإخوان تنظيم لم يعد يصلح له أى تأسيس جديد، مشيرًا إلى أن الحلم بإعادة الجماعة إلى مسارها كما حدث فى لحظات تاريخية سابقة لم يعد يجدى فى ظل الانقسامات الشديدة التى طالت صفوف الجماعة، وإصرار القيادات التاريخية على الحيلولة دون إتمام أى تعديلات.
وشدد على أن القيادات التاريخية كانت العائق أمام «مشروع التأسيس الثالث» أكثر من الأجهزة الأمنية للدولة التى تقوم منذ ٢٠١٣ على تقليم أظافر الإخوان، وأكد أن الإخوان باتوا أكثر من جماعة، بحيث يمثل كل فصيل داخلها كيانًا، ومنه تتفسخ كيانات جديدة، مشيرًا إلى أن ذلك يقضى تمامًا على أى مشروع معنى بإعادة تأسيس الجماعة.
مسارات جديدة
وإذ كانت فرص إتمام هذا التأسيس معدومة، فماذا عن هؤلاء الشباب الذين آمنوا بالفكرة؟ 
الاقتراب نسبيًا من المشهد الداخلى لجماعة الإخوان يكشف عن مسارات جديدة اتجه فيها شباب الجماعة تحديدًا منذ مقتل «كمال» الذى تعاملت معه شريحة كبيرة من الشباب كأب روحى لهم، بعدما فقدوا الثقة فى قياداتهم التقليدية.
وتقول القراءات المتناولة لاتجاهات الشباب: «إن صغار السن فى الجماعة الإرهابية انضم منهم عدد كبير عقب وفاة «كمال» إلى التنظيمات الإرهابية فى ليبيا وسوريا والعراق». ويفسر ذلك حالة تخبط وجدوها داخل المشروع الذى كان يعمل عليه القتيل الإخواني، ويقدر عدد الشباب الإخوانى الذى انضم لـ«داعش» وتنظيم «القاعدة» فى ليبيا بحوالى ١٠٠ شاب، منهم «أبو طه»، وهو أحد أكبر المسئولين عن هذه معسكرات التدريبية فى «داعش»، الذى درس فى الأزهر، وأنهى دراسته فى عام ٢٠٠٩،، فيما أكد محمد صابر سليمان، القيادى بلجنة الشباب المركزية داخل الجماعة، فى تصريح سابق له هذا الطرح، حيث قال: «إن عددًا كبيرًا من شباب الجماعة ذهب بالفعل، وانضم تحت لواء تنظيمات إرهابية فى سوريا وليبيا، منهم من ذهب لـ«جبهة النصرة» وآخرون لتنظيم «داعش» فى سوريا وليبيا التى استقبلت أعدادًا كبيرة بحكم قربها من مصر».

مراجعات فكرية
مسارات أخرى استقبلت شباب الجماعة، منها الداعون إلى الفصل بين الدعوى والسياسى وإعادة قراءة ثوابت الجماعة، وينضم لها من عرفوا بـ«الداعين لمراجعات فكرية». وبغض النظر عن حقيقة هذه المراجعات إلا أن المتبنين لها يوجهون انتقادات للجماعة ولسعيها إلى دولة دينية، منهم الشاب عمرو عبد الحافظ الذى يرى أن البحث عن الحكم وإقامة دولة إسلامية أمر مختلق لم ينص عليه الإسلام.
السمع والطاعة.. إلكترونيًا
مسار آخر يعرف بـ«شباب محمود عزت» القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، وهو التيار الذى يجلس إما فى الخارج وإما فى مصر خلف شاشات الكمبيوتر للعب دور اللجان الإلكترونية الإخوانية، وينتمى هؤلاء للفكر التقليدى للجماعة، متمسكين بمبدأ السمع والطاعة. وتعرف هذه الجبهة بتبنيها لأفكار سيد قطب، ويرفضون الاعتراف بالنظام القائم، ويصرون على ما يسمى «عودة الشرعية ومحمد مرسى للحكم مرة أخري»، وهؤلاء الشباب منهم من يقيم فى مصر، ولكن يظهرون للعلن، ينفذون تعليمات المرشد فى الخفاء، حيث يتركز نشاط معظمهم على جذب أفراد جدد للجماعة.
السيطرة على الجماعة 
قبل عام كان الحديث عمن يتمكن من السيطرة على إدارة الجماعة فى ضوء سباق شديد بين قيادات الجماعة والشباب، غير محسوم، إذ كان كلاهما يسعى إلى إحكام قبضته، ووصل الأمر حتى تتبعهما لبعضهم فى الخارج، هذا الوضع لم يستمر كثيرًا، إذ انتهى تقريبًا بوفاة محمد كمال، حيث هدأت جبهة الشباب من وتيرة انتقاداتها للقيادات، ولا يعنى هدوء الأوضاع تمكن أحدهما من إحكام سيطرته على الجماعة، لكن الواقع يقول إن كليهما اكتفى بمنطقة نفوذه، متجاهلًا الطرف الآخر على الأقل فى الإعلام.
٣ جبهات
أحمد بان، الباحث فى الحركات الإسلامية، بدوره قال: «إن الحديث على من المسيطر على جماعة الإخوان الآن أصبح أمرًا صعبًا فى ظل الانشقاقات التى تواجه الجماعة منذ عزلهم عن الحكم»، مشيرًا إلى أن الجماعة بمرور الزمن تزداد تفككًا وانقسامًا بين قياداتها وشبابها.
وأوضح «بان» أن الجماعة انقسمت إلى ٣ جبهات حتى الآن، وهى جبهة محمود عزت التى تتكون من القيادات التاريخية للجماعة، والتى يؤيدها كبار القيادات داخل الجماعة بما فيها المرشد، والجبهة الثانية التى كانت تتبنى العنف، وهى جبهة محمد كمال التى انبثقت عنها حركة حسم وغيرها من الحركات الإرهابية.
وأضاف «الخبير فى الحركات الإسلامية»، أن الجبهة الثالثة للجماعة تضم العديد من الشباب الذين يحاولون الرجوع عن أفكار الجماعة وإنشاء كيان جديد يكون هدفه مراجعة أخطاء الجماعة ومناهجها، مضيفًا أن هذه الجبهة تتكون من العديد من الشباب داخل السجون، ومنها مجموعة فى سجن الفيوم.
وأشار «بان» إلى أن جماعة الإخوان قد تجاوزها الزمن، ولم يصبح لها دور فى المشهد السياسى المصرى بكل الأخطاء التى ارتكبتها فى حق الشعب المصرى منذ عزل محمد مرسي.

«مصطلح التأسيس»
عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان فى مصر، فقدت قيادات الجماعة سيطرتها على التنظيم، فأولت الإدارة لصف الشباب بقيادة محمد كمال، الذى توصل إلى مجموعة استنتاجات حمّلت سياسات القيادات التاريخية مسئولية فشل الجماعة فى الحكم، وطرح بدوره رؤية جديدة أزعجت القيادات، لكنها لقت استجابة واسعة فى صفوف الشباب، فانقسمت الجماعة إلى صفين منذ مايو ٢٠١٥، (صف قيادات تاريخية وصف قيادات شبابية) تطالب بحقها فى الإدارة، بدعوى أن القيادات التاريخية أخذت فرصتها وفشلت.
وظهر مصطلح «التأسيس الثالث» لأول مرة فى أحد المقالات المنشورة على مواقع إخوانية، مثل شبكة «رصد»، التى نشرت مقالًا معنونًا بـ«الإخوان.. ثغرات التأسيس الأول والثاني وأولويات التأسيس الثالث»، ودعم هذا المقترح بيانًا لقطاع شمال الصعيد، أثار فيه نفس النقطة، قائلًا: «فلنبادر بتجديد دماء الجماعة بقيادات واعية مجاهدة تتقدم الصفوف، ونأخذ مكاننا فى الصف جنودا مجاهدين متجردين لدعوتنا، وليبادر شباب الإخوان لتدشين التأسيس الثالث للجماعة عبر انتخاب مؤسسات بلائحة تعيد للجماعة فُتُوِتها».
هدف التأسيس 
مثل الهدف من «التأسيس» المزعوم البحث عن دور للشباب فى ظل انعدام دورهم على مدار عقود، واختصارهم فى مجرد تابعين لقيادات الجماعة. وزعم الساعون لـ«التأسيس الثالث» أن هدفهم هو إصلاح مسار الإخوان، لكن المراقبون قالوا إنهم يؤسسون لكيان إخوانى جديد يستقر إلى جوار التنظيم الدولى للجماعة الذى تم حظره فى مصر بمقتضى حكم قضائي.
التأسيس الثالث
القائمون على هذا التأسيس رأوا أن الجماعة مر عليها تأسيسان آخران، أولهما مع مؤسس الجماعة حسن البنا الذى مهد للجماعة وأقامها، ثم أقام لها ذراعًا عسكرية فى الثلاثينيات كان «النظام الخاص»، ويُؤرخ للتأسيس الأول مع سعى حسن البنا، مؤسس الجماعة، لزرع كيان له فى المجتمع المصري، ووضع «البنا» ثلاث خطوات لزوم هذا الزرع، هي: التعريف، التكوين، التنفيذ.
بعد عشرين عامًا من عمر الجماعة، جاء حسن الهضيبي، خليفة لـ«البنا»، الذى زعم إنهاء النظام الخاص للجماعة لإرضاء النظام، فقام ببعض الممارسات السياسية، ما دفع إلى خلق حالة من التوتر بينه وبين قيادات هذا النظام، ويتفق الإخوان على أن التأسيس الثاني كان أضعف من الأول، ولم يعالج مشاكله وكان هشًا، ويؤرخ له فى مرحلة السبعينيات. 
ويعنى إعادة تشكيل تنظيم جديد للإخوان ليحل مكان كيان آخر انتهى، وقطع الطريق أمام القيادات الحالية.

فكر التأسيس الثالث والعنف المسلح
يقول المحللون إن «التأسيس الثالث» هو إعادة «النظام الخاص» للجماعة إلى السطح بعدما زعم «الهضيبي» حله، ويؤكد هذه التأسيس أن العنف جزء من فكر الإخوان، ويلجأون إليه لحظات الأزمات، وينفى هذا التأسيس النغمة التى تبناها الإخوان على مدار عقود اعتادوا التأكيد فيها على أنهم تنظيم سلمى معتدل.
مستقبل الـتأسيس
يتجه هذا التأسيس المزعوم بوفاة محمد كمال إلى الزوال، إذ لم يعد له عقل مفكر يخطط لكيفية العمل المسلح، وسيلجأ شباب الإخوان إلى العمل المسلح العشوائى أو العمل داخل تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» أو هؤلاء الذين سيكفرون بالإخوان، ويتحول غضبهم عليها إلى ترك العمل السياسى تمامًا، لكنهم فى أى لحظة قد يتحولون إلى جهاديين. 
أفكار قطبية
مجموعة الأفكار القطبية استنادًا لمنظر الفكر الجهادى سيد قطب، بالإضافة إلى مجموعة من الأفكار الثورية انبثقت من اعتصامات ميدانى رابعة العدوية والنهضة، ودون ذلك هو استكمال للتنظيم القديم، ويدعم ذلك حديث «شلش» لإحدى القنوات الإخوانية، إذ أقر قبل عام بأن أغلب أعضاء الإخوان فى المحافظات رفضوا «السلمية»، أو التعايش دون سلاح، واستشهد على ذلك بخطة لا تستخدم السلاح أعدتها اللجنة الإدارية العليا فى الإخوان (كان يرأسها محمد كمال) وعرضتها على أعضاء الجماعة فى المحافظات، لكنها رفضت من قبل الأعضاء وطالبوا بإدراج السلاح، تحت مسمى «الحراك الثوري».
الاتجاه إلى العنق وصل حتى إلى سيدات الجماعة، إذ قال «شلش»: «إن الإخوان، على حد قوله، راسلوهم وأخبروهم بأن قيادات الجماعة إذا ما تراجعوا عن فكرة الإرباك والإنهاك للدولة لن تكون لهم طاعة عند نسائهم، ما يشير إلى بداية شق مبدأ «السمع والطاعة» المتعارف عليه داخل الإخوان».
القيادة التاريخية 
فى البداية تعاملت القيادات التاريخية مع طرح «التأسيس الثالث» برفض علني، مستخدمين فى ذلك المنابر الإعلامية للجماعة التى بقت تحت أيديهم، استمر هذا التصعيد حتى مقتل محمد كمال، حيث فقد صف الشباب بوصلتهم، واكتفى القيادات الآن بتجاهل «التأسيس» المزعوم من الأساس.
وأخيرًا لم يعد لـ«الإخوان» قدرة على تأسيس منهج ثالث، فليس هناك قيادات تستطيع لم شمل الجماعة حولها مثل البنا أو عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان.