السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

6 أكتوبر.. بوابة العبور إلى المستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحل اليوم الجمعة الذكرى الرابعة والأربعون لنصر أكتوبر العظيم، ذلك النصر الذى أعاد لمصر كرامتها ومكانتها بين الأمم، والذى كان بمثابة ملحمة بطولية سطرها تاريخ العسكرية المصرية بحروفٍ من نور، ويعكس مدى قدرة القوات المسلحة المصرية على التخطيط الاستراتيجى على مدى ست سنوات كاملة للوصول إلى هذا النصر. فقد سبق هذا النصر حرب الاستنزاف، والتى أعطت لجنودنا فرصة التدريب الحى بالاشتباك المباشر مع مجموعات صغيرة مع العدو وفى عمق أرضنا التى احتلها شرق القناة. وكانت حرب الاستنزاف بمثابة إعداد نفسى ومعنوى وقتالى للملحمة الكبرى فى حرب أكتوبر المجيدة. وتزخر هذه الحرب ببطولات عدة لم يتم توثيقها للأجيال الحالية والقادمة، ولم يتم تقديمها فى أفلام تليق بها. إن السينما الأمريكية خلدت حرب فيتنام بعشرات الأفلام السينمائية رغم هزيمتها النكراء فيها، فى حين أننا لم نخلد حرب الاستنزاف التى استمرت لسنوات رغم أننا انتصرنا فيها نصرًا مبينًا على العدو والأساطير التى روجها عن نفسه.
لقد مثلت حرب أكتوبر عبورًا من اليأس إلى الأمل فى الغد لأجيالٍ كاملة كانت تعانى مذلة الانكسار وهوان النفس، ولكن هذا العبور لم يكن ليتحقق سوى بالتخطيط والإيمان بنصر الله، وأن الحق لا بد أن ينتصر، وأن الباطل لا بد أن يزول، كما وعد الله عباده المتقين. إن اختيار شهر رمضان لكى نبدأ فيه هذه المعركة الكبرى يتقاطع بشكلٍ مباشر مع أولى غزوات رسول الإسلام -صلوات الله وسلامه عليه- فى غزوة بدرٍ الكبرى، وكان صياح المقاتلين من جنود مصر الأشداء «الله أكبر» تزلزل ليس فقط الأرض من تحت أقدام عدوهم، ولكنه كان يزلزل الكون بأكمله بعزيمة الرجال وقوة الإيمان واليقين فى نصر الله.
لقد كانت إسرائيل تُفَاخر بأنها انتصرت فى حرب ١٩٦٧ فى ستة أيام، فانتصرت مصر فى ١٩٧٣، وعبرت قناة السويس وحطمت خط بارليف فى ست ساعات، وهذا يُعد معجزة فى التاريخ العسكري، وبخاصة فى ظل وجود مانع مائى وخط حصين مرتفع ومزود بمواسير «النابالم» التى يمكن أن تحول صفحة القناة إلى نيران مستعرة، وتحول كل من يريد أن يعبرها من الجنود المصريين إلى مادة للشواء. ولكن روعة التخطيط الاستراتيجى المصرى هى التى استطاعت أن تتغلب على كل هذه التحديات وتقهرها بالتدريب والدأب والأفكار المبدعة للرجال فى استخدام خراطيم المياه فى فتح الممرات فى الساتر الترابي، وسد مواسير «النابالم» وتعطيلها عن العمل.
لقد كسرت حرب أكتوبر الجمود وحالة اللاسلم واللاحرب التى فرضها الإسرائيليون على ساحة المعركة، واستطعنا بهذه الحرب أن ننتصر لنعيد جزءًا عزيزًا من أرضنا السليبة. ولم يكن أكتوبر المعركة الوحيدة التى خضناها مع إسرائيل، بل خضنا ضدهم معركة السلام، التى كانت أشد صعوبة ومرارة من معركة الحرب؛ فالمفاوض الإسرائيلى مفاوضٌ عنيد لا يريد أن يمنح شيئًا لمن يفاوضه، ولنا فى المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التى استمرت عقودًا دون نتيجة عبرة وعظة، ولكن النصر الذى حققناه وبراعة المفاوض المصرى جعلتنا نسترد سيناء الغالية، ونعيدها إلى الوطن الأم كاملةً غير منقوصة.
إن السادس من أكتوبر لم ولن تكون حربًا من الماضى لمرور ٤٤ سنة على خوضها، ولكن السادس من أكتوبر سوف تظل فى ضمير كل مصرى نموذجًا للتضحية والفداء والتخطيط والتدريب والتجهيز. والأهم من ذلك كله –فى رأينا– أن السادس من أكتوبر هو بوابة مصر للعبور إلى المستقبل؛ فاستلهام روح أكتوبر لا شك أنها تمدنا بطاقة معنوية هائلة فى حربنا الضروس التى نخوضها حاليًا ضد الإرهاب سواء فى مصر أو خارجها فى منطقتنا العربية التى يحيط بها الإرهاب ويتخللها فى كل مكان.
واهمٌ من يظن أن للإرهاب والإرهابيين مستقبلاً فى سيناء، فسيناء مقبرة الغزاة على مر التاريخ بدايةً من الهكسوس مرورًا بالرومان والمغول والتتار والفرنسيين والإنجليز وانتهاءً بالإسرائيليين، كل هؤلاء مروا من هنا يلحقهم العار.. عار الهزيمة وصمود الرجال والأرض التى تلفظ كل من هو غير مصري. إن حربنا ضد الإرهاب فى سيناء أولوية قصوى حققنا فيها الكثير ولا نزال نقوم بتطهير هذه البقعة الغالية من مصرنا الحبيبة من ذيول الإرهابيين وأذنابهم ممن لا يريدون الخير لمصر. ستظل سيناء رمزًا للصمود والنصر ودحر كل معتدٍ أثيم على كل ذرة من ترابها المقدس الذى مر عليه الأنبياء والرُسل وجنود مصر الشجعان على مر الزمان من جنود أحمس الذى طرد الهكسوس إلى جنود مصرنا الحديثة الذين طردوا منها الإسرائيليين.
لقد أراد الإخوان أن يبيعوا جزءًا كبيرًا من سيناء الغالية إلى إسرائيل على أن تدفع الفاتورة الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تُقام دولة فلسطين فى قطاع غزة وجزءٍ من سيناء، وتستولى إسرائيل على الضفة الغربية. ووافق الإخوان على الصفقة وكانت قيد التنفيذ، لولا ثورة الشعب والجيش فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، والتى عطلت هذا المشروع. لقد وافق الإخوان على هذه الصفقة «القذرة»؛ لأنهم لا يعلمون معنى كلمة «وطن»، لأنها غير واردة فى قاموسهم ومفرداتهم اللغوية، ولكن أعتقد أنهم خَبَروا معنى هذه الكلمة الآن بعد أن فرت قياداتهم كالفئران المذعورة إلى قطر وتركيا والسودان.
ويكمل الرئيس عبدالفتاح السيسى العبور من بوابة المستقبل برعاية المصالحة الفلسطينية، لتمارس حكومة المصالحة الفلسطينية أعمالها من غزة، ويوجه كلمة للفلسطينيين وقياداتهم بالتلاحم من أجل إقامة دولتهم المستقلة على الأرض الفلسطينية، وهو الحلم الذى ظل يراود المصريين والعرب طوال خمسة عقود من الزمان. واليوم نجد صور الرئيس السيسى وشعار «تحيا مصر» فى كل شوارع وميادين غزة، وهو ما يدل دلالة قاطعة على أن مصر تبذل جهدًا حقيقيًا من أجل أشقائها الفلسطينيين، وأن المواطن الفلسطينى واعٍ تمامًا بكل ما تبذله الدولة المصرية من أجل إقامة دولته على ترابه الوطني. لقد كانت القضية الفلسطينية دومًا وأبدًا فى ضمير مصر والمصريين، ولعل كل الحروب التى خضناها كانت من أجل فلسطين. 
ومن حسن الطالع، أن تحدث المصالحة الفلسطينية برعاية مصر فى شهر أكتوبر، ليفتح لنا أكتوبر بوابة المستقبل ليس فقط لقضايانا المصرية بل للقضية الفلسطينية أيضًا.. عاشت مصر وعاش رجالها المخلصون.. والمجد لشهدائنا الأبرار.. والفخر لأبطالنا الأحرار.