الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"البابا وناصر".. أول لقاء غاضب.. وأكتوبر 1959 موعد توطيد الصداقة بين البطريرك والرئيس.. "كيرلس" السادس عن التنحي: "الشعب بيأمرك إنك ما تتنازلش"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اتسمت العلاقة بين بابا الكنيسة الأرثوذكسية والرئيس جمال عبدالناصر بالمودة والتقدير، ووصلت لصداقة قوية بين الطرفين، وبحسب شهود العصر، فإن البابا كيرلس كان دائم الزيارة للرئيس للإطمئان عليه وتبادل الحديث معه، وزيارته في مرضه، وحتى عندما أعلن الرئيس خطاب للتنحي عن الحكم ذهب البابا لمنزل ناصر بمنشية البكري يطالبه للعدول عن القرار.

يروي "محمد فوزي" في كتابه "البابا كيرلس السادس وعبدالناصر" أن "البابا كيرلس غضب كثيرًا لأنه حاول مقابلة الرئيس الراحل أكثر من 10 مرات، ولكنه فشل في ذلك، وبواسطة أحد نواب الشعب تم تحديد لقاء، واصطحب هذا النائب البابا كيرلس للقصر الجمهوري، ولكن يبدو أن الرئيس الراحل كان أمرًا ما يزعجه ذلك اليوم واستقبل البابا بفتور شديد، ودار ذلك الحوار بينهما:


الرئيس: إيه فيه إيه، هما الأقباط عاوزين إيه، مالهم الأقباط ماهمه كويسين خالص ناقصهم إيه، مطالب ومطالب ومطالب.

البابا مبتسمًا: مش تسألني الأول وتقولي في إيه؟

الرئيس: هو فيه وقت علشان أقولك وتقوللي ؟

هنا بدأ الغضب واضحًا على البابا كيرلس وقال للرئيس: ده بدل ما تستقبلني وتحييني بفنجان قهوة وتسمعني وبعدين في الآخر تقول أعمل أو ما أعملش.

ونتهت المقابلة عن هذا الحد وخرج البابا حزينًا في أول مقابلة له مع عبدالناصر.

بعدها أرسل الرئيس بنفسه في استدعاء البابا وطيب خاطره ليبدأوا معًا صفحة جديدة.

ويكشف الكاتب أن عبدالناصر كان يغضب من البابا لأنه لا يحضر المناسبات الدينية ويكتفي فقط بإرسال سكرتيره، وكان يتساءل ناصر"هل هي دولة داخل دولة!" وعندما تدخل المحامي زكي شنودة، وطلب من البابا بالذهاب للقصر في المناسات التي يتم دعوته فيها من قبل الرئاسة، رد البابا "وهو ما يجنيش ليه!"

فرد المحامي زكي شنودة: حاول أن تذهب إليه في بيته وهو سيأتي إليك في بيتك. وبالفعل ذهب البابا إلي منزل ناصر بمنشية البكري، وحين رآه الحرس ذهبوا لإخبار الرئيس فقال لهم: قولوا له اتفضل.

واستقبل ناصر البابا في 14 اكتوبر 1959 وتبادل الطرفان الأحاديث الودية وأكد ناصر على أنه سيعمل على تعليم أبنائه حب الوطن ومعنى الأخوة والبعد عن أي صورة من صور الفتنة الطائفية، ومن هنا أصبح البابا يزور ناصر في منزله بشكل متكرر وأصبحت العلاقة محلها التقدير والمودة.

وقال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، فى كتابه "خريف الغضب" عن علاقة عبد الناصر والبابا كيرليس السادس "إنها كانت علاقات ممتازة، وكان معروفًا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبد الناصر فى أى وقت يشاء. وفي لقاء ودي خاص بين عبدالناصر والبابا كيرلس، تم فى بداية سيامته بطريركا عام 1959 قال البابا كيرلس لعبد الناصر: "إنى بعون الله سأعمل على تعليم أبنائى معرفة الله وحب الوطن ومعنى الأخوة الحقة ليشب الوطن وحدة قوية لديها الإيمان بالله والحب للوطن".


التبرع للكاتدرائية

يستطرد محمود فوزى فى كتابه، أن البابا كيرلس السادس زار الرئيس ذات يوم فى منزله، فجاء إليه أولاده وكل منهم معه حصالته ثم وقفوا أمامه وقال له الرئيس "أنا علمت أولادى وفهمتهم إن اللى يتبرع لكنيسة زى اللى يتبرع لجامع، والأولاد لما عرفوا إنك بتبنى كاتدرائية صمموا على المساهمة فيها. وقالوا حنحوش قرشين ولما ييجى البابا كيرلس حنقدمهم له، وأرجو ألا تكسفهم وخذ منهم تبرعاتهم" فأخرج البابا كيرلس منديله ووضعه على حجره ووضع أولاد عبدالناصر تبرعاتهم ثم لفها وشكرهم وباركهم.

وعندما أعلن الرئيس الراحل خطاب التنحي فى 9 يونيو 1967 توجه البابا كيرلس إلى منزله بمنشية البكرى بصحبة ثلاثة مطارنة ونحو خمسة عشر من أباء الكهنة، وعندما وجدوا طوفان البشر محيطا بمنزل الرئيس، صدرت التعليمات من رئاسة الجمهورية أن تقوم سيارة بفتح الطريق أمام سيارة البابا كيرلس.

وعندما دخل المنزل قال أنا عايز أقابل الريس فأخبروا الرئيس برغبة البابا فى مقابلته فتحدث إليه فى التليفون قائلا: "أنا عمرى ما اتأخرت عن مقابلتك فى بيتى فى أى وقت، لكننى عيان والدكاترة من حولي"، فقال له البابا: "طيب عاوز أسمع منك وعد واحد"، فرد عليه الرئيس "قل يا والدي" فقال له البابا "الشعب بيأمرك أنك ما تتنازلش" فرد عليه الرئيس "وأنا عند الشعب وأمرك". وعندما أعلن أنور السادات أن الرئيس قد نزل على إرادة الشعب، توجه البابا صباح يوم 10 يونيو إلى القصر الجمهورى بالقبة وكتب كلمة فى سجل الزيارات أعلن فيها عن فرحته بنزول عبدالناصر على إرادة الشعب والعودة لممارسة مهامه كزعيم للأمة.


بيان باباوي حزين يوم وداع ناصر

وعندما توفى الرئيس جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970 أصدر البابا كيرلس السادس بيانا جاء فيه "إن الحزن الذى يخيم ثقيلا على أمتنا كلها؛ لانتقال الرئيس المحبوب والبطل المظفر جمال عبدالناصر؛ إلى عالم البقاء والخلود؛ أعظم من أن يعبر عنه أو ينطق به. إن النبأ الأليم هز مشاعرنا جميعا ومشاعر الناس فى كل الشرق والغرب بصورة لم يسبق إليها. ونحن لا نستطيع أن نصدق أن هذا الرجل الذى تجسدت فيه آمال المصريين يمكن أن يموت. إن جمال لم يمت ولن يموت؛ إنه صنع فى نحو عشرين سنة من تاريخنا ما لم يصنعه أحد من قبله فى قرون. وسيظل تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية إلى عشرات الأجيال مرتبطا باسم البطل المناضل الشجاع؛ الذى أجبر الأعداء قبل الأصدقاء على أن يحترموه ويهابوه؛ ويشهدوا أنه الزعيم الذى لا يملك أن ينكر عليه عظمته وحكمته".

ثم توجه إلى القصر الجمهورى بالقبة وبصحبته وفد كنسى وتقابلوا مع أنور السادات مقدمين له واجب العزاء، وسجل قداسته كلمة فى سجل التشريفات بقصر القبة قال فيها: "يوم حزين على بلادنا وبلاد الشرق العربى؛ ما أعظم الخسارة التى لحقت بنا جميعا. إن اسم هذا البطل سوف يظل مرتبطا بتاريخ مصر والعرب وأفريقيا ودول عدم الانحياز، بل وبتاريخ الأسرة البشرية كلها".