الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أسرار أديب نوبل بـ"محفوظ في شبرد"

الروائي نجيب محفوظ
الروائي نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صدر عن دار «بتانة للنشر والتوزيع» في 1600 صفحة من القطع الكبير، كتاب «ليالى محفوظ في شبرد» ويرصد فيه إبراهيم عبدالعزيز آراء الروائي العالمي على مدى 122 ليلة هي عدد ليالي صالون محفوظ، ينقسم الكتاب إلى جزأين كبيرين، كل جزء يحتوي على 800 صفحة. 
«محفوظ في شبرد»، رصد تجمع شلة الحرافيش وضيوف نجيب محفوظ من العرب والأجانب، وفي كل جلسة كانت تثار العديد من القضايا التي تخص مصر والعالم العربي والعالم كله، وكذلك علاقة محفوظ بأدباء جيله، والأدباء السابقين له، ورأيه في الأجيال الشابة وكتاباتهم، ومن يعجبه منهم ولماذا.
وفي جلساته كان محفوظ يرفض دائمًا الرد على الأسئلة الخاصة التي تتعلق بشئون حياته، وأسرته، وكان يلتزم الصمت، حينما يتحدث أحد الحضور عن شخص ما غائب، وإذا طلب رأيه في شأن شخصي، لا تخرج إجابته عن كلمة واحدة: يصح، جايز، ولا يتورط أبدًا ولا يخوض في سيرة الناس.
يقول إبراهيم عبد العزيز في مقدمته: «ويمتد حرص محفوظ على حجب الخاص من شؤونه حتى لو كانت مما يشرف صاحبه، فقد دفع نجيب محفوظ نفقات مائتي حاج من ماله الخاص لغير القادرين من محدودي الدخل على أداء تلك الفريضة». 
وحول علاقة محفوظ بالنقد يرصد إبراهيم عبدالعزيز: فالرجل حريص طوال حياته على ألَّا يسيء إلى أحد، حتى لو أساء إليه الآخرون إلَّا إذا تعدّت الإساءة حدود الأدب كما فعل ذات مرة مع الناقد الأدبي صبري حافظ حينما تورط في مهاجمة محفوظ في مجلة الأقلام العراقية، ثم حينما حصل على جائزة نوبل اتصل به تليفونيا ليهنئه فقال له محفوظ: تشتمني ثم تهنئني وأغلق السماعة في وجهه. 
أما فيما يتعلق بواقعة سليمان فياض، وهي الواقعة التي رواها فياض نفسه حينما كتب مقالًا عن رواية: حضرة المحترم. في صحيفة أدبية، وقال عن الرواية رأيًا لا يسر، مفاده أن نجيب محفوظ يسلِّي نفسه أحيانًا لمجرد الكتابة وينفخ روحًا في قصة قصيرة لتكون رواية، ولسوء الحظ حضر رئيس التحرير جلسة محفوظ وأعطاه نسخة من الصحيفة في حضور صاحب المقال، فقرأه محفوظ. 
يقول سليمان فياض: «وفوجئت بنجيب يلتفت إليَّ قائلًا وهو يطوي الصحيفة تحت مرفقه على المنضدة: - دا نقد، إنت قليل الأدب، ابتسمت وقلت - مقبولة منك يا عم نجيب، ولزمت الصمت، وطلب نجيب لي قهوة، ثم دعاني لأجلس مقابله وقال لي: - انس ما قلت، قلت بدهشة: وأنت، فقال محفوظ: نسيت الأمر كله». 
وحول علاقة نجيب محفوظ بالمرأة في أحاديثه أثناء لقاء الحرافيش يرصد إبراهيم عبدالعزيز إعجاب امرأة ألمانية بصاحب نوبل. فجأة انقطع حديث الحرافيش، وتعلقت عيونهم بشقراء ألمانية تتقدم نحو الحرفوش الأعظم في خطوات دائبة من الوله، وتطبع قبلتين على جبينه بينما لا تترك يده بعدما انتزعت لنفسها مكانًا بجواره. 
أما من الشقراء الألمانية هذه التي كانت تقترب من الأربعين عامًا، فإنها تخفي المعلومات عن شخصيتها حتى عن نجيب محفوظ نفسه، المعروف عنها فقط أنها تحضر إلى الإسكندرية كل عام لكي تجلس هكذا بجوار نجيب تستمع إليه بشغف وتنظر إليه بعشق غريب، فجأة ينطلق صوتها بالعربية المكسرة: إن زوجي يعرف حبي لسي نجيب ولا يعارض ذلك، أنا أحب فيه الراجل الحمش، وعشقت كتاباته جميعها عندما قرأتها بالإنجليزية، وتمنيت لو عشت في مصر القديمة التي تحدث عنها نجيب محفوظ في رواياته، أحببته الحضارة المصرية والتاريخ المصري من خلال روايات الحرفوش الأعظم أو سي نجيب، كنت أتمنى أن أكون بطلة لإحدى روايات نجيب محفوظ لكي أعيش تفاصيل الحياة المصرية!.
تحكي الشقراء الألمانية الغامضة لسي نجيب أنها أثناء جولتهاه في أوروباه تصادف أن أعلن عن فوزه بجائزة نوبل، وبعد تسليمه الجائزة راجت مبيعات رواياته في السوق الأوروبية، وأن الشباب المصريين من الدارسين في الجامعات الأوروبية قد نسجوا قصص حب ملتهبة مع أوروبيات عن طريق إهداء روايات نجيب محفوظ لزميلاتهم واعتبارها مدخلًا لصداقة معهن. 
يبتسم نجيب محفوظ ويعلق: «يعني فوزي بنوبل كان فرصة للبصبصة»! ورغم أن نجيب محفوظ كان قد تجاوز التسعين فإن حب المرأة له لم ينقطع، فقد فوجئنا برسالة مكتوبة باللغة الفرنسية على ظهر تذكرة قطار موقعة من «رانيا ودنياه»، وقد حاولت إحداهما –الفرنسية- مقابلة محفوظ في بيته لولا أن منعها الحارس، فتركت له هذه الرسالة التي طلب د. فتحي هاشم من توفيق صالح قراءتها علينا في ندوته بفندق سوفيتيل. 
تقول الرسالة: مساء الخير يا أستاذ نجيب، مررت عليك لكي أرى أين تسكن، لأني أقدرك جدًا، ولم أستطع أن أترك القاهرة قبل أن أعرف على الأقل كيف تعيش، حلمي أن ألتقي بك، اقبلك بقوة. «من تونس وفرنساه – رانيا ودنيا». 
هذا الكتاب «ليالي نجيب محفوظ في شبرد» قطعة من تاريخ مصر، وجزء مهم من سيرة الأديب العالمي نجيب محفوظ وآرائه وآراء المحيطين به في جلساته، وكانت المناقشات بينهم لا تترك حدثًا دون مناقشة أو تعليق، ومن أشهر رواد هذه الجلسة الكاتب علي سالم، وتوفيق صالح، وعبدالعزيز مخيون، والمهندس محمد الكفراوي، وحسين عبدالجواد، وزكي سالم وآخرون غير ضيوف الأستاذ من العرب والأجانب.