الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

الفنان خالد صالح وسائق التاكسي

الفنان الراحل خالد
الفنان الراحل خالد صالح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المكان: أمام أحد البنوك المصرية.
الزمان: نهار خارجي.
الأبطال: خالد صالح، سائق تاكسي.
"يقف خالد حاملًا حقيبة من حقائب رجال الأعمال المشهورة بشكلها المميز، وتحتوي بداخلها على مبلغ مالي قدره أربعون ألف جنيه"
خالد: "ينظر في ساعته تعبيرًا عن قلق الانتظار، ثم يقوم بإخراج الهاتف المحمول من سترته ويحاول الاتصال بالسائق الخاص به، الذي يجد هاتفه مغلقًا، يتحدث لنفسه "وبعدين بقى كدا ها أتأخر..يا ترى روحت فين يا عم محمد وتليفونك مقفول ليه..
"ينظر في ساعته مرة أخري"
لا كدا مينفعش بقي..
"يشير لسيارة تاكسي تمر من أمامه"
تاكسي تاكسي.
"يتوقف التاكسي ويستقله خالد، ليجد أمامه سائقًا في نهاية العقد السادس من عمره ويكسو رأسه الشيب وتظهر على ملامحه علامات تركها الزمن على وجهه أثناء صراعه معه، يرتدي السائق نظارة سميكة العدسات لتساعده على الرؤية والقيادة بعد أن ذبلت شمعة عينيه من عوامل السن والعمل المستمر"
السائق: على فين يا باشا ؟
خالد: مصر الجديدة يا حج.
السائق: بس دا مشوار بعيد والطريق زحمة..دي ساعة خروج موظفين..يعني المشوار ها يكلفك كتير يا ابني.
خالد: "مبتسمًا" ولا يهمك يا حج..اتكل على الله وبإذن الله الطريق يبقي ماشي..وأنا ها راضيك برضوا.
السائق: يا بني أنا مش بقولك كدا عشان تقولي أراضيك..أنا هاخد أجرتي زي ما تطلع في العداد، وأنا راضي باللي يقسمه لي ربنا..أنا بس بعرفك عشان تبقى عامل حسابك.. أنت عارف ظروف البلد والمعايش الصعبة فكلنا لازم نسند بعضنا.
خالد: ربنا يكرمك يا حج..الحمد لله مستورة.
السائق: يا رب دايما مستور يا ابني.
خالد: أنت متعرفنيش يا حج؟
السائق: مش واخد بالى يا ابني..احنا تقابلنا قبل كدا ؟؟
خالد: "يبتسم ويقرر أن لا يفصح له عن هويته كفنان ونجم مشهور" لا يا حج.. أنا حسيت إن ممكن نكون تقابلنا..بس واضح إنه محصلش.
" يتحرك سائق التاكسي بالسيارة وتمر لحظات صمت بينهما، ليسافر كل منهما إلى عالمه الخاص، فالسائق ينظر لطريقه الذي يتحسسه بعدسات نظارته، وخالد يحسب حسبته التي سينفق فيها مبلغ الأربعين ألف جنيه الذي قام لتوه بسحبها من البنك..
وأثناء ذلك يقوم أحد سائقي الدراجات البخارية بالدخول إلى الطريق بشكل مخالف فيصطدم بالسيارة التاكسي"
السائق: يا ساتر يا رب..
"يوقف السيارة وينزل منها للاطمئنان على الحادث" 
ليه كدا يا ابني..مش تاخد بالك..كويس كدا بهدلت العربية اللي بأكل منها عيش وخربت بيتي.
سائق الدراجة: أنا آسف يا حج والله ما أقصد..بس والدتي تعبانة وعندها كريزه كلى ولازم أجبلها العلاج بسرعة..أنا ممكن أسبلك بطاقتي وأنت اديني رقم تليفونك.. أروح أجيب العلاج لوالدتي وارجع..ووالله ها كلمك أخد منك العربية واصلحها لك عند واحد صاحبي أيده نضيفه قوي.
السائق: "ينظر له بتأثر، نظرة المُصدق لحديثه"
روح يا ابني ربنا يشفيها لك..وكويس أنها جت على كدا.
"يركب سائق التاكسي سيارته ليواصل المسير..وينطلق سائق الدراجة البخارية وهو يدعو لسائق التاكسي بالستر والرزق" 
خالد: "بعد تحرك السيارة" الحمد لله أنها جت على قد كدا..وعلى رأى المثل اللي يجي في الصاج اعتبره بقشيش.
السائق: الحمد لله على كل حال يا أستاذ..وكويس إنها جت على قد الصاج..الخبطة كان ممكن تأثر في موتور العربية..لكن ربنا ستر.
خالد: بس أنت غريب يا حج..أول مرة أشوف واحد يتخبط ويبقي صاحب حق ويسيب اللي خبطه يمشي كدا.
السائق: أنت مسمتعش يا أستاذ..الراجل والدته تعبانة وهو عايز يجبلها العلاج..ربنا يكون في عونه..أنا عارف الواحد بتبقي حالته ايه في الوقت دا.
خالد: أيوه بس أنت تعرف منين إنه مش بيكدب عليك..مهو كله دلوقتى يتحجج بموضوع المرض.
السائق: ميحسش بالألم غير اللي مجربه يا أستاذ..أنا شوفت في عين الواد نظرة الحزن والانكسار وحسيت في نبرة صوته بالصدق..وعشان كدا سبته يمشي من غير ما يصلح العربية ولا أخد تعويض.. لأن مجرب الحالة اللي هو فيها.
خالد: ربنا يحوش عنك ويشفيك يا حج.
السائق: ربنا يحوش عن كل مريض..أنا الحمد لله كويس مفيش حاجة..المشكلة في مراتي..أنا مراتي عندها نفس المرض اللي عند والدة الواد ده يا أستاذ.. وبتغسل كلى كل أسبوعين..عشان كدا سبته يمشي..لأن حسيت إن أنا ممكن أكون في موقفه دا.
خالد: ربنا يشفيها لك ويخليها..واحد غيرك وفى ظروفك كان مسك فيه.. خصوصًا أن الغسيل الكلوي أعرف إنه مكلف.
السائق: مهو عشان مكلف أنا سبته..زي مانت شوفت الواد شكله ظروفه على قدها..وأنا الحمد لله رغم أن ظروفي على قدها إلا أن بقدر أعملها الغسيل..لكن هو متعرفش ظروفه أيه.
خالد: طيب مش بتروح تغسل في المستشفيات الحكومية ليه يا حج.
السائق: يا أستاذ المستشفيات الحكومية الله يكون في عونها وعون المرضى اللي يروحوها..الأعداد كبيرة قوي..والأجهزة قليلة..والناس بتستني دورها بالشهور لحد ما تموت.
خالد: الله يكون في عونك ويقويك..وعلى كدا أنت عندك مصدر دخل تأنى غير التاكسي.
السائق: أنا كنت موظف حكومة وطلعت معاش..وحضرتك أكيد عارف المعاشات عاملة أزاي..وعشان كدا نزلت اشتغل على التاكسي ده عشان أقدر أجيب مصاريف علاجها.
خالد: ودخل التاكسي بيكفي المصاريف والعلاج ؟
السائق: مكدبش عليك أنا لو وفرت تمن العلاج والغسيل كل أسبوعين بشكر ربنا وبقول الحمد لله.
خالد: امال بتعمل إيه في باقي المصاريف؟
السائق: ربنا مش بيسيب حد وبيرزق من عنده..أنا المهم أجيب العلاج وتمن الغسيل الكلوي..أما بقى لو باقي المصاريف زي الأكل والشرب والحاجات دي فبترزق..أنت عارف محدش بيبات من غير عشا.. والحمد لله إن ربنا مرزقناش بالخلفة..وعلى قد ما كنا زعلان إن مفيش اولاد..على قد ما بشكر ربنا أن حرمنا من نعمة البنون عشان أقدر أراعي مراتي وأعالجها..وأكيد ربنا ها يعوضنا في الجنة عن نعمة البنون والصبر على المرض.
"يصمت خالد ويذهب في حالة شرود، ليدور برأسه حوار داخلي" 
خالد: إيه الرضا والإيمان دا..مين يصدق إن راجل في السن دا وبالظروف دي، يبقي عنده الرضا دا كله..غيره كتير عندهم ملايين ومش بيسامحوا في جنيه..وغيره أكتر تجربتهم أقل من تجربته ومفيش عندهم الرضا دا !!..سبحانك ربي مقسم الأرزاق ومدبر الاحوال.
"فجأة تصدر السيارة بعض الأصوات الغريبة التي تعيد خالد من شروده، لتتوقف بعدها السيارة "
خالد: خير في ايه؟
السائق: مش عارف..بس واضح أن الخبطة وصلت لميكانيكا العربية وعشان كدا وقفت..لحظة أشوف في إيه.
" ينزل من السيارة ويقوم بفتح صندوق الموتور"
السائق: "من خارج السيارة " معلش يا باشا الخبطة وصلت لراديتر العربية وفضي الميه اللي فيه..ثواني ها كمله ميه وأوصلك وبعدين أروح ألحمه.
"يركب السائق" 
خالد: هي العربية دي بتاعتك يا حج ؟
السائق: لا يا أستاذ أنا الحمد لله شغال عليها.
خالد: طيب كدا صاحب العربية ها يعملك مشكلة على الحادثة دي.
السائق: طبعًا.. بس أنا بأذن الله اصلحها قبل الوردية بتاعتي ما تخلص.
خالد: أيوه بس دي مصاريف عليك !!
السائق: يا أستاذ اعتبر ان مراتي غسلت تلات مرات الشهر دا بدل مرتين..أو أعتبر إن ساعدت الواد بتاع الموتوسيكل بتمن تصليح العربية في علاج أمه..وأكيد ربنا مش ها يسبني.
خالد" "لنفسه" أنت إيه يا حج..انت ربنا باعتك ليا عشان اتعلم منك دروس في الرضا والعطاء؟!! ولا انت مين بالضبط.
"تبدأ السيارة في إصدار الأصوات السابقة نتيجة حادث التصادم"
السائق: معلش يا استاذ ثواني ها شوف مالها وارجعلك..ولو ها تتطول يبقي معلش شوف تاكسي تأني عشان متتعطلش.
خالد: ولا يهمك يا حج..انزل اطمن وانا قاعد اهو.
"يفتح السائق صندوق الموتور "
السائق: معلش يا استاذ العربية شكلها ها تطول شوية عشان تدور..لو حاب تنزل تشوف تاكسي تاني براحتك.
خالد: لا يا اسطى ولا يهمك.. صلحها انت وانا معاك.
"ينهمك السائق في تصليح السيارة،واثناء ذلك يدور بداخله هذا الحوار" 
خالد: أكيد تأخير عم محمد السواق وقفلة تليفونه مش صدفة..لان دي اول مرة تحصل..واكيد حادث الموتوسيكل مش صدفة ولا كلامي مع الراجل ده صدفة !!
ربنا ليه حكمة في كل حاجة بنعيشها..أكيد السواق بتاعى أتأخر وانا ركبت التاكسي وعمل الحادثة دي عشان ربنا يعلمني حاجة..عشان يقولى ان الرضاغ أهم من كل الغنى والفلوس والشهرة..أكيد أنا قابلت الراجل ده عشان يعلمني درس ان ربنا هو اللي بيرزق مهما حصل..وانك زي ما تدي وتساعد ربنا يديك ويساعدك.
"يفيق خالد من شروده في الحوار الداخلي فيقرر مغادرة السيارة وترك مبلغ الاربعين الف جنيه لهذا السائق دون أن يخبره بذلك ودون ان يخبره بهويته كفنان ونجم مشهور"
"ينزل خالد من التاكسي، تاركًا الشنطة التي بها المبلغ المالي، دون ان يراه السائق.. بعد دقائق قليلة ينتهي السائق من تصليح السيارة ويغلق صندوقها ويتجه لمقعد القيادة لاستكمال مسيره، فيجد أن الراكب قد رحل دون علمه"
السائق: ايه ده؟! شكل الراجل مشي من غير ما يدفع الحساب.. يالا ربنا يعوض علينا..
"يدخل الى السيارة فيجد الحقيبة متروكة على المقعد وعليها ورقة مكتوب بها الاتي "
خالد: لقد علمتني عدة دروس عن الرضا والايمان والثقة بالله..علمتني أن الشهامة والوقوف الى جوار المحتاج لا يحتاج الى ثروات طائلة..علمتني أن من يزرع خيرًا يحصد خيرًا ومن يزرع حبًا يحصد حبًا..الشنطة وما بها من اموال ملكً لك..فهي اجر زهيد مقابل ما تعلمته منك.
تمت
عزيزي القارئ كان ما قرأت سيناريو تخيلي للحوار الذي دار بين الفنان الراحل خالد صالح واحد سائقي التاكسي، وقد بُنيا هذا الحوار على الموقف الانساني الذي قام المؤلف محمد نبوي بكتابته بشكل مختصر،عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، عن الفنان خالد صالح وموقفه الانساني مع احد سائقي التاكسي.
وهو الموقف الذي يثبت انسانية ونقاء خالد صالح، فقد رحل الفنان الخالد والانسان الصالح "خالد صالح" عن عاملنا منذ ثلاث سنوات بعد صراع مع مرض القلب، ومنذ رحيله وتستمر قصص اصدقائه عن مواقفه الانسانية الرائعة التي لا تُنسي. وكانت هذه احدى قصصه الانسانية التي تُثبت انسانيته ونقاءه وفنه.