السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنا والمدرس الإخواني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أحد الأعوام الدراسية جاءنا مدرس تربية دينية من أعماق الريف، منذ أول يوم تدريس رمق فتيات الفصل بنظرة فاحصة، ليتبين عدد المحجبات، ثم لم يفوت الفرصة وأشاد بهن أمام الجميع.
كنا فى المرحلة الإعدادية، وهى فى الأغلب مرحلة انتظام الدورة الشهرية والبلوغ عند الفتيات، وبلغت به العنصرية أن استجوب جميع الفتيات غير المحجبات لماذا لم يرتدين الحجاب بعد؟، وكنت أنا من بينهن.
أتذكر جيدًا هذا المشهد العبثى الذى جاء فى زمن كان هؤلاء العملاء يجندون من قبل قوى الإسلام السياسى لإرهاب المجتمع بسلاح العقاب الإلهي، ولكننى لم أكن من الأجيال التى كسرت رهبة المدرس واحترامه، فكان المعلم لدينا نصف إله وبديلًا شرعيًا للأب والأم طالما نحن فى المدرسة.
أوقفنا الواحدة تلو الأخرى بازدراء كبير، كانت الفتيات المحجبات يرمقننا بنظرات شماتة رغم أنهن يغبطننا، ويمعن النظر فى خصلات شعرنا المتحررة فى وقت الفسحة المدرسية، وهى تلمع تحت بريق الشمس وتتبعثر من نسمات الهواء، ولكن ثمة شعور استعلاء مزيف أردن أن يؤكدن عليه فى دواخلهن، حتى يرضين بهذا الحجاب الجبرى مدى الحياة، وكان تصرف المدرس قشة الغريق لهن، والتى ظنن أنها ستنقذهن من الغرق فى بحور الحسرة على طفولتهن التى وئدت بمتر قماش.
غالبية الفتيات تعللن بعدم بلوغهن بعد، حتى يسلمن من حديث الآحاد الضعيف الذى يستندون إليه فى إجبار الفتيات على الحجاب المدرسى وحجاب ما بعد البلوغ.
مع الأسف لم أكن بقدر الثقافة الكافية وقتها لكى أناقشه وأفحمه بأن دليله على فرضية الحجاب بعد البلوغ مباشرة ضعيف، ولا يمكن أن تبنى عليه قاعدة شرعية ثابتة، ولكننى أتذكر جيدًا عندما جاء دورى فى التبرير قلت له إننى لن أتحجب مطلقًا لأننى أحب شعرى كثيرًا، ولأن والدى دائمًا يخبرنى أننى ما زلت طفلة.
ضحك منى بسخرية كبيرة ولمعت عيناه باحمرار الغضب، وأمعن فى سخريته بشكل فج، وشاركته فيها كثير من المحجبات بالفصل، وقال لى بالحرف الواحد: بكرة ربنا ينتقم منك وشعرك ده يقع شعراية شعراية وتخبيه بالطرحة غصب عنك.
لم أستطع رد السخرية، ولكننى لم أتمالك نفسى من الغضب، فرددت عليه: حينها سأرتدى باروكة ولن أرتدى حجابًا أبدًا.
جلست وأنا أستشيط غضبًا وبداخلى رغبة كبيرة فى البكاء والصراخ بعد أن عنفنى ووبخنى وأنا الطالبة المتفوقة التى يميزها جميع المدرسين ويقدرونها ويضعون عليها الآمال.
ثم ترك المنهج الدراسى واسترسل يكلمنا عن كرامات شخص يدعى سيد قطب ومعجزاته، وعن الكلاب الشرسة التى كانوا يضعونها فى زنزانته لكى تنهشه فلا تفعل له شيئًا وتجلس بجواره فى سلام.
ذهبت إلى المنزل وقصصت على أمى قصتي، وسألتها من يكون هذا السيد قطب، ولأن والدتى ناصرية الهوى، عرفت منها بشكل مفصل تاريخ هذا الإرهابى الذى حاول أخونة المجتمع بالإرهاب والقتل والتكفير.
فى اليوم التالى ذهبت والدتى للمدرسة وقابلت المديرة وتقدمت بشكوى رسمية فى ذلك المدرس الإخواني، لم يمض أسبوع وكان قد انتقل من مدرستنا.
نعم شعرت بالانتصار، ولكننى ما زلت أتألم كلما تذكرت سخريته منى وكلماته الحقودة بشأن شعري، صحيح أن شعرى ما زال يتطاير فى الهواء بحرية ولم يتساقط سوى فى الحدود الطبيعية ولم يحدث قط أن ارتديت باروكة مدى حياتي، وهو ما أثبت به لنفسى أن الله لا يستمع لهؤلاء ومن المستحيل أن يسمع لهم طالما بداخلهم كل هذا القدر من السواد والتطرف والحقد، ولكنى لا أتخيل أبدًا كيف من الممكن أن أفعل شيئًا تحت سلاح الرهبة والخوف، ومِنْ مَنْ؟ من الله الذى خلق بداخلى الرحمة والتسامح وحب الجمال، فمن يكونون هؤلاء لكى يمارسوا علينا سلطة إلهية وهم مجرد بشر؟