الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مثقفون يضعون روشتة لإصلاح التعليم في مصر

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدأ العام الدراسي الجديد في مصر، اليوم السبت، وسط اهتمام واضح من المثقفين واتفاق عام على العلاقة الوثيقة بين التعليم والبحث العلمي والثقافة وضرورة ربط العملية التعليمية بالقطاعات الإنتاجية والخطط الاقتصادية والاجتماعية بما يشجع على الابتكار والإبداع.
وتستقبل المدارس من اليوم نحو 20 مليون طالب، فيما تتوالى الأطروحات والتعليقات لمثقفين حول العملية التعليمية وضرورة تطويرها على قاعدة الابتكار والتحول من الحفظ والتلقين إلى البحث والتفكير.
ويؤكد الخطاب الرسمي المصري على "أهمية مجتمع المعرفة والإبداع والابتكار ومحورية دور العلم في الحياة المعاصرة" وضرورة الاهتمام بشقه التطبيقي ليسهم في تحسين مستوى المعيشة وتوفير احتياجات المواطنين مع الاستفادة من نتائج الأبحاث العلمية المصرية لاسيما في قطاع الصناعة.
والتعليم "كمنظومة ثقافية في تشكيل البشر" حاضرة قضاياه وهمومه بقوة في اهتمامات الجماعة الثقافية المصرية، فيما تقول أستاذ القانون والإدارة وصاحبة الاهتمامات الثقافية المتعددة الدكتورة ليلى تكلا إن "تصحيح وإصلاح منظومة التعليم يقتضي تصحيح القيم الثقافية السائدة".
ولئن دعا العديد من المثقفين المصريين في طروحات وتعليقات عبر الصحف ووسائل الإعلام للسعي من أجل "انتشار ثقافة العمل الجاد" فثمة إدراك واضح أيضا بارتباط هذه المسألة بالمناهج التعليمية.
وهكذا رأت الدكتورة ليلى تكلا أهمية أن تقوم المناهج التعليمية بصياغة الطالب على ثقافة حب العمل والانضباط وقبول التعدد والاختلاف ناهيك عن القيم الدينية الصحيحة، معتبرة أن الثقافة بمعناها الأشمل هي "نمط الحياة الذي يقرر السلوك والقرارات". 
ويقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة إن التعليم "أخطر وأهم قضايا مصر"، لافتا إلى أنه بحاجة "لثورة في المناهج والمعامل والمدرجات" فيما كانت طروحات لمثقفين مصريين قد أوضحت أن أهم أركان الثورة المعرفية المنشودة "تأسيس العقل النقدي الذي يطرح كل الظواهر الاجتماعية والثقافية للمساءلة وفق قواعد التفكير النقدي المسلم بها في علوم الفلسفة والمنطق"، فيما تشتد الحاجة إلى تكوين العقل النقدي بعد "ثورة المعلومات".
وكان المفكر المصري الراحل السيد يسين قد دعا لتعليم الطلاب منذ المرحلة الثانوية "قواعد التفكير النقدي"، لافتا في هذا السياق لكتاب وصفه بأنه يمكن أن يمثل مرجعا هاما وفريدا وهو كتاب "التفكير النقدي" للمؤلفين تريسي بويلس وسجاري كمب، فيما صدر هذا الكتاب بالإنجليزية وترجمه للعربية الدكتور عصام زكريا جميل مدرس المنطق والتفكير العلمي بجامعة القاهرة.
وواقع الحال أن اهتمامات المثقفين بقضايا التعليم ليست وليدة اليوم فعميد الأدب العربي الراحل الدكتور طه حسين كان من رواد الدعوة لمجانية التعليم وهي قضية تبدو الآن موضع اهتمام كثير من المثقفين المصريين مثل الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي رأى أن "التعليم المجاني استثمار ذو عائد آجل"، فيما دعا "لحوار مجتمعي حول تطوير التعليم وسبل تمويل هذا التطوير".
أما الراحل الجليل أستاذ أصول التربية حامد عمار والذي يوصف "بشيخ التربويين" فقد رأى أن التعليم الجيد في مصر يعني "ثقافة قوية وفاعلة تسهم في بناء الحضارة العالمية"، كما أن هذا التعليم يعني تنمية اقتصادية وبشرية تنتشلنا من هوة التخلف، معتبرا أن "مشكلاتنا ترجع لعدم وجود نظام تعليمي فعال يسهم في بناء إنسان مصري متحضر يعتمد العقل في حل مشاكله ولايعتد بالخرافة".
وإذا كان الدكتور حامد عمار وهو أحد الآباء الثقافيين المصريين المعاصرين وصاحب مقولة "التعليم والثقافة والإعلام مثلث بناء البشر في أي مجتمع" فإن صاحب "دراسات في التغير الحضاري والفكر التربوي" الذي رحل في نهاية عام 2014 عن 93 عاما كان يؤكد دوما على أهمية مجانية التعليم لأنه اهتم على وجه الخصوص بالفقراء أو "ملح الأرض المصرية" من البشر الذين يعانون من ظروف اقتصادية ليست بالمريحة أو الميسرة.
ولئن كان جل كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" للدكتور طه حسين عن التعليم وأهمية الإصلاح التعليمي وهو الذي أراد أن يكون "التعليم كالماء والهواء" فقد رأى حامد عمار أن التعليم يشكل الرافعة الأساسية لأي مشروع وطني مصري حقيقي.
وأعادت الدكتورة ليلى تكلا للأذهان أن قضايا التعليم متعددة العناصر، غير أن أهم هذه العناصر من وجهة نظرها هي "المناهج باعتبارها مصدر المعرفة التي تحدد نوع المواطن فإما أن يصبح مواطنا متوازنا يسهم في التنمية وإما يعرقلها" ويتفق معها إلى حد كبير في هذا السياق الكاتب والأكاديمي الكويتي الدكتور محمد الرمحيحي الذي يقول إن نظام التعليم مكون من عدد من الحلقات من بينها البيئة الاجتماعية والمنهج والمدرس والتلميذ والإدارة ورؤية الدولة.
ودعت تكلا، الحاصلة في العام الماضي على جائزة النيل للعلوم الاجتماعية، إلى اهتمام مناهج التعليم بالتوعية والتعريف بتاريخ مصر وتراثها شديد الثراء، لافتة إلى أن "الذي يعرف تاريخ بلاده وماقدمته مصر للعالم ومازالت تقدمه لايمكن إلا أن يشعر بالاعتزاز والانتماء"، فيما أوضح مثقف مصري كبير هو أستاذ الاقتصاد والمفكر الدكتور جلال أمين أن انتشار التعليم يعد من معايير التقدم الاقتصادي.
وإذا كانت مصر سباقة في إقرار الحق في التعليم مقارنة بغالبية الدول النامية فإن قضايا التعليم تتأثر- كما تقول ليلى تكلا - بعوامل مثل الانفجار السكاني وإهمال تعليم الفتيات، بينما لفت الكاتب سمير مرقص إلى أهمية الأسئلة الكبرى التي يطرحها "الزمن الرقمي" مثل "مامستقبل أنظمة التنشئة والتعليم التقليدية التي تأسست وتشكلت في الزمن ماقبل الرقمي"؟.
ويقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة إن الأنشطة الثقافية يمكن أن تكون بداية لخروج أعداد كبيرة من الشباب من متاهات الفكر المتطرف، فيما يؤكد على أنه "واجبنا جميعا أن نعالج جوانب القصور الفكري والثقافي في التعليم".
وإذ أكد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور طارق شوقي على متابعة المدارس واستعداداتها للعام الدراسي والعملية التعليمية فإن الدراسة تبدأ اليوم في 12 محافظة، بينما تنتظم غدا الأحد في 15 محافظة من بينها القاهرة والجيزة والأسكندرية. 
ومع استمرار النقاش حول إشكالية "الدروس الخصوصية" كان المفكر وعالم الاقتصاد الدكتور جلال أمين قد رأى أن استشراء "الدروس الخصوصية" كظاهرة سلبية هي محصلة عهود سابقة عانت من "الترتيب الخاطيء للأولويات" وتدهور فيها مستوى التعليم.
وأشار الدكتور جلال أمين في هذا السياق إلى عدم مجاراة أعداد التلاميذ بأعداد ملائمة من المدرسين المدربين تدريبا كافيا وعدم التوسع في المباني والتجهيزات المدرسية بالدرجة اللازمة.
وفيما يتعلق بقضايا إصلاح التعليم وإمكانية استلهام حلول من تاريخنا التعليمي ضمن قضايا الإصلاح ككل وفي سياق مايسميه "بالسهل الممتنع" يقول الدكتور جلال أمين "عندما اعود بالذاكرة للكتب التي كانت مقررة علينا في المدارس في صبانا أتذكر كم كانت جميلة وراقية بالمقارنة بما يقرأه تلاميذنا اليوم وكم كانت تلتزم بقواعد الملائمة لأعمار التلاميذ عقليا ونفسيا وكيف كان يقوم بمراجعتها كبار المعلمين أو رجال الأدب فأقول لنفسي متحسرا:هل نحتاج في الحقيقة إلى أكثر كثيرا من إعادة تقرير نفس هذه الكتب الرائعة على الأجيال الجديدة من التلاميذ وماالذي يمنعنا من ذلك"؟.
ويضيف "لااقصد بالطبع أن مشكلة التعليم بهذه البساطة وأنها تحل بمجرد تغيير المقررات الدراسية فهناك أيضا مشكلة رواتب المدرسين ودرجة تأهلهم للتدريس وأحجام الفصول والأدوات المدرسية المتاحة وغيرها، كما أني لا أقصد أن الكتب القديمة لاتحتاج إلى أي تعديل ولكني قصدت أن أقول إن هناك حلولا لبعض المشكلات أسهل بكثير مما نتصور ولكننا لسبب ما نتغاضى عنها".
وإذ يتفق العديد من المثقفين على أهمية "تكثيف الاهتمام بأخلاقيات العمل بالمناهج الدراسية"، وقال فاروق جويدة "لابد أن تكون لنا وقفة من أجل برامج تعليمية تناسب العصر وتتحدث لغته" فمن نافلة القول إن العملية التعليمية في ظل ثورة المعلومات والطفرة الهائلة في تقنيات الاتصال والتواصل عبر الشبكة العنكبوتية المعلوماتية "الإنترنت" تختلف بالضرورة عن سياقات ماقبل هذه الثورة وتستدعي إعلاء ثقافة الابتكار وتنمية مهارات التفكير وتطوير مناهج تفاعلية بحيث يكون بمقدور الطلاب نقل محتواها على أجهزة مثل "التابلت" والهواتف النقالة.
ومثل تلك القضايا حاضرة على مستوى العالم العربي والقارة الأفريقية حيث تقول كاترين نجوجي مديرة "مشروع الموارد التعليمية المفتوحة" في كينيا "ليس هناك الكثير من الناس في القارة الأفريقية ممن يتمكنون من الوصول إلى التكنولوجيا لمدة تسمح بأن تحدث معهم فرقا".
وقد تكون هذه الملاحظة مثيرة للقلق في عالم يندفع بإيقاع شبكة الإنترنت نحو مستقبل تتصارع القوى الكبرى الآن على تحديد ملامحه وقد تتفق على صيغة ما لتقاسم غنائمه رغم محاولات مثقفين كبار في الغرب للبحث عن معنى أكثر إنسانية لهذا المستقبل ومحاولة إضفاء طابع أخلاقي على الثورة الصناعية الجديدة والاقتصاد الرقمي. 
ويشدد الكاتب والأكاديمي الكويتي الدكتور محمد الرميحي على أهمية "عامل الجودة في التعليم"، داعيا في هذا السياق للإجابة على سؤال مركزي هو:"كيف نخلق جيلا متسائلا قادرا على إدارة الموارد الحالية وابتكار موارد جديدة في المجتمع"؟.
وأضاف "لعل من نافلة القول إن السلم التعليمي ماقبل الجامعي في بلداننا العربية كما هو في العالم أساس التعليم بعد ذلك ومنه الجامعي ومابعده وأن كان هناك عوار في تلك المراحل الأولى ماقبل الجامعية فإنه سوف يمتد إلى مابعدها في التعليم الجامعي وهو قول يأخذنا إلى حقيقة أن التعليم سلسلة واحدة أهمها الأساس في الحلقات الأولى والثانية من السلم التعليمي".
وفيما يعيد الرمحيحي للأذهان أن "تجويد التعليم حقق نقلة نوعية" في مجتمعات مثل سنغافورة "التي كان استثمارها الأساسي في التعليم" وأعرب المفكر البحريني علي محمد فخرو عن قلقه حيال مايصفه بظاهرة "عولمة التعليم العربي"، موضحا أن هذه الظاهرة السلبية تختلف عن رفض الانفتاح على الآخر والتعلم منه ومن منجزاته الكثيرة.
ولعل الحاجة تدعو بإلحاح "لتدشين مدرسة مصرية وعربية في التربية والتعليم بمقاربات ونظريات ومصطلحات عربية والخروج من حالة التبعية لعالم الشمال في هذا المجال الذي يدخل في صلب عملية التنشئة والتكوين للإنسان العربي" وهي بالتأكيد مهمة ليست بالسهلة وتتطلب درجة عالية من التراكم البحثي والخبرات العملية.
فمع التسليم بالمشترك الإنساني وأهمية الانفتاح على كل التجارب الناجحة في العالم لايمكن التعويل بصورة كاملة على أدوات بحث ونظريات ومناهج ومقاربات أجنبية في مجال التربية والتعليم لأن كل ذلك نتاج ثقافة وبيئة وهوية ليست هي الثقافة والبيئة والهوية العربية.
وإذا كان المفكر المغربي الراحل محمدعابد الجابري قد نبه مرارا لأهمية توخي الحذر عند التعامل مع المفاهيم الأجنبية المراد نقلها للواقع العربي والتعرف عن قرب على تاريخ المفهوم المراد نقله والنظر في كيفية إعادة استنبات هذا المفهوم في المرجعية المراد نقله إليها فإن ظاهرة ترجمة المفاهيم في مجال التربية والتعليم دون معرفة خصوصية بيئتها أمر خطير بكل المقاييس.
ومن هنا ابتكر عابد الجابري مصطلح "تبيئة المفاهيم" الذي يعني المعرفة الوثيقة لكل مايتعلق بدقائق المفهوم المراد نقلة من بيئة أجنبية للبيئة العربية ثم النظر في كيفية إعادة استنبات هذا المفهوم عربيا وهي فكرة تشكل أحد الحلول الجادة للتوفيق بين "عالمية العلوم وأدواتها" وبين "خصوصيات الهوية والثقافة" إلى أن يحين الوقت لاستقلالية تعتمد على جهد بحثي عربي أصيل.
ومن نافلة القول إن ذلك كله محكوم بمحددات اجتماعية واقتصادية وثقافية ويشكل تحديا للعقل الثقافي العربي ويتطلب استجابات على مستوى التحدي والبحث عن حل ناجع للمعضلة في صورة "ثقافة جديدة للتربية والتعليم" لن تكون بعيدة عن الثقافة العامة المرجوة للمجتمع.
ومع إطلالة العام الدراسي الجديد يتطلع كل مثقف مصري للغة الإبداع في جسد الأبجدية وضياء الأفق والمدار تحت سماء مصرية.. فبالعقل الحر والفكر المبدع وبثقافة الابتكار والعمل تنفتح نوافذ النور وشرفات الأمل.