الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دور الأزهر في مصر والعالم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأزهر الشريف هو أحد أهم مؤسسات الدولة المصرية وأحد عناصر قوتها الناعمة في العالمين العربي والإسلامي. بل إنه ليس من قبيل المبالغة القول بأن أهمية الأزهر تتعدى حدود العالم الإسلامي إلى العالم أجمع. وإدراكًا لمكانته في نفوس المصريين، كان الحرص على حضور شيخ الأزهر في مشهد البيان الصادر في الثالث من يوليو 2013 ومباركته لثورة الثلاثين من يونيو 2013م ضد حكم جماعة الإخوان. وقد أشارت ديباجة الدستور الحالي لعام 2014م صراحة إلى ذلك، بنصها على أن «ثورة 25 يناير – 30 يونيه، فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيدلولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها...».
وفي خضم الأحداث الملتهبة التي شهدتها مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، كان للأزهر دور بارز في تهدئة الأوضاع ومحاولة التقريب بين الأطراف المختلفة. ولعل ذلك يبدو جليًا في «وثيقة الأزهر بشأن مستقبل مصر»، والتي تمت بالتنسيق بين الأزهر الشريف وعدد من المثقفين المصريين، والتي أعلنها شيخ الأزهر في العشرين من يونيو 2011م، وتتضمن أحد عشر بندًا أو محورًا، تؤكد على تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة واعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر والالتزام بالحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان والمرأة وتأييد استقلال الأزهر واختصاص هيئة كبار العلماء في ترشيح واختيار شيخ الأزهر. 
من ناحية أخرى، وتكريسًا لدور الأزهر الشريف على المستوى العالمي، تنص المادة السابعة الفقرة الأولى من الدستور المصري الحالي لعام 2014م على أن «الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كل شئونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم». والمستفاد من هذا النص أن المشرع الدستوري المصري أناط بمؤسسة الأزهر «مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم». من ناحية أخرى، تؤكد الوقائع المشاهدة أهمية الدور الذي يضطلع به الأزهر على مستوى العالم، وأن هذا الدور لا يقتصر على الجانب الدعوي اللغوي وإنما يمتد إلى الجانب السياسي والحوار بين أهل الأديان. وللتدليل على ذلك، يمكن أن نشير إلى زيارة المجاملة التي قام بها الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في شهر ديسمبر 2003م إلى مشيخة الأزهر، حيث التقى بالدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر آنذاك، والذي أكد حق فرنسا في تشريع قانون يمنع ارتداء الحجاب في المدارس العامة الفرنسية وأن على المسلمات الفرنسيات أن يمتثلن للقانون. وفي الخامس عشر من مارس 2016م، وفي زيارة له إلى البوندستاج، أجرى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب حوارًا مباشرًا مع عدد من أعضاء البرلمان الألماني. وفي الثاني من مارس 2017م، وخلال زيارتها للقاهرة، حرصت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على الذهاب إلى مشيخة الأزهر والالتقاء بشيخ الأزهر، حيث قالت إنه لشرف عظيم أن تحل ضيفة على أعلى مرجعية سنية في العالم، ودائماً ما تدعو للتسامح الإنساني، مؤكدة أن صوت الأزهر في غاية الأهمية لأنه صوت مسموع في كل العالم. وأكدت أنها تتطلع إلى التعاون مع الأزهر في مجال التصدي الفكري والعلمي للإرهاب، وإظهار صورة الإسلام الحقيقية، وتدريب الأئمة الألمان وتأهيلهم من أجل مواجهة الفكر المتطرف. وأشارت إلى أنها تأمل في استكمال النقاش حول سبل التعاون المشترك بين الأزهر وألمانيا خلال زيارة الإمام الأكبر القريبة لبلادها. وبالفعل، وفي العاشر من سبتمبر الحالي، وأثناء زيارته إلى ألمانيا للمشاركة في مؤتمر «طرق السلام»، التقى شيخ الأزهر مع المستشارة الألمانية حيث بحثا مجالات التعاون بين الأزهر الشريف وجمهورية ألمانيا الاتحادية، إضافة إلى مأساة مسلمي الروهينجا. وكان شيخ الأزهر قد ألقى كلمة في الثامن من سبتمبر 2017م حول أحداث الإبادة التي يتعرض لها مسلمو الروهينجا، مندداً بتصرف السلطات الحاكمة في دولة ميانمار، ومطالباً المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف المجازر التي تتعرض لها أقلية الروهينجا.
ويكاد ينعقد الإجماع على أهمية قيام الأزهر الشريف بدوره الدعوي، باعتباره رأس الحربة في مجال التصدي الفكري للإرهاب، وإظهار صورة الإسلام الحقيقية في مواجهة الأفكار المتطرفة. ولكن، قد يثور الاختلاف في الرأي حول تدخل الأزهر في بعض القضايا السياسية الدولية ذات الطابع الديني، كما هو الشأن في أزمة الروهينجا. إذ يؤيد البعض بشدة تدخل الأزهر في الأزمة، مؤكدًا أنه ربما لم يشعر من قبل بالفخر والعزة لوجود مؤسسة الأزهر على أرض هذا الوادي الطيب مثلما شعر وهو يستمع إلى كلمة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إزاء ما يحدث لمسلمي الروهينجا في بورما – ميانمار – منذ فترة ليست بالقصيرة. ففي ذلك البيان القوي الذي صدر بشأن حدث دولي ربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد الكثير مما يجعلنا نطيل النظر والتأمل.. بل والتحليل العميق أيضاً.. ! (د. محمد صلاح البدري، أزمة بورما.. والأزهر الذي نعرفه!، جريدة الوطن، الأربعاء الموافق 13 سبتمبر 2017م). في المقابل، يرى البعض أن «الأزمات الدولية التي تصنعها أجهزة المخابرات الدولية، ما يفرض صعوبات بالغة على المؤسسات الدبلوماسية لفك طلاسمها دون الاستعانة بمخابرات دولها، فما بالك بالمؤسسات الدينية؟!..» (جمال طه، يا مولانا الطيب.. أما كفاكم من سياسة؟!، جريدة الوطن، القاهرة، الجمعة الموافق 15 سبتمبر 2017م).
والواقع أن الأزهر – كما قلنا – هو أحد عناصر القوة الناعمة المصرية، ويعتبر – على حد قول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل – أعلى مرجعية سنية في العالم، وصوت الأزهر في غاية الأهمية لأنه صوت مسموع في كل العالم. ومن ثم، لا يسوغ أن يقف الأزهر صامتاً إزاء القضايا والأحداث العالمية ذات الطابع الإنساني. بل إننا نتمنى أن يتفاعل مع الجرائم والانتهاكات التي تتعرض لها أي أقلية على مستوى العالم، ولو كانت هذه الأقلية غير مسلمة. فالأزهر ينبغي أن يجعل لنفسه رسالة إنسانية عالمية، لا تقتصر على أتباع الدين الإسلامي وأهل السنة على وجه الخصوص. ولا شك أن قيام الأزهر بهذا الدور يحول دون قيام بعض الحكومات بتوظيف الأحداث التي تتعرض لها الأقليات المسلمة في بعض الدول وتوظيف بعض القضايا العربية والإسلامية لأغراض سياسية. المهم أن تتم ممارسة هذا الدور وفق رؤية شاملة تراعي ملابسات الوقائع المختلفة وأن يتم صياغة البيانات التي تصدر عن الأزهر بعناية بالغة تأخذ بعين الاعتبار الاعتبارات السياسية وتعقيدات عالم السياسة. والله من وراء القصد.