الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الثأر.. خنجر في "ضهر" الصعيد

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كتب - فاطمة جابر وأمل أنور وحسن عصام الدين ووسام هريدى ومحمود الجلاد ومحمد محفوظ وإنجى زكريا سيد وخالد عبد العظيم وإيمان عريف
تؤكد الإحصاءات تربع محافظة سوهاج وأسيوط وقنا والمنيا وبنى سويف، على قمة محافظات الوجه القبلى تمسكا بعادة الثأر، وتأتى محافظة أسيوط فى صدارة جرائم الثأر برصيد ١٥٨ خصومة، يتركز عدد كبير منها فى قرية المعابدة، تحت سفح الجبل الشرقى التى شهدت أشهر المواجهات الثأرية فى صراع عائلتى «الطحاوية» و«الفقيرة» عام ٢٠٠٣، حيث أجبر أفرادهما قطار الصعيد - القاهرة على التوقف لإطلاق سراح معتقليهم بعد إحدى جرائم الثأر.
بينما سجلت عائلة « العسيرات بأبنوب» رقمًا قياسيًا آخر فى عدد ضحايا الصراعات الثأرية، التى نشبت بينهم، ليصل إلى ٢٠٠ قتيل منذ بداية الخصومة فى عام ١٩٥٠. وفى محافظة قنا، بمدينة قوص منذ عشرات السنين ارتدى ٦ أشخاص من إحدى العائلات ملابس النساء، ونزلوا إلى السوق فى وسط النهار، بعد أن أخفوا البنادق الآلية فى ملابسهم، وقتلوا ١٣ شخصا من عائلة خصومهم، فما كان من العائلة الأخرى إلا أن قتلتهم قبل أن يخرجوا من السوق.
كما شهدت محافظة المنيا عام ١٩٩٨ حادثة مفجعة، حيث تربصت إحدى العائلات لأفراد عائلة أخرى، أثناء خروجهم من صلاة الجمعة، ودارت معركة بالأسلحة الآلية والسكاكين، سقط خلالها ٢٤ قتيلا من الجانبين والعديد من المصابين.

قضاة: الجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار 
قال المستشار سيف الله كسيبة، عضو الهيئة القضائية بمحكمة جنوب الجيزة: إن القانون المصرى يعاقب المتهم فى قضية الأخذ بالثأر، بعقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار، وفقًا للمادة ٢٣٤ فقرة أولى وثانية من قانون العقوبات الجنائية.
بيما قال المستشار أحمد عبدالعزيز، مستشار بالدائرة الجنائية بمحكمة الجيزة: إنه من الصعب المساواة بين مجرم محترف أراد ارتكاب جريمة القتل عن عمد وبإرادته لتحقيق مصلحة أو منفعة شخصية، وبين القاتل للأخذ بالثأر، هو بالفعل أقام الجريمة، ولكن أقامها من باب الصدفة والجهل. 
وأعرب عن صعوبة إنشاء محتوى قانون خاص بالثأر فقط، لأنه سوف يفتح باب جدال لا نهاية له، ومن العبث أن نصنع قانونا خاصا به، وأن نعترف من خلال مواد قانونية بوجوده، علاوة على أن روح القانون هى التى تحكم فى قضايا الثأر، والأمر برمته لا بد أن يحكم من خلال محورين، محور المواد المدونة بقانون العقوبات الجنائية، والآخر تنفيذ روح القانون من وجهة نظر القاضى.

..وللنساء نصيب منه
«نهال» حلقت شعرها وحملت رشاشا وقتلت 12 شخصًا
تلعب المرأة الصعيدية دورا مهما فى الأخذ بالثأر، حيث تلعب دور الحارس على التقاليد، وعلى رأسها الثأر، فالمرأة تكاد تهب حياتها بالكامل للثأر لأب أو زوج أو أخ أو ابن قتل غدرا، وتتصدى لأى محاولة من أفراد أسرتها للتهرب من «الدم»، وكثيرا ما تقدم على «حلق شعرها» بالكامل، فهى تدفع الرجل للأخذ بالثأر دفعا، والمرأة لا تقف عند حد التحريض فقط، بل إنها فى بعض الأحيان تحمل السلاح، وهو ما حدث بالفعل فى إحدى قرى محافظة سوهاج.
وأقسمت امرأة من محافظة قنا تدعى «نهال - م» على الثأر لإخوتها الذين قتلوا غدرا، خاصة أن أبناءها وأبناء إخوتها ما زالوا أطفالا، وأصرت على أنها ستأخذه مضاعفا، وحلقت شعرها، وارتدت ملابس الرجال، وحملت مدفعا رشاشا، وانتقلت للإقامة فى الكهوف ووسط زراعات القصب، وظلت تراقب أعداءها سنوات طويلة، حتى حانت اللحظة الحاسمة، وعلمت أن قاتلى إخوتها يستقلون سيارة ميكروباص لتأدية واجب العزاء بإحدى القرى، فانتظرتهم عند مدخل القرية، وأوقفت السيارة وطلبت من السائق النزول لأنه ليس من نفس العائلة، وحصدت ١٢ شخصا من خصومها.

صرخات النساء تزيد لهيب الانتقام
يظل سلسال الدم كارثة تهدد أرواح الأبرياء من أبناء الصعيد، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء لبيئة اجتماعية مغلقة لا تعرف سوى لغة الدم والثأر، تحكمها النزاعات والعصبيات القبلية، دساتيرها مجموعة من المواريث والعادات والتقاليد المغلقة القديمة المجحفة، سقط من حسابها التسامح والإيثار.
لأسباب تافهة، يسكن الشيطان جنباتها وينفخ فيها بروحه الشريرة الملعونة، لتحدث المشاجرات والاشتباكات المسلحة، وتتساقط الضحايا، وتنشر رائحة الدم فى جنبات البلاد الشقية البائس أهلها، التى يتساقط شبابها مثل الأشجار فى فصل الخريف.
«مشاجرات طفلين.. وتغلب أحدهما على الآخر، أو سباق على المرور فى شوارع قراهم الضيقة المتهالكة، أو تلك الأفراح التى يهز أركانها مزامير ما يسمونه «النقطة» والتباهى والتفاخر بين العائلات، أو المعايرة بين العائلات والتباهى بالنزعات القبلية.. وتظل تتدنى أسباب المشاجرات حتى نصل لاحتكاكات بين الأشخاص مع بعضهم فى الطريق.
تتعددت الأسباب.. والموت واحد، والشباب يتساقط على عتبات الحقد والكره والقلوب السوداء بين أناس كرهوا أنفسهم وكويت قلوبهم بنار فقدان عزيز لديهم، ليتحول ذلك الشخص منذ ذلك إلى رسول لإبليس اللعين كى ينشر نار الثأر والقتل بين جنبات قريته، وكأنه أقسم بين طيات نفسه على أن ينشر رائحة الدم بين أقاربه.
ففى محافظة المنيا، ذات صباح يوم خريفى، استيقظ أهالى القرية على قيام شابين من عائلة العبيد بأخذ ثأر جدهما، اللذين لم يرياه، بل كانا رضيعين وقت قتله على يد أحد التجار في سوق مركز سمالوط.
وقرر الشابان الذهاب إلى مقر عمل قاتل جدهما فى السوق، الذى لم يتوقع يوما أن يقتل على يد أحفاد من قتله، لكن بعد تدبير خطة ومراقبته وترصدهما جيدا لأماكن خروجه ومواقيت عمله، وثبا عليه فقتلاه رغم بلوغه من العمر عتيا.
«منقطين» إحدى قرى مركز سمالوط، محافظة المنيا، انتشرت الفوضى داخل هذه القرية، وتعددت حالات القتل والثأر على غير المعتاد، مصادمات ومشادات بين أكثر من عائلة، تشتعل وتهدأ وتظل الأجواء مشحونة، لكن المرأة لعبت دورا كبير فى التعصب، وجعل الرجل ككتلة لهب متوهجة أينما تخطو قدماه ثائرا لثأره، فالأمر كرامة عنده قبل كل شىء. 
لا يمر أسبوع، إلا وتقع مشاجرة يروح ضحيتها قتيل ويهرب آخر، فوقع أكثر من ٥ حالات للثأر فى هذه القرية بين أكبر العائلات المتجاورة والمتحابة.
يتجدد الأمر.. فاشتعل خلاف عائلتى «المخالبة» و«الموازن» على مدار عام كامل، تهدأ الأجواء وتتصالح ثم تعود من جديد، ووقع بسببها قتيل ومصاب، وتتعالى صرخات النساء فيزداد لهيب الانتقام.
المرأة.. كانت عنصرا فاعلا فى تهييج نار فتنة الثأر فى عائلة «الفخرانية»، إذ نشبت مشاجرة كان أساسها النساء، لمنزلين مجاورين، كانت علاقاتهما هى الأفضل.

«الشعراوى» يعفو عن قاتل أخيه.. ويعطى درسًا لوأد الفتنة 
كان يعلم أن «الشيطان يعظ».. حينما راودته فكرة الثأر من قاتل أخيه، لكن تلك النفحة النورانية التى عرفت طريقها لقلبه وعقله، جعلته يتريث قليلًا.. ثم يقرر قراره الأخير.. لينحى الثأر من عقله ويحرق الشيطان كمدًا وغضبًا، بعدما استطاع أن يطفئ نيران الثأر داخل قريته، ضاربًا مثالًا صريحًا بالرشاد والحلم وإحكام العقل.
إنه الشيخ محمد متولى الشعراوى، تلقى خبر مقتل شقيقه بفزع كبير، ولم لا؟ فهو شقيقه الأصغر، كان وقتها يعمل «الشعرواى» فى السعودية، حيث يقوم بتدريس المذهب الحنفى فى المسجد الحرام، ليقطع زيارته للسعودية، ويعود إلى مسقط رأسه بقرية «دقادوس» بمحافظة الدقهلية.
حين وطئت قدماه القرية، توجس القاتل خيفة، وظن القاتل أن أجله اقترب، ولكن فى الوقت نفسه كانت هناك زاوية أمل ونور وتوسم فى الشيخ «الجليل»، الحامل لكتاب الله والمعروف منذ صغره بالورع والتقوى والإيمان.
«الشيخ الشعراوى» قطع الشك باليقين، ونزع فتيل الفتنة من قريته، وانتصر لدينه منحّيًا أهواءه ومشاعره تخرج فى هذه الأوقات، فقد كان الشعراوى ينبذ العادات الثأرية التى تتكرر كثيرًا بين الحين والآخر.
ولهذا فبعد قتل أخيه «إبراهيم» بالخطأ على خلفية نزاعات ثأرية بين عائلتين بدقادوس، ورغم تأثير الواقعة عليه وعلى أمه المكلومة، وأبيه محروق القلب، إلا أنه كان قد قرر أن يعطى درسًا لأهل القرية فى سماحة الإسلام.
فعقد مجلسا بين عائلته وبين عائلة القاتل لتصفية الخلاف، عن طريق دفع الدية، وجلس الشعراوى، رحمه الله، وجهًا لوجه أمام القاتل وأمام أبيه، وطلب شيخ القرية من الشعراوى وأبيه تحديد الدية المطلوبة عن قتل أخيه، وحينما انطلقت من القاتل وأهله محاولات لتخفيف الدية عنهم مذكرًا الشعراوى بحديثه الإيمانى نظر لهم وقال جملته: «تذكرنى بما قلت وكأنى بك تظننى أقول للناس وأمنع عن نفسى منونة الالتزام بما أقول.. لا والله.. أما يا هذا فإنا نعفو عن دم أخى ولا نريد منك دية ولا قصاصًا.. غفر الله لنا ولكم».
وكيف لا؟ وقد منّ الله عليه بالفطنة والعلم والإيمان فتمازج هذا الثالوث داخل عقله، ليقرر الشيخ الشعراوى أن يكون مبصرًا رافضًا للنوازع الثأرية التى تجتاح الأرياف والصعيد.
مستثمرو أسيوط: «الجنوب» آمن ولا تأثير للقاهرة
قال على حمزة، رئيس جمعية مستثمرى أسيوط: «إن الصعيد عانى من تهميش متعمد خلال ٣٠ عاما فى ظل حكم النظام الأسبق»، وأكد أن ما يتردد بعدم وجود أمن شائعات، كان الغرض منها سحب الاستثمار لمنطقة الوادى والعاصمة، وأضاف أن الصعيد يمتلك من الأمان ما يشجع على جذب الاستثمار لهذه المنطقة الواعدة.
وأشار إلى أن الصعيد يمتاز بالقبلية، وكل الناس يعرفون بعضهم بعضا جيدا، وانتشار السلاح فى الصعيد عرف وثقافة موجودة منذ زمن بعيد، ولا تسبب أى خطر، وحتى أخذ الثأر، سلوك بعيد عن أى مستثمر، وغالبا يكون بسبب خلافات بين العائلات مسببة، سواء نزاعات على أراض أو ميراث، وما شابه، وهو بعيد كل البعد عن البلطجة والسرقات وغيرهما من الجرائم المتعارف عليها، أما فيما يخص الثأر فهى عادة عند أهالى الصعيد ويجب التصدى لها ومحاربتها. 
وأكد أن الصعيد آمن للاستثمار، والدليل على ذلك، أنه بعد ثورة يناير، كان الصعيد من أكثر المناطق أمنا، وحتى المطالبات الفئوية به كانت محدودة، وكذلك الحوادث الفردية، المرتبطة بالطائفية لا تذكر.
مشاكل الاستثمار
ولفت إلى أن مشاكل الاستثمار فى الصعيد ليس لها علاقة بالأمن أو تواجد سلاح، ولكن أسباب مشاكل المستثمرين مرتبطة بتهميش الصعيد المتعمد، وعدم وجود طرق ممهدة، وصعوبة تصدير المنتجات المصنعة لعدم وجود موانئ قريبة من المناطق الصناعية، بالإضافة إلى أن البنية التحتية كانت غير مؤهلة، والتعامل بالنظام المركزى، سواء فى المناقصات والمزايدات، وحتى الحصول على الرخص، والروتين والبيروقراطية، خلال حكم النظام الأسبق.
وتابع أن تكلفة النقل كانت مرتفعة بسبب بعد المسافات الذى كان السبب فى عدم المنافسة مع مستثمرى الوجه البحرى فى التسويق. ولكن بعد تأهيل ميناء سفاجا للعمل، وتدريب الأيدى العاملة لسوق العمل، وتمهيد الطرق، وإنشاء شبكة من طرق تبدأ من البحر الأحمر وصولا لميناء سفاجا، وتسهيل الحصول على القروض من البنوك بسبب صعوبة الحصول على رخص العمل، وبعد حل مشكلة الرخص وغيرها، من المعوقات التى كانت تواجه المستثمرين فى الصعيد، يستطيع المستثمر أن يستفيد من مبادرة الـ٢٠٠ مليار جنيه بالحصول على قرض بفائدة ٥٪، وهى خطوة للفت النظر للاستثمار بالصعيد، وهو ما تعمل عليه القيادة العليا اليوم، ولكن المشكلة الحالية تكمن فى فرض الضرائب العقارية التى تهدد العديد من المشروعات بالحجز على عدد كبير من المنشآت الخاصة بهم.

انتشار الأمن
وفى السياق نفسه، قال محمود الشندويلى، رئيس جمعية مستثمرى سوهاج: «إن ما يتردد حول وجود مشاكل أمنية فى الصعيد تعيق الاستثمار، عار تماما عن الصحة، ولا يؤثر على الاستثمار إطلاقا، والعكس صحيح أن الصعيد كله عائلات وعصبيات، وأى مستثمر يعمل بالصعيد يعى تماما ما أقوله».
وأشار إلى أن الجهات الأمنية والشرطة منتشرة، وتقوم بعملها على أكمل وجه، وفيما يخص انتشار السلاح فى الصعيد، قال: «إنه بعد الثورة انتشر السلاح فى جميع أنحاء الجمهورية، وعندما طالبت الجهات العليا بتسليم السلاح غير المرخص، فى عام ٢٠١٥، تم تسليمه فى الصعيد عن طريق كبار العائلات، ولم يحدث أى تصادم مع الشرطة، والعكس هو ما حدث، فكان هناك تعاون مشترك بين الناس والداخلية».
كما أشار إلى أن أى حوادث عنيفة تعتبر حوادث فردية لا تمثل الصعيد، وهى من الممكن أن تحدث فى أى مكان فى الجمهورية، وأن الحوادث والخلافات المرتبطة بالعصبيات انخفضت نسبتها فى الثلاث سنوات الأخيرة، وذلك بعد تشكيل لجان متخصصة فى المصالحات، ولا يوجد أى حوادث فى المناطق الصناعية والتنموية، وتتمتع بالأمن والأمان. 
البنية التحتية
وأشار إلى أن هروب المستثمر من الصعيد قبل ٢٠١٥ كان لفقر البنية التحتية، وعدم وجود طرق وموانئ ومطارات، وعدم وجود مناطق لوجستية ومناطق حرة، كانت من ضمن أسباب عدم الاتجاه للاستثمار بالصعيد. 

الأهالى: قبول الدية عار.. و«القودة» عاران
ظاهرة القتل تتعلق بشكل كبير بعدة عوامل منها العامل الاجتماعى والعامل النفسى، وغيرها من العوامل الأخرى، فقد تطرقنا لعرض القضية على خبراء علم النفس وخبراء علم الاجتماع، لكى نعرف الأسباب المباشرة التى أدت إلى ذلك.
فى البداية، يقول الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى: إن هناك عدة أسباب، منها أبعاد نفسية وأبعاد اجتماعية تتسبب فى حدوث ظاهرة الثأر، على رأسها التنشئة الاجتماعية التى ينشأ فيها الفرد داخل المجتمع أو البيئة المحيطة به، ويعد هذا البعد له دور مهم فى ترك آثار سلبية لدى الأفراد، تجعلهم يقبلون على أخذ الثأر والعنف، لأنهم عندما ينشأون بين أسر تشجعهم على العنف وتحرض الأطفال منذ الصغر على أخذ ثأره من أخيه أو صديقه، أو جاره الذى يلعب معه منذ الصغر، مثال ذلك أن تقول الأم أو الأب للطفل «اضربه زى ما ضرب أخوك أو زى ما ضرب أبوك»، أو «اشتم فلان زى ما شتمك وما تسيبش حقك»، كل تلك المفاهيم ينشأ عليها الطفل ويتربى ويترعرع عليها، وتعد هذه الأساليب من الموروثات الهمجية المتداولة داخل معظم البيوت المصرية». 
التنشئة والجريمة
وأوضح أن عند هذه البداية والنشأة لهؤلاء الأطفال يصبحون جاهزين للعداء مع الآخرين عند الكبر، حتى وإن كانوا ليس لهم الحق فى ذلك، ولكن البيئة المحيطة بهم هى التى أجبرتهم على ذلك؛ إلى أن أصبح فى مجتمعنا كل يوم نرى ونسمع عن جرائم وحشية من قتل وتقطيع جثث وحرق وخلافة، أو نسمع عن مشاجرة بين عائلتين سقط على إثرها ٥ ضحايا أو أكثر، مثلما يحدث فى الصعيد. 
وتابع فرويز قائلا: «اللى يرشك بالمية رشه بالدم».. تلك العبارة التى ينشأ عليها الأطفال، مما ينشأ كل شخص على «خذ حقك بدراعك» على حد وصفه، مضيفا هناك عوامل مهمة من الممكن أن يعيها الفرد ويتجنبها فى المجتمع؛ ليستطيع أن يتخطى المعوقات التى تقف فى طريقه والتى تواجهه؛ والتى من الممكن أن تؤثر على سلوكه الاجتماعى والنفسى؛ وقد تؤدى به إلى طريق الهلاك، وهى طريق الذهاب بلا عودة، وهى أن يتحول من الآدمية التى خلقه الله عليها إلى «الوحشية»، ومحاكاة الغرائز التى بداخلة أو بالأجواء المحيطة به من بيئة وأهل وخلافة والتى قد تصل إلى حد قتل الأسر كاملة؛ بسبب بعض المشاجرات بين العائلتين، أو قد ترجع إلى ثأر قديم.
وفى السياق نفسه، يقول الدكتور سعيد صادق، الخبير الاجتماعى: إن قضايا الثأر قضايا بالغة التعقيد، من حيث طبيعتها وأسباب حدوثها، ولذلك فإن معالجتها والقضاء عليها يحتاجان إلى تكاتف شرائح المجتمع وجميع المسئولين بالدولة وجهود الأزهر الشريف، لأن هذه الظاهرة تهدد المجتمع المدنى وجميع طوائف الشعب من كبير وصغير ورجل وامرأة كل على حد سواء.
حوار ومناقشة
لذلك لا بد من الحوار والمناقشة حول هذه القضية، ولا بد من تثقيف وتعليم الشباب حول مخاطر الإجرام بشكل عام، وجرائم الثأر بشكل خاص، لأن من أهم الأسباب التى أدت إلى انتشار قضية الثأر والقتل بشكل عام ساعد على ذلك، انتشار الجهل والفقر وانتشار السلاح بصورة كبيرة بين أفراد المجتمع، وبخاصة فى صعيد مصر، وأيضا عدم تطبيق القانون بطريقة صحيحة وعادلة، لأنه لا بد أن من يرتكب خطأ أو جريمة يعاقب عليها فى أقرب وقت ولا تأخذ هذه القضايا وقتًا طويلا.
وأضاف أن القضية تظل معلقة بسبب العادات والتقاليد، التى توجد فى الصعيد والأقاليم، بسبب كثرة الجهل والفقر وكثرة السلاح فى هذه الأماكن كما ذكرنا، والخاسر الوحيد على الدوام «الإنسانية». 
وأشار إلى أن المرأة فى الصعيد وإصرارها على الأخذ بالثأر، لمجرد أن تشفى غليلها، تعد من أهم أسباب انتشار الثأر فى الصعيد، وحتى ولو كان محاولة انتقام المرأة المحرومة والمقهورة، على سبيل التخلص من رجلها، سواء زوجها أو حتى ابنها بدفعه للأخذ بالثأر. 
رفض الدية
بينما قالت إيمان العلى، خبيرة بالعلوم الاجتماعية وعضوة المجلس القومى لحقوق الإنسان: إن أهالى الصعيد يرفضون قبول الدية عوضا عن الثأر، ويرونها عيبا وعارا. وأضافت أن المطالبة بالثأر لها ضوابط معروفة فى الصعيد، فالأبناء هم الأحق بالقصاص لدم أبيهم، يليهم الإخوة الأشقاء، فالإخوة غير الأشقاء، وإذا لم يكن للقتيل أبناء أو إخوة، فحق المطالبة بالدم ينتقل إلى أبناء العم الأشقاء، ومنهم إلى أبناء العمومة غير الأشقاء، والثأر فى الصعيد لا يلزم سوى أقارب «الدم» أى من ناحية الأب، ولا علاقة لأقارب الأم بعملية الثأر، وإن كان الأمر لا يخلو من الدعم والمساعدة.
وأشارت إلى أن جميع المؤرخين أكدوا أن مصر عرفت ظاهرة الثأر مع هجرة القبائل العربية إليها، عقب الفتح الإسلامى فى العام ٢٠ هجرية الموافق ٦٨٥ ميلادية، عندما نزحت القبائل العربية آنذاك إلى البلاد. 
الجهل السبب
فيما قالت الدكتورة منال زكريا، أستاذة علم بجامعة عين شمس: إن الخصومات الثأرية التى تقع فى الصعيد وفى الأرياف تحدث نتيجة عدد من العوامل، أبرزها الجهل، حيث إن أغلب المشاكل التى تتعرض لها البلاد تقع بسبب غياب التعليم وانتشار العادات البدائية، التى تعمل على فعل أى شىء حتى ولو على حساب المبادئ والقيم وهذا يحدث حينما تشتعل دوافع الغضب.
انتشار السلاح
فى حين، قال أحمد الكنفانى، عضو الجماعة الوطنية لحماية حقوق الإنسان والقانون: إن قضايا الثأر لا تسقط بالتقادم، حتى لو مر عليها سنوات طويلة أو ظل القاتل لسنوات عده مختفيا أو هاربا خلف القضبان، ففى إحدى قرى البدرشين بالجيزة، قتل شابان شيخا فى السبعين من عمره ثأرا لوالدهما، رغم مرور ٥٠ عاما على مصرعه، وتكرر الأمر فى إحدى قرى محافظة المنيا، حيث أصرت الجدة على الثأر لولدها، رغم مرور خمسين عاما على مقتله، قضى القاتل نصفها فى السجن، لافتا إلى أنه عادة ما ترتبط ظاهرة الثأر بالسلاح المتوافر لدى عائلات الصعيد، فمعظم أبناء الصعيد يجيدون استخدام السلاح، وهو ما ينطبق على نسبة كبيرة من النساء أيضا.
وأضاف أن كل المناسبات فى محافظات الصعيد مرتبطة بالسلاح وبالفخر به وتكاد أفراح الصعيد تتحول إلى مظاهرة مسلحة، فالجميع يذهب حاملا بندقيته للمجاملة، كما أن تجارة السلاح من الأنشطة الرائجة فى الصعيد، ويأتى معظمها عبر الجبال وزراعات القصب، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الآلية والرشاشات.

مشكلة بين سيدتين تسببت فى مقتل وإصابة 16 فى أسيوط
«همت»: زوجى محبوس وحياتنا تدمرت وأموت من الخوف على عيالى فى اليوم 100 مرة
بعد الزواج بثلاث سنوات تحولت حياة « همت» لجحيم، فى أعقاب القبض على زوجها فى قضية ثأر، لحدوث مشاجرة كلامية بين سيدتين أدت لمقتل ١٠ أشخاص وإصابة اثنين آخرين،
«همت» لديها خمسة أطفال، أكبرهم ٨ سنوات، تعيش فى رعب دائم، تقول الخصومة بدأت منذ ٧ سنوات، بسبب خلاف بين سيدتين، فإحداهما قامت برش المياه أمام أحد منازل العائلة الأخرى، وهما عائلتا «الأبلق والدك» بمركز صدفا، ومن يومها بدأت المضايقات بين الطرفين، وحدث تبادل لإطلاق النار بين العائلتين استمر لساعات طويلة.
تشير«همت» إلى طلقات الرصاص التى أصابت سرير أبنائها والنيش، وتضيف أنها زحفت على الأرض وفى يدها أطفالها الصغار خوفا عليهم، بعد دخول الطلقات المنزل، وانتهى اليوم بمقتل محمد شاكر، مدرس، وبعد ثلاث سنوات تجددت الخصومة بمشادة كلامية، وحدث إطلاق للنار بين الطرفين وتوفى كرم عبدالرحمن، من عائلة «الابلق»، ولم تمر أيام وثأر إخوته له أيضا، وقاموا بقتل عبدالعظيم خلف، مخبر بنقطة النخيلة، ولم يكتفوا بواحد فقط، وبعد ١٠ أيام بادروا بإطلاق النار، وحاولوا تهجيرنا من القرية، ولم يتمكنوا، إلى أن شاهدوا سيارتنا وبها ٥ أشخاص من عائلة الدك، ثلاثة أشقاء واثنان من أبنائهم، وانهالت الطلقات عليهم، فتوفى حسن ثابت ٣٧ ومحمد ثابت ٤٨ وابنه معاوية محمد ثابت ١٨ سنة، وإصابة بلال محمد ثابت ١٥ عاما، جميعهم عائلة «الدك»، وبعدها بأيام تم قتل عامر عبدالوارث، وتم اتهام زوجى بدرى ثابت، بقتله وتم حبسه، وتحولت حياتى إلى جحيم وأصبحت بأبنائى الخمسة فى دائرة الثأر. 
وبعد صدور حكم بالإعدام لخمسة أفراد من العائلة الأخرى «الأبلق» هربت بأبنائى لبيت أهلى فى بلدة النخيلة، خوفا عليهم وتركت شقتى بكل ما فيها.
بعد فترة طويلة من الذل والرعب والخوف، تدخل أهل الخير ولجنة المصالحات لعقد صلح، وبعد سنوات تم وقف الدم، وعمل مصالحة عن طريق حمل كفنين لنا، ولكن ليست كاملة لوجود جزء أو ما يسمى ربع من عائلة الأبلق، ويدعى عطية عدلى يعمل محاميا ويرفض الصلح.

إنهاء خصومة مسيحية إسلامية فى سوهاج
الخصومات الثآرية، أحد الملفات التى تضعها الأجهزة الأمنية فى محافظة سوهاج فى بند الأولوية، لوجود أكثر من خصومة يوميا، ولكن عائلة عاداتها وتقاليدها فى الثأر، فبعض العائلات لا تأخذ الثأر بشخص مقابل شخص، وإنما يؤخذ حسب التقدير، ووصل الأمر فى بعض العائلات بأخذ الثأر لشخص مقابل خمسة من العائلة الأخرى.
ووضع عدد من الأجهزة والجهات فى سوهاج الثأر فى أولوية إنهاء الخصومات، ومنها لجنة المصالحات، فلجنة المصالحات تتعاون مع الأجهزة الأمنية فى المحافظة، لإنهاء أكبر عدد من الخصومات الثأرية، حيث استطاعت اللجنة إنهاء خصومات عدة، منها إنهاء خصومة بين عائلتى أولاد سالم وخلف فى دارالسلام، كما أنهت خصومة ثأرية بين عائلتى بخيت وأولاد على بقرية الصوامعة بمركز طهطا، وخصومة بين عائلتى الناظر وكنفانى فى مركز جهينة، وخصومة ثأرية بين عائلتى المدرعة والنقيب فى مركز جرجا، والعشرات من الخصومات الثأرية الأخرى. 
وكان أبرز موقف للجنة المصالحات، إعلان أمينها العام العفو عن قاتل شقيقه، حيث قال الشيخ محمد زكى، أمين لجنة المصالحات فى سوهاج: إنه أقنع أبناء شقيقه فى مسامحة قاتل والدهم، سامح هو أيضا القاتل، ولقيت ترحيبا واسعا من القيادات الأمنية والتنفيذية في المحافظة. 
وفى إطار إنهاء الخصومات الثأرية، شهدت سوهاج إنهاء خصومة ثأرية بين عائلة خلف المسلمة، وعائلة ميخائيل المسيحية، والتى مرت بالعديد من المراحل ترصدها «البوابة» على لسان أصحابها.
فى البداية تواصلت الأجهزة الأمنية برئاسة اللواء خالد الشاذلى، مدير مباحث سوهاج، بالآباء الكهنة والشيوخ فى المنطقة، لتمهيد عملية الصلح، كما عقد العديد من الجلسات التمهيدية للتصالح والإقناع بأهمية حقن الدماء.
ثم نسق «الشاذلى» خطوات الصلح على أن يكون طبقا للشريعة الاسلامية، حيث قدمت عائلة خلف الدية إلى عائلة ميخائيل، كما اقسم طرفي النزاع أثناء الصلح على الإنجيل والقرآن، بحضور العشرات من أهالي القرية، بالإضافة إلى اللواء عمر عبدالعال، مدير أمن سوهاج، واللواء عمرو عزمي، سكرتير عام محافظة سوهاج.
وعن الصلح قال اللواء خالد الشاذلى، إن الشعب السوهاجى بداخله ود ورحمة، لذلك فهو الأكثر استجابة لإنهاء الخصومات، فهو لا يميل للعنف والدم، لذلك اتفقت عائلتا خلف المسلمة وعائلة ميخائيل المسيحية على عدم سفك الدماء وإتمام الصلح بكل حب بقبول الاعتذار والدية طبقا للشريعة الاسلامية.
أما ممثل عائلة خلف، الذى قدم الاعتذار لعائلة ميخائيل، فقال إننا جميعا إخوة، وقدمت اعتذارى من داخل قلبى الملىء بالحب للإخوة المسيحيين جميعا، عن واقعة قتل ابنهم، أما الدكتور أيمن عبدالمنعم، محافظ سوهاج، فقال هناك دور يقع على مؤسسات المجتمع المدنى ولجنة المصالحات وكل الأجهزة لإنهاء الخصومات الثأرية، كما أوضح أنه يعطى ملف إنهاء الخصومات الثأرية اهتماما خاصا، وفى إطار ذلك شارك فى إنهاء أكثر من ٢٠٠ خصومة ثأرية، كما أضاف أن لرجال الدين المسيحى والإسلامى دور فى القضاء على الخصومات الثأرية، حيث إن لهم تأثيرًا قويًا فى توصيل المفاهيم الصحيحة للدين لنبذ العنف.
مختار الصعيدي.. الهارب إلى المجهول
«محدش عارف قصته إيه.. عليه تار.. ولا هربان من إيه.. بس جه هو وعياله البلد من عشرين سنة».. كلمات تصف قصة مختار الصعيدى، كما عرف بإحدى قرى محافظة الغربية، والتى جاء إليها منذ أكثر من ٢٠ عامًا حاملا على عنقه طفلين، وبيده الأخرى طفلان آخران يبحثون عن مأوى يقطنون به. أهالى القرية استقبلوا «مختار» وأبناءه الأربعة بمودة، وقامت إحدى السيدات بإعطائه شقة للعيش فيها بإيجار بسيط، لتبدأ رحلة البحث عن حياة جديدة دون معرفة أسباب رحيله من بلده تاركًا كل ما يملك هناك. 
في صباح اليوم التالى، بدأ مختار يطوف فى القرية بحثا عن لقمة عيش له ولأبنائه، بدأت بالعمل «فواعلى» مقابل أجر بسيط، وكذلك مع عمال التراحيل الذين يعملون فى القرى المجاورة، ليعرف باسم «مختار الصعيدى».
فى وقت بسيط أصبح مختار حديث القرية، من هو، ومن أين أتى، ولماذا ترك أهله وأسرته وجاء إلى هنا، ولماذا لا يزوره أحد؟ أسئلة كثيرة ما زالت تتردد وسط أهالى القرية، إجابات مختلفة منها «عليه تار وهربان هنا خايف على عياله»، وأخرى «هربان من أمن الدولة»، لكن جميعها لم يصدقها، وظل مختار صامتًا. 
ومع مرور الزمن توارث أبناء مختار الأربعة مهنة أبيهم وأصبحوا معروفين وسط أهالى القرية بعملهم فى المقاولات، حيث تمكنوا من تحقيق ثروة معقولة وشراء منزلين وأراضى وتزوج الأطفال الأربعة من خارج القرية، لكن حتى الآن ما زالت قصة «مختار الصعيدى» مجهولة لا يعرفها أحد.