الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صناعة المواقع الإخبارية: علامات الازدهار ونذر الاندثار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قليلٌ هم من يمارسون مهنة الصحافة في نسختها الإلكترونية الحديثة أو المهجنة بتلاقح الصحافة المطبوعة بالواقع الرقمي الجديد الذي نعيش فيه، ويقومون في الوقت ذاته بالكتابة في هموم المهنة وإشكالياتها التي لا تنتهي في هذا الواقع الجديد الذي لم تتحدد معالمه بعد، وخاصة في التجارب الصحفية العربية، وعلى رأسها معْقل مهنة الصحافة في المنطقة العربية وهي مصر، التي عرفت الطباعة والصحافة قبل كل دول المنطقة، وإن لم تكن سبقت إلى استكشاف عالم الصحافة الإلكترونية الجديد الذي أرادته تجارب صحفية عربية أخرى، هاجرت من بلدانها العربية وسافرت إلى الشمال واستقرت هناك في بريطانيا وفرنسا، واستفادت من التكنولوجيات المتقدمة في هذه البلدان، لتقدم نفسها في منصات إعلامية إلكترونية جديدة لم تكن تستوعبها الصحافة العربية فى بلدانها.
ومن أبرز هؤلاء الصحفيين المهمومين بأمور مهنتهم ممارسةً وكتابةً الزميل العزيز على جمال التركي مدير تحرير موقع «البوابة نيوز» الإخباري، والذي أرقُبُ كتاباته منذ فترة ليست بالقصيرة، ولا أُخفى إعجابي بهذه الكتابات التي تتمحور حول الإشكاليات التي تواجه صناعة المواقع الإخبارية. وقد فاجأني الزميل العزيز بصدور أول كتبه «صناعة المواقع الإخبارية: طريقك إلى الاحتراف»، وقد استفدتُ كثيرًا من قراءة هذا الكتاب، رغم تخصصي في الصحافة الإلكترونية وكثرة وتعدد مؤلفاتي فيها منذ نشأتها أواسط العقد الأخير من القرن الماضي، إلا أن ثمة نكهة مميزة لكتاب على التركي تتمثل في تلك الخبرة العملية والممارسة المهنية، التي أثرت الكتاب، وتضيف إلى المعرفة المتخصصة للأكاديميين.
يضم الكتابُ أربعةَ أبواب تمثل في مجموعها الركيزة الأساسية لضمان تدشين موقع إخباري قادر على المنافسة، وتأسيس نموذج أصلي Protptype يمكنُ البناءُ عليه مهما كانت التوجهات والأهداف التي يحاول الموقع الوصول إليها. 
ويبدأ كل باب بعرضٍ مفصل لأهم المشكلات والتحديات التي تواجه صناعة المواقع الإخبارية وأسباب فشل كثيرٍ منها في تحقيق أهدافها، ما أدى إلى إغلاق بعضها واتجاه البعض الآخر لتقليص النشاط، وخروج البعض الثالث من دائرة المنافسة.
لقد تناول الكتابُ إشكالياتٍ عدة جديرة بالبحث والمناقشة؛ ومنها المشكلات الإدارية في المواقع الإخبارية التي تؤدي إلى فشلها في تحقيق أهدافها، كسوء التخطيط وعدم وضع استراتيجية تتعاطى مع مستقبل هذه النوعية من المواقع، ويتناول الجوانب التحريرية من حيث كيفية وضع السياسة التحريرية والعناصر الرئيسية المؤثرة فيها، كما يركزُ الكتابُ على الجوانب التقنية لاستضافة المواقع، وشكلها وبرمجة تصميمها ومكوناتها. ويتناولُ الجزءُ الأخير من الكتاب قضيةً غايةً في الأهمية وهي قضية تسويق المواقع الإخبارية، فكم من المواقع التي توجد على الإنترنت ولا نزورها أو نسمع عنها.
ورغم أهمية الكتاب وما عرضه من إشكالياتٍ مهمة، وما أتاحه من معارف عملية تمثل دليلًا عمليًا لتدشين المواقع الإخبارية وضمان استمراريتها ونجاحها، فإنه في حاجة إلى استكمال جوانب مهمة لم تتسع لها أبواب الكتاب وفصوله، والتي جاءت في ٥٠٣ صفحات من القطع الكبير. 
ومن أبرز هذه الجوانب في رأينا – كمتخصص في الموضوع – استعراض التجارب العالمية المميزة في المواقع الإخبارية واستجلاء أسباب تفردها ونجاحها، والمقارنة بينها وبين التجارب المصرية. 
ولعل هذا كان يمكن أن يقدم للممارسين والمهتمين الممارسات الجيدة في إنشاء هذه النوعية من المواقع Good Practices؛ فالمواقع المصرية موجودة على شبكة الإنترنت جنبًا إلى جنب مع مثيلتها البريطانية والأمريكية والفرنسية وغيرها، وبالتالي فالنظر إلى التجربة المصرية فقط لن يكون مفيدًا بالنسبة لنا في تطوير مواقعنا الإخبارية، ولن يمكن المواقع الإخبارية المصرية من خوض غِمار منافسةٍ عادلة مع المواقع الإخبارية العالمية.
مسألةٌ أخرى مهمة تتجاوز حدود السياسة التحريرية التى يحق لكل موقع أن يختطها لنفسه، وهي أن تكون للمواقع الإخبارية وغيرها من الوسائل الإعلامية سياسة إعلامية لا تقف ضد الصالح الوطني بحجة حرية الرأي والتعبير التي تم توسيعها لدى بعض المواقع إلى «حرية الفوضى»، وهو ما أدى إلى حجب بعض هذه المواقع التي تسعى إلى هدم أركان الدولة المصرية لأسبابٍ ومبرراتٍ هاوية ومتهافتة في حين أن دوافعها الحقيقية المستترة واضحة لكل ذي عقل ولا تخفى عن فطنة المواطنين المصريين.
إن الفتراتِ الأولى التي شهدت تدشين عديدٍ من المواقع الإخبارية جعلت هذا النوع من المواقع يشهد ازدهارًا ملحوظًا أدى إلى زيادة عدد زوارها بشكلٍ مضطرد وإقبال المعلنين عليها، إلا أن الواقع الراهن يؤكد أن ثمة نًذُرا لاندثار هذه المواقع.
 ومن بين هذه النُذُر تدني القيم المهنية لدى هذه المواقع، وقيام بعضها ببث الشائعات في أرجاء المجتمع بشكلٍ قد يكون مستهدفًا ومقصودًا أو بسبب المنافسة بينها على السبق الصحفي على حساب المهنية.
وثمة إشكالية أخرى يجب أن تواجهها هذه المواقع، وهى إشكالية انفضاض المستخدمين عنها في الأونة الأخيرة بشكلٍ ملحوظ؛ فبعد أن تحول مئات الآلاف من القراء من الصحافة المطبوعة إلى الصحافة الإلكترونية والمواقع الإخبارية بشكلٍ أثر في توزيع هذه الصحف، فقد تحول الآن مئات الآلاف من مستخدمي هذه المواقع إلى شبكات التواصل الاجتماعي يستقون منها الأخبار من خلال الروابط المتاحة للأخبار والموضوعات التي تلقى رواجًا بين مستخدمي هذه الشبكات، بل إن الصحف والمواقع الإخبارية والصحف المطبوعة ووكالات الأنباء أصبح لها صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي في عملية تشبيك غير مسبوقة Social Sites Networking. وإذا كان الأمر كذلك فالسؤال الذي أطرحه على المؤلف بصفته أحد صُناع المواقع الإخبارية: لماذا يدخل الناس إلى المواقع ما داموا يجدون مضمونها الأكثر رواجًا متاحًا على قارعة مواقع التواصل الاجتماعي؟ ولماذا يدخل الناس إلى المواقع الإخبارية في حين أنها ذهبت إليهم في مواقع التواصل؟