الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في الذكرى الحادية عشرة لرحيله.. ننشر كلمة "نجيب محفوظ" بعد فوزه بنوبل

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوافق اليوم الذكرى الحادية عشرة على رحيل الأديب العالمي نجيب محفوظ أحد أقطاب الأدب في مصر والوطن العربي، حيث توفي 30 أغسطس 2006 عن عمر يناهز 94 عاما، وترك أعماﻻ أدبية تحول العديد منها إلى أعمال درامية وسينمائية حصلت على الكثير من الجوائز، وفي هذه الذكرى وتنشر البوابة نيوز نص الكلمة التي كتبها محفوظ وقرأها الكاتب محمد سلماوي في حفل استلام جائزة نوبل.
إلى نص الكلمة: "سادتي..أخبرني مندوب جريدة أجنبية في القاهرة بأن لحظة إعلان اسمي مقرونًا بالجائزة ساد الصمت وتساءل كثيرون عمن أكون. فاسمحوا لي أن أقدم لكم نفسي بالموضوعية التي تتيحها الطبيعة البشرية. أنا ابن حضارتين تزوجتا في عصر من عصور التاريخ زواجًا موفقًا، أولهما عمرها سبعة آلاف سنة وهي الحضارة الفرعونية، وثانيتهما عمرها ألف وأربعمائة سنة وهي الحضارة الإسلامية. ولعلي لست في حاجة إلى تعريف بأي من الحضارتين لأحد منكم، وأنتم من أهل الصفوة والعلم، ولكن لا بأس من التذكير ونحن في مقام النجوى والتعارف.
وعن الحضارة الفرعونية لن أتحدث عن الغزوات وبناء الامبراطوريات فقد أصبح من المفاخر البالية التي لا ترتاح لذكراها الضمائر الحديثة والحمدلله. ولن أتحدث عن اهتدائها لأول مرة إلى الله سبحانه وتعالى وكشفها عن فجر الضمير البشري، فلذلك مجال طويل فضلا عن أنه لا يوجد بينكم من لم يلم بسيرة الملك النبي إخناتون، بل لن أتحدث عن انجازاتها في الفن والأدب ومعجزاتها الشهيرة الأهرام وأبو الهول والكرنك. فمن لم يسعده الحظ بمشاهدة تلك الآثار فقد قرأ عنها وتأمل صورها. دعوني أقدمها- الحضارة الفرعونية- بما يشبه القصة طالما أن الظروف الخاصة بي قضت بأن أكون قصاصا، فتفضلوا بسماع هذه الواقعة التاريخية المسجلة.
تقول أوراق البردي أن أحد الفراعنة قد نما إليه أن علاقة آثمة نشأت بين بعض نساء الحريم وبعض رجال الحاشية. وكان المتوقع أن يجهز على الجميع فلا يشذ في تصرفاته عن مناخ زمانه. ولكنه دعا إلى حضرته نخبة من رجال القانون، وطالبهم بالتحقيق فيما نما إلى علمه، وقال لهم إنه يريد الحقيقة ليحكم بالعدل. ذلك السلوك في رأيي أعظم من بناء امبراطورية وتشييد الأهرامات وأدل على تفوق الحضارة من أي أبهة أو ثراء. وقد زالت الإمبراطورية وأمست خبرا من أخبار الماضي، وسوف يتلاشى الأهرام ذات يوم ولكن الحقيقة والعدل سيبقيان مادام في البشرية عقل يتطلع أو ضمير ينبض.
وعن الحضارة الإسلامية فلن أحدثكم عن دعوتها إلى إقامة وحدة بشرية في رحاب الخالق تنهض على الحرية والمساواة والتسامح، ولا عن عظمة رسولها. فمن مفكريكم من كرمه كأعظم رجل في تاريخ البشرية. ولا عن فتوحاتها التي غرست آلاف المآذن الداعية للعبادة والتقوى والخير على امتداد أرض مترامية ما بين مشارف الهند والصين وحدود فرنسا. ولا عن المآخاة التي تحققت في حضنها بين الأديان والعناصر في تسامح لم تعرفه الإنسانية من قبل ولا من بعد. ولكني سأقدمها في موقف درامي- مؤثر- يلخص سمة من أبرز سماتها. ففي إحدى معاركها الظافرة مع الدولة البيزنطية ردت الأسرى في مقابل عدد من كتب الفلسفة والطب والرياضة من التراث الإغريقي العتيد. وهي شهادة قيمة للروح الإنساني في طموحه إلى العلم والمعرفة. رغم أن الطالب يعتنق دينًا سماويًا والمطلوب ثمرة حضارة وثنية.
قدر لى يا سادة أن أولد فى حضن هاتين الحضارتين. وأن أرضع لبنهما واتغذى على أدابهما وفنونهما. ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة.
ومن وحى ذلك كله بالإضافة إلى شجونى الخاصة ـ ندت عني كلمات. أسعدها الحظ باستحقاق تقدير أكاديميتكم الموقرة فتوجت اجتهادى بجائزة نوبل الكبرى. فالشكر أقدمه لها باسمي وباسم البناة العظام الراحلين من مؤسسى الحضارتين."