الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القمر وتراتيل الصباح وأنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في كل صباح وقبل بزوغ الشمس أخرج من بيتي بخطوات شامخة متوجها لأم الكنائس (كنيسة القيامة المقدسة) لفتح أبوابها بالمفتاح المقدس، ما أجمل رائحة الصباح عندما يتنفس، أتجول فى أزقة البلدة القديمة الساكنة وكلى عشق وشوق يزداد يوما بعد يوم.
عند وصولى إلى الكنيسة المقدسة وقبل أن يحين موعد فتح الكنيسة أقف على بُعد خطوات من البوابة المقدسة، ناظرًا إلى هذا الصرح الجميل، والذى يحضرني كلما وصلت إلى باحاته المقدسة، والذي يذكرني بالآباء والأجداد والذين خدموا أم الكنائس على مر العصور، هنا يبدأ قلبي بالخفقان وتدمع عيناي، أجلس في المكان لآخذ قسطا من الراحة، المكان هادئ نسبيا، من داخل الكنيسة تسمع أصوات تراتيل صلوات الصباح، فى ظل هذا السكون أنظر إلى السماء باحثًا عن القمر الذى بنوره يضىء المكان، أرى القمر في كل يوم بأشكال متعددة يا لهذا المنظر الجميل!! أراه دائما مبتسمًا وكأنه يرحب بى فى كل صباح عند وصولي إلى باحة أم الكنائس، نعم إنه صديقي اليومي، في بعض الأحيان أحدثه عن ما يجول في صدري من أوجاع لأخفف عن نفسي؛ فأنا أيضًا إنسان، نعم إنه القمر وتراتيل الصباح وأنا، هذا هو عشقي المقدس.
كيف لي أن لا أعشقها وقد وصفها مجير الدين الحنبلي بأنها «الجوهرة الثالثة في القدس الشريف بعد قبة الصخرة المشرفة وقبة الأقصى والمسجد القبلي».
أذكر بأن الإيمان بالحقائق الدينية منبع كل طمأنينة نفسية وشعور بالأمن الروحي، فالمؤمن بالله شخصية سوية تتمتع بكل مقومات الحياة السعيدة وأنا إنسان مؤمن بالله وكتبه ورسله جميعًا.
نعم في الحقيقة المكان خالٍ من البشر لا أحد سواي فى هذه الباحة المقدسة ينتظر حلول الساعة لفتح أبواب الكنيسة، لكنني لا أراها بخالية فأنا أراها مكتظة بالكهنة والمصلين والزوار تمامًا، كما أراها في ساعات الصباح، أليست هي أم الكنائس؟ هنا أردد لكل هؤلاء الذين أراهم في مخيلتي قصيدة الشاعر نزار قباني، حينما أنشد فقال: 
بكيت.. حتى انتهت الدموع
صليت.. حتى ذابت الشموع
ركعت.. حتى ملّنى الركوع
سألت عن محمد، فيكِ وعن يسوع.....
أفتخر بانتمائي لهذا البلد المقدس العظيم، في هذه البقعة المقدسة تشتم رائحة هذا التاريخ العظيم، البارحة كان والدي رحمه الله، يجلس في المكان ذاته الذى أجلس به الآن، وكأنني أسمعه وهو يتمتم سورة التكوير من القرآن الكريم فيقول: 
{وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ}… ثم يقول: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}.
يا الله… وكأن الصبح من وطأة ظلمة الليل قد أرهق بالظلمة، ثم أخذ يتنفس، وطبعًا أنا أردد هذه الآية ذاكرًا ومترحمًا والدي، والذي أدخل هذا العشق إلى قلبي فعلمني آداب حضور الكنيسة، وهي نقاط كثيرة تعلمها من آبائه وأجداده، فأصبحت أعشق هذا المكان المقدس.. نعم فهو عشقي المقدس.
اليوم حدثتكم عن مشاعري تجاه هذا الصرح العظيم والمقدس ألا وهي كنيسة القيامة المقدسة (أم الكنائس)، في كل مقابلة صحفية أو تليفزيونية تكثر الأسئلة فيها عن أمانة مفاتيح كنيسة القيامة، ودور وتاريخ عائلتي وخدمتها للكنيسة المقدسة، وعن الأعياد والمناسبات، اليوم لم أتحدث عن هذا بتاتا، اليوم أتحدث عن مشاعري الشخصية تجاه هذا الصرح الديني العظيم، والذي أدعوه أنا شخصيًا بعشقي المقدس.
نعم إن أم الكنائس هي بيتي الثاني، ولم أذكر في مقالتي هذه سوى بعض من عشقي لها، في هذا الصرح التاريخي العظيم أجد الهدوء والسكينة وأشتم رائحة التاريخ العظيم تاريخ الأجداد والآباء رحمهم الله جميعًا.