الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

الشيخ أمين الخولي.. رائد المنهج التنويري

مجددون فى طى النسيان

الشيخ أمين الخولى
الشيخ أمين الخولى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أساء البعض فهم الاجتهاد والتجديد على أنه مجرد إظهار معايب الفقهاء القدامى وتتبع زلات العلماء، فى حين اعتبر البعض من الظاهرية ودعاة النصوص أن أضابير الكتب والمخطوطات الإسلامية، التى أخرجتها عقول الفقهاء والمفكرين الإسلاميين فى الزمن القديم، هى العلم والرقى من دون أى محاولة للاستفادة منها فى أحوال معاشنا الراهن، بصورة أو بأخرى، وكأنهم يكتفون بأن يكون إحياء التراث هو عامل استنفار انفعالى فحسب يحفزنا إلى العمل، كالأغانى القومية وموسيقى المناسبات.
ما سبق هو ما جعل الشيخ «أمين الخولي» يجتهد وفق اجتهاد عصره ويهتم بجملة من القضايا الدينية المعاصرة ليصبح إمام المجددين.. الشيخ أمين عُرف بزيه الأزهرى المميز، ووقاره المهيب، وبريق عينيه وملامحه المتفردة، وبحكم رئاسته لقسم اللغة العربية بكلية الآداب فى جامعة فؤاد الأول والقيام بأعمال العميد لفترات قصيرة.
هو أمين إبراهيم عبدالباقى عامر إسماعيل يوسف الخولي، وُلد للمزارع «إبراهيم الخولي» والسيدة «فاطمة بنت الشيخ على عامر الخولي» من عائلة «الخولي» أبا وأما من «قرية شوشاى التابعة لمركز أشمون فى محافظة المنوفية»، كان طالبا بمدرسة القضاء الشرعى وقريبا من قلب وعقل ناظرها «عاطف بركات» ابن شقيقة زعيم الأمة «سعد زغلول».

اعتقل مع «سعد باشا» فى ٨ مارس ١٩١٩، واشتعلت الثورة بداية من يوم ٩ مارس ١٩١٩، فحمل «الخولي» علم مدرسة القضاء الشرعي، وقاد المظاهرة إلى (الأزهر)؛ حيث تقرر أن يتجمع طلاب مدارس القاهرة، وحاصرهم حكمدار القاهرة بجنوده وهددهم بإطلاق الرصاص إذا لم يتفرقوا.
وتقدم قابضا على العلم وكاشفا صدره قائلا «ها أنا ذا»، وتماسك الطلاب وتراجع الحكمدار وانسحب الجنود وسارت المظاهرة تهتف بالاستقلال وبحياة سعد، وتطالب بالإفراج عن زعيم الأمة، وعندما وصلت المظاهرة إلى ميدان باب الحديد «رمسيس حاليا» قاد «الخولي» المظاهرة إلى حى الفجالة، وهو يهتف بصوته القوى بحياة الأقباط «الإخوة فى الوطن وبحياة الهلال مع الصليب».
كان الشيخ أمين يرى أن الشخصية المصرية عقيدة يخفق بها قلب المصري، ويرى أن ما بين مسلمى مصر وأقباطها أقرب مما بينهم والمسلمين الأتراك، يوما ما قتل الإنجليز صبيا صغيرا لأب فقير يبيع القباقيب حملت المظاهرة جثمان الصبى واندفع «الخولي» يهتف (فلتسقط بريطانيا السفلى)، وقال قولته المشهورة «صاحب القبقاب أفضل من ملك بريطانيا الكذاب».
عندما ولد الملك فاروق عام ١٩٢٠ ومنحت المدارس إجازة للاحتفال بهذه المناسبة، حرض «الخولي» طلاب المدرسة على ألا يشاركوا فى الإجازة، وأن يحضروا إلى المدرسة مشاركة فى الهمس العام الذى كان يحيط بظروف مولد «فاروق».
كان «أمين» ابن قرية (شوشاي) وابن (مدرسة القضاء الشرعى) مصريا أصيلا معاديا للاحتلال الإنجليزى مطالبا باستقلال الوطن، ومؤمنا بوحدة الشعب العظيم، وابنا بارا للثورة الشعبية الكبرى «١٩١٩»، ووقف فى صف الديمقراطية فرأى معسكر ٢٣ يوليو ١٩٥٢ أن يبعدوا «الخولي» عن الجامعة فصدر قرار فى ٢٢ يونيو عام ١٩٥٣ بأن ينقل «أمين الخولي» إلى دار الكتب مستشارا، لا يستشار، ثم مديرا عاما لإدارة الثقافة التابعة لوزارة التربية والتعليم، إلى أن أتم الخدمة الحكومية فى أول مايو عام ١٩٥٥، إذ أنه ولد عام ١٨٩٥.

رسالة الأزهر
أرسى الشيخ أمين الخولى دعائم منهج التجديد والاستنارة، على ما سماه «التفسير البيانى للقرآن». كان محور هذا الضرب من التفسير هو إظهار الإعجاز البلاغى للقرآن، لكنّ الخولى يرى أنّ ما ألّف فى هذا الغرض من التفاسير السابقة ينطلق فى معالجته للنص من منطلق دعوى وتراثي، لذلك كانت الجهود مسخّرة لغايات دفاعيّة عن الإسلام، ولم تكن العناية بالجانب البيانى اللغوى غاية فى حدّ ذاتها. ويتحدد مدخل التجديد عند الخولى والمدرسة الحديثة كلها فى وظيفة المفسّر أوّلًا، وفى مكانة النصّ المفسّر ثانيًا، فليس مقبولًا عند الخولى أن يظلّ التفسير المعاصر مجرّد أداة لاختيارات مذهبيّة وتوظيفات دعويّة مهما كانت أهمّيتها.
تقول عنه حفيدته الدكتورة يمنى طريف الخولي، أستاذ فلسفة العلوم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب فى جامعة القاهرة، إن «جدى شخصية عملاقة فى تاريخ النهضة المصرية والحداثة العربية، عطاؤه باذخ فى كثير من المجالات، متعدد الزوايا، والصلب المحورى والإطار الهيكلى يتلخص فى كلمتين هو أنه شيخ المجددين بلا منازع، فهو شيخ المجددين فى الأصولية وشيخ الأصوليين فى التجديد».
وتضيف: التجدد عند أمين الخولى فلسفة للفكر والخطاب الدينى ورسالة حضارية ومهمة ثقافية، فالنص الدينى عنده رحلة حضارية يطلق عليها الدوائر المعرفية التى تجعله يحلق حول هذا النص.
وتستكمل: «الخولى يعطينا مثالا نموذجيا منشودا عن حديث الأصالة وتأصيل الحداثة، لا شطط لا ذات اليمين ولا ذات اليسار، لا يميل إلى الحداثة الغربية ولا يميل للأصالة، فينجرف إلى الاغتراب عن الزمان، فهو رائد التنوير الفعال الذى يعنى تأصيل الحداثة وتحديث الأصالة، وكان ميدان عمله وخامة بحثه هو التجديد والبحث عن الأفكار الجديدة، كما انه احترم الخصوصية الثقافية للأمة الإسلامية وسعى لتحديث الواقع استجابة لتحديات العصر الراهن».
وترى «الحفيدة» أن جدها كان لديه تصور للفكر والحياة كإنسان فذ الشخصية، وكعالم لغوى لا يُشق له غبار، وكأستاذ من جيل الرواد الذين اضطلعوا بعبء تمصير الجامعة، وكمفكر هو واحد من التجديديين العِظام. وتقول: كنت طبعًا قد قرأت له وعنه بعض الشيء، فى إطار قراءاتى الغزيرة المتنوعة، ومنذ بواكير الصِّبا لا يمر عليَّ يوم دون أن أفتح كتابا له.
وتتابع: أعترف بأننى لم أكن أتوقف إزاء قضية التجديد ومجدديه وضرورته الحضارية، وأبعاده الفلسفية وتشغيلها فى منظومتنا الثقافية، لم أكن لأتوقف بإزاء هذا منذ البداية وحتى لقائى الحقيقى الواعد بأمين الخولي.
عندما تطلع على «كتاب الخير» و«مناهج تجديد» و«المجددون فى الإسلام» تجدها كتبا متقدمة فى مجالها، ومن يقترب من الجذوة المضرمة فى عقليته وفى أسلوبه لطرح الأفكار القادرة على تثوير كل خلجة بعقل المتلقي، فى خضم وابل من المنهجية والرصانة والدقة والعمق والاستنارة التى تفيض بها أعمال الخولي، كذلك توضح حفيدته: أنا أتتبع الخولى فى جولاته بأنحاء التراث وصولاته لتجديده، كنت أستجمع فرائد كنز من الأصول المنهجية للنظرة الحضارية التى لا تنفصل أبدًا عن ذاتها وعن تراثها، ما دامت تراه قابلًا للتجديد والتطوير، وأدركت كم كان بصرى حسيرًا، وكانت تلك فاتحة لسلسلة من الزلازل.
وتختم د. يمنى الخولى كلمتها عن جدها، فتقول: «رفع الخولى شعاره الشهير والسديد «أول التجديد قتل القديم فهما وبحثا ودراسة»، أما إذا مضى المجدد برغبة فى التجديد مبهمة، وتقدم بجهالة للماضى وغفلة عنه، يهدم ويحطم، فذلكم - وقيتم شره - تبديد لا تجديد، هكذا كان الخولى يبث ويشمئز ويتهكم على كل من لا يفعل ذلك».

مدرسة فكرية
عن حياته الشخصية، يقول عنه الدكتور إسماعيل عبدالرحمن، شقيق زوجته، التى كانت بنت الشاطئ فريدة عصرها وأستاذة زمانها فلقد جمعت بين مدرستين مدرسة أبيها الذى كان من كبار علماء مشيخة دمياط، تلك المدرسة القائمة على محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام، ومدرسة زوجها فضيلة الأستاذ الدكتور أمين الخولى رحمه الله تعالى، التى ركزت على دور العقل والفكر فى النهوض بالأمة، الدكتورة عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطئ» أحبت زوجها أمين الخولى حد الجنون حتى تمنت اللحاق به بعد وفاته، والتى ما فتئت تكرر تأثرها به علميا وأدبيا قالت قولتها المشهورة عند وداعه «على عينى اقتحم ناس غرباء مخدعه لتجهيز جسده للرحلة الأخيرة».
التجديد «حماية الدين»
وحول فكر التجديد عند الشيخ أمين الخولي، يقول الدكتور أحمد سالم، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا وصاحب كتاب «الإسلام العقلانى التجديدى الدينى عند أمين الخولي»: «التجديد عند الخولى هو حماية للدين، وجعله مسايرا لتغيرات الحياة، ويبدأ التجديد عنده من استيعاب القديم وتجاوزه، وضرورة التحرر من الماضي، والتقيد به والوقوف عند حدوده التى وقفت بطبيعة الأمور عند المستوى العقلى والاجتماعى لأهل هذا الزمن الماضي، ويتجه التجديد بعد ذلك من خلال إدراك الكليات العامة التى جاء بها الإسلام، وتقديم رؤية مستنيرة لها وفقًا لظروف المجتمع، ومتطلبات الواقع».
ويضيف «سالم»: «تمحورت دعوة التجديد عند أمين الخولى فى التركيز على البعد الاجتماعى للإسلام، أى على البعد الدنيوي، ولم يخض كثيرا فى الإطار الغيبى للإسلام إلا باعتباره دافعا للحياة الدنيا، وبدا له الإسلام محاولة إصلاحية كبرى لتنظيم روابط الجماعة الإنسانية، وتنسيقا للنفس البشرية فى صور وجودها المختلفة، من وجود فردى مستقل، ووجود جماعى شامل، على اختلاف أحوال الجماعات التى يندمج المرء فيها، ويرى الخولى أن الإسلام لم يأت فى المشكلات الاجتماعية بغير الكليات العامة القابلة للتفسير فى كل زمان، فالقرآن عودنا فى تدبيره الاجتماعى ألا يمس سوى الأصول الكبرى للإصلاح تاركا وراء ذلك من تفصيل للتدرج الحيوي، والجهاد العقلى الإنساني، لينتفع فى ذلك بكل ما يسعفه عليه نشاطه، ويؤهله له تقدمه، ويقدر الإسلام فى ذلك اختلاف الأحوال وتغير الزمان، وفى ضوء الكليات العامة للقرآن رأى الشيخ أمين الخولى مشكلة المال فى القرآن، فيرى أن القرآن قدر للإنسان حب التملك».