الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

وحي الكتاب المقدس.. رؤية مصلحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعبير «كل الكتاب هو موح به...» ترجمت«موح به Θε٫πνευστος»، وهذا تعبيرٌ غاية فى الأهميّة، ولن نقف على فهمٍ دقيقٍ لعقيدة الوحى إلّا بعد دراسته وفهمه فهمًا صحيحًا. وربّما كان ينبغى أن نجد فى اللّغة العربيّة مرادفًا أمينًا لهذا التّعبير غير كلمة «وحى». فالمعنى الحرفى لهذا التّعبير هو (God-breathed)، أى «تنفّسات الله». هذه الكلمة مكوّنة من مقطعَين: الجزء الأوّل هو (Θε٫ς)، وهذا هو لفظ الجلالة فى اللّغة اليونانيّة؛ الجزء الثّانى هو (Πνε٫μα) والتى تعنى «روح، نَفَسٌ، ريح»، وتشير هذه الكلمة أيضًا إلى النَفَسِ الدّاخل والخارج من الإنسان (الشّهيق والزّفيـر). وتشير مرّاتٍ أخرى إلى الحياة، فنَفَسُ الإنسان هو حياتُه. وتستخدم فى كتابات شعريّة لتصف الصّوت الذى يحدثه لعبُ الإنسان على آلة الفلوت. وقد ترجمت السّبعينيّة (LXX) كلمتى (نَفَس، وروح) بهذه الكلمة اليونانيّة. بهذا المعنى، يصبح الكتاب المقدّس كلمات الله التى تنفسها. 
ويشير إدوارد يونج، اللّاهوتى الشّهير، وعالم دراسات العهد القديم المعروف، إلى أنّ معظم التّـركيبات اللّغويّة اليونانيّة التى تتشابه مع مصطلح Θεόπνευστος كمصطلحات: Θεοδίδακτοί، Θεογνωστος، Θεοδοτος، Θεοκινήτος، Θεοπεμπτος تأتى بصيغة المبنى للمجهول. ويؤّيده فى هذا الطّرح هيرمان باﭬـنيك (١٨٥٤م-١٩٢١م). لننظر إلى قول الرّسول بولس فى رسالته الأولى إلى تسالونيكى ٤: ٩: «وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ (Θεοδίδακτοί) مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا». وبالقياس، يقترح يونج أن تتـرجم كلمة Θεόπνευστος «نُفِخَت من الله»، يؤكّد هذا التّعبير على حقيقة أنّ الكتاب المقدّس جديرٌ بالتّصديق بالنّظر إلى مصدره الإلهى. كما أنّه يشير على تلك العلاقة الجوهريّة بين عمل روح الله وبين النّصّ المكتوب فى المخطوطات الأصليّة.
بالإيجاز، يمكن أن نقول إنّ هذا التّعبير لا يتحدّث بالضّرورة عن «الكيفيّة» التى وصل إلينا بها الوحى، التى هى متعدّدة ومعجزيّة، بل التّأكيد فى هذا المصطلح هو على أنّ «الأصل» (ultimate origin) فى الوحى هو الله نفسه، الذى «زَفَرَ» هذا النّصّ. وهذا ما يطرحه سينكلير فيرجسون فى قوله «إنّ التّركيز موضوعٌ هنا لا على الكيفيّة التى أُوحى بها الكتاب المقدّس، بل على مصدره الإلهى». «فالكتاب المقدّس ليس إنتاج عبقريّة بولس، ولا شاعريّة داوود، وبساطة عاموس. الكتاب المقدّس هو إنتاج الله، قبل كلّ شىء»، مع كلّ التّقدير لعقليّة بولس المنطقيّة، وشاعريّة داود، وبساطة عاموس. يرى كالـﭭـن أنّ الرّوح القدس سمح أن يكتب بعض الأنبياء بأسلوب شائق ورائع وجذّاب، كذلك نرى البعض الآخر يكتب بطريقة بسيطة عاديّة، كإرمياء أو عاموس. لقد استخدم الله فى كتابه للإنسان أساليب مختلفة، تعبّر كلٌ منها عن شخصيّة المؤلف، فاستخدم «علم موسى، وشاعرية إشعياء، وسذاجة عاموس، وحكمة سليمان، وفلسفة بولس، وتصوّف يوحنّا، وبساطة بطرس، فانطبعت شخصيّة كلّ كاتب على كتاباته، لكنّ روح الله كان يسوق الجميع فيما كتبوا».
يجب أن يكون واضحًا لنا، كما يحاجّ ﭼـون ستوت، فى معرض حديثه عن هذا التّعبير المهمّ، أنّ هذه الكلمة اليونانيّة لا تعنى أنّ الله - تبارك اسمه - نفخ فى عقول الكتّاب البشريّين حتّى ما يكتبوا لنا حقًّا إلهيًّا، باستنارةٍ روحيّةٍ حصلوا عليها؛ كذلك فليس المقصود هو أنّه نفخ فحوّل «نثرهم» إلى «شعرٍ إلهى»، بل المعنى الدّقيق لهذا المصطلح هو أنّ ما زَفَرَه الله، كتبوه. الكتاب المقدّس، إذن، ليس كتابًا بشريًّا تألّه، بل هو كتاب إلهى-المصدر، زفره الله، ليصل للإنسان، عن طريق أناس الله القدّيسين.
مدير مركز مسيحية الشرق الأوسط بكلية اللاهوت الإنجيلية