الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرشادة في الحكم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تثير قضية الرشادة فى الحكم التى تضمنها كتاب الحرب والسلم والحكم للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف كثيرا من الإشكاليات الفكرية، فالمؤلف يقول: "إن العنوان الأبرز لأى حكم رشيد هو تحقيقه لمصالح العباد والبلاد وعلى أقل تقدير مدى عمله لذلك وسعيه إليه، فأى حكم يسعى إلى تحقيق مصالح العباد والبلاد فى ضوء معانى العدل والمساواة والحرية المنضبطة بعيدا عن الفوضى والمحسوبية وتقديم الولاء على الكفاءة هو حكم رشيد، فكل حكم يعمل على توفير الحاجات الأساسسية للمجتمع من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وبنى تحتية من صحة وتعليم وطرق ونحو ذلك مما لا تقوم حياة البلاد إلا به فإنه يعد حكما رشيدا".
أول ما يثيره هذا التعريف للرشادة فى الحكم فكرة هل الرشادة فى المنهج أم الرشادة فى التطبيق؟ والواضح من تعريف المؤلف أنه يتحدث عن الرشادة فى التطبيق حيث يقول أى حكم فهو يتحدث عن نتائج وليس عن نظام وآليات.
ومع الاخذ فى الاعتبار أن المؤلف يتحدث فى الإطار الإسلامى ـ يصبح السؤال هل المنهج الإسلامى هو وحده الذى يحقق الرشادة فى التطبيق وحين نقول: المنهج الإسلامى فإننا نشير إلى أمرين هما نصوص القرآن والسنة التى تناولت قضية الحكم فى الإطار العالم، وكذلك النظم التى استنبطها المسلمون على مدى تاريخهم حتى يومنا هذا مستوحاة من الكتاب والسنة وما فعله المسلمون الأوائل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما استنبطه المفكرون والمنظرون المسلمون وقعدوا له القواعد مما سموه السياسة الشرعية.
هذه الأسئلة تأخذنا إلى أسئلة الكاتب السعودى عبد الله الدويس الذى قارن فى مقال رائع بين المواطن فى البلاد العربية وما يعانيه رغم وجود القرآن السنة الذين يدعوان إلى العدل والرحمة التسامح والرافة والإنصاف ووجود الوعاظ الذين يذكرون الناس بهذه القيم صباح مساء وبين دولة السويد وما يتمتع به المقيمون فيها من حقوق ويسر وعدل سواء من مواطنيها أو من غيرهم رغم أن السويد ليس بها قرآن ولا سنة ولا وعاظ.
الدكتور جمعة يتحدث عن المواصفات التى من خلالها نحكم على أى حكم بالرشادة والكاتب السعودى يتأمل واقعا محيرا دفعه لان يدعو الله بأن يجعل إقامتنا فى البلاد العربية شفيعا لنا يوم القيامة.
والحيرة تتمثل فى أنه يرى ما يفترض أن يتحقق به العدل والرخاء والرأفة والتسامح من المجتمعات لا يتحقق.
هذا الكلام يوقفنا أمام فكرة أن الرشادة فى المنهج لا تعنى رشادة فى التطبيق فالمنهج الرشيد بالنسبة لنا نحن المسلمين هو ما اختاره الله لنا وأمرنا به من قواعد عامه فى الحكم والإدارة من شأنها أن تكون إطارا لدستور رشيد،وهو ما تحرص عليه البلاد العربية فى دساتيرها التى تجعل فى غالبيتها الشريعة الاسلامية مصدرا رئيسيا أو وحيدا للتشريع،لكن هذه الدساتير لا تحقق العدل المطلوب كما هو واقع كثير من البلاد العربية لأنه لا يتم تطبيق ما جاء فى الدستور وما اسفر عنه من قوانين بشفافية وتجرد. ليس هذا فقط بل كثيرا ما استغل فى تكريس ظلم يرضى الناس به لأنه من عند حاكم يرفع شارة الدين بما تضفيه هذه الشارة من قدسية وقد كان مجرد اجتياح حاكم غالب لبلد مسلم كفيل بأن يخضع الناس له لأنه خليفة فى حين أن قضيته هى السيطرة كبقية الطامحين والمغامرين وليس أدل على ذلك من إعلان بونابرت إسلامه وكذلك كليبر. 
فى المقابل قد يجتهد قوم فى وضع دستور من بنات عقولهم لكنهم يطبقون ما أسفر عنه من قوانين ارتضوها بعدالة وتجرد والتزام لا استثناء فيه ولا محسوبية فنجد آثاره فيما أشار إليه الكاتب السعودى فى نموذج السويد، ولا يعنى ذلك عيبا فى الدستور القائم على قرآن وسنة وليس ميزة فى الدستور الوضعى الذى اختاره الناس أى ناس، وإنما العيب والميزة فى أولئك الذين يطبقون هذا وذاك.
انتبه إلى هذه الحقيقة ابن تيمية فى مقولته التى صارت حكمة بالغة: "إن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة ". 
الطريف فى المقولة هذه التى نقلها الدكتور محمد مختار جمعة فى الكتاب أن صاحبها جعل معونة الله مصاحبة للدولة العادلة مكافأة لها على عدلها بصرف النظر عن دينها وجعل التخلى عن إعانة الدولة المسلمة الظالمة عقابا لها على إدراكها الصواب والتخلى عن تطبيقه؛ لأنه لا نصر لديه إلا من عند الله.
هذا الكلام يذكرنا بمن قال إعطنى قانونا ظالما وقاضيا عادلا ولا تعطنى قاضيا ظالما وقانونا عادلا.
إذن فالرشادة الحقيقية فى الإنسان الذى يطبق الصواب والنور الذى منحنا إياه ربنا أو يتخلى عنه وعليه فإن نجاح الأمم يدور حول العدل حيث دار.