الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف تصنع قصتك الصحفية المتفردة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


كان هذا المشهد القديم لافتًا ودالاً تمامًا على تحولات إعلامية مقبلة، كان التوقيت هو الحرب الأمريكية على العراق في العام 2003، وقد سبقه اتهام العراق بحيازة أسلحة نووية، كان المشهد المنقول فضائيًا معبرًا، فضائيات تنقل صور وميض الصواريخ وهى تعلو ثم تسقط على بغداد، كانت شيئًا يشبه ألعاب النيران، مجرد أضواء في السماء تمرق كالسهم، دون أن يتزامن مع ذلك بث حي عمَّا يصنعه كل ذلك بالناس والأرض والجغرافيا، توحدت الصورة الفضائية، وأينما تجولت بين قنوات غربية أو عربية كانت تلاحقك الصور والمشاهد الواحدة، جميعها من منصة نقل واحدة، تعددت القنوات وثبت مشهد الصور المنقولة، ممثلة في تلك الومضات، التي هي بالطبع صواريخ مدمرة، وقد تم تجريدها تخفيفًا للأثر.
كان ذلك تعبيرًا مهمًا عن القصة الكبيرة التي ينقلها الجميع بلا اختلاف كبير، كان ذلك درسًا مهنيًا عن كيفية السعي نحو بناء تفاصيل مختلفة وقصص متنوعة مع مشهد حدث رئيس مهم وضخم، هو مسيطر بطبيعته، لكن لم تصاحبه فروق نوعية في التغطية، حيث ثبت النقل وتوحدت المعالجات.
يعبر ذلك ويقول شيئًا مهما عن بيروقراطية الأداء الإعلام والصحفي، كما يقول أيضًا الكثير عن جهود مهنية مقابلة ضرورية للتعامل مع الحدث الرئيسي، والقدرة الصحفية على بيان اختلاف في المتابعة وبناء محتوى متمايز وأكثر تنافسية.
سيقابل الصحفي هذه القصة المركزية ففي الأحداث الجارية اليومية في كل مجال، في الصحة، كما ففي التموين وفى التعليم، كما في الثقافة، في كل مجال هناك يوميًا القصة الكبيرة التي يذهب الجميع من أجلها.
سيحضر كل الصحفيين المعنيين بتغطية مجالات تخص ذلك المشهد الكبير وينقلون وقائعه، ستتشابه الوقائع المنقولة حتما نقلاً عن حديث شخوص المؤتمر، أو أبعاد ما يحدث وتضميناته، يستطرد البعض ويختزل البعض، وسيتشابه حتمًا معه آخرون قاموا بتغطية الحدث.
سيقع الكثيرون في فخ إخلاص التفرغ للحدث الكبير، العنوان المسيطر وسينقلونه، وهو مجال عمل مهم ودوري ومطلوب، لكن وما لم ينشغل الصحف قبل ذهابه وأثناء تغطيته لذلك الحدث بسؤال مهنئ لافت، يستعد له ويقوم عليه بتركيز، يخص البحث عن القصة الأخرى الموازية على متن الحدث المركزي، الذى يملك الجميع تفاصيله، سيكون التكرار حال التغطية، فهي متاحة باستطرادات أو اختزالات للوقائع ذاتها في صحف شتى، وهنا لن يفتقد القارئ قصة الصحيفة أو يفضلها، ويوصى بها فضلا عن مشاركتها تقديرًا على مواقع التواصل.
الحل دائمًا فتى النظر تحت اللافتة المهيمنة، وابتداء العمل على القصة الخاصة منذ الوهلة الأولى للتفكير والتخطيط للتغطية الإعلامية، الشغف بمساحة التفرد المهني الذى تملكه وحدك في ظل انشغال الجميع بالقصة المهيمنة وتفاصيلها، ومن دون أن يعنى ذلك مطلقًا أن يترك تغطيتها، فهي بالتأكيد من واقع موضوعها وشخوصها لها حضورها وأهميتها، بل هي في أحيان كثيرة مدخل لبناء قصتك المتفردة ذات الوقائع المتمايزة، لكن التركيز يمنح فرصًا لقصة منفردة موازية، قد تكبر، لتكون أحيانًا أهم من الحدث الرئيسي، لن يحدث ذلك في كل مرة بالقطع، لكن الوعى به في كل تغطية يفتح مجالاً للحصول على قصص صحفية كبيرة وكثيرًا.
التحلي بفكرة صناعة والتجهيز لقصة خاصة، أمر يجدر أن يتم تضمينه في مجال التدريب للإعلاميين والصحفيين، وفى مجال جلسات توزيع مهام التغطية اليومية لما يجرى من أحداث وشئون يهتم بها الناس، ليعبر الصحفي بمهارة نحو شاطئ احترافيته المهنية، ليكون مبدعًا وليس زائدًا رقميًا في عدد الصحفيين الحاضرين، سيحدث ذلك حين يظفر بقصته الخاصة ويعود متفردًا.