الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مقتدى الصدر في السعودية والإمارات .. زيارة قلبت الموازين!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حملت الزيارة التي قام بها الزعيم الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، إلى كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أبعادا ودلالات عميقة، لا يمكن معها إغفال الأهداف الاستراتيجية للزيارة، والتي تعد الأولى من نوعها لزعيم شيعي بحجم "الصدر" إلى أهم دولتين خليجيتين في دول المحور السني، وينتظر أن يختتم "الصدر" جولته العربية بزيارة القاهرة لتكتمل فصول التوجه العربي الجديد نحو العراق في المرحلة الراهنة، وهو ما يفرض التوقف أمام هذه الزيارة التي أدهشت الجميع، حيث كانت مفاجأة غير متوقعة، وجاء الفاصل الزمني بين الزيارتين بما لا يتجاوز أسبوعين، حيث زار "الصدر" السعودية في 31 يوليو الماضي، وتوجه إلى أبو ظبي في 13 أغسطس الجاري.
وعند التأمل والوصول إلى أهداف الزيارة وثمارها فلا يسعنا إلا تلخيص مشهدها بأنها في كل الأحوال زيارة قلبت كل الموازين.
وليس أدل على ذلك من أن الزيارتين جاءتا بدعوة رسمية من البلدين، أي أن السعودية والإمارات قدمتا دعوة رسمية إلى مقتدى الصدر لزيارتهما، وأكثر من ذلك، وطبقا للمكتب الإعلامي لمقتدى الصدر، فقد أرسلت الإمارات طائرة خاصة (ذهابا وإيابا) للصدر، وهنا وقفة عند أمر نظامي، وهو أن الدعوة تم تقديمها للصدر في وقت سابق من كلتا الدولتين، وقد تم التنسيق والاتفاق على تحديد موعد الزيارة، وهو ما يفسر تزامن تقديم الدعوة، وكذلك تزامن الزيارتين.
وبحسب المكتب الإعلامي للصدر، أيضا، تم تقديم دعوة رسمية من مصر لمقتدى الصدر لزيارتها وسوف يقوم بها في القريب، وهنا أيضا ربط مباشر بين تقديم دعوات رسمية من أكبر ثلاث دول عربية في المنطقة لرجل لا يحمل صفة رسمية في الدولة العراقية، إلا أنه زعيم تيار يتجاوز أنصاره المليون واقعين تحت طاعته وأمره، كما أن "الصدر" وإن كان ليس مسئولا رسميا في الدولة إلا أنه واحدا من أهم الزعماء في المشهد العراقي المؤثرين في صناعة القرار بفضل تياره وفصيله المسلح "سرايا السلام".
وأمام زيارة "الصدر" للسعودية والإمارات والزيارة المرتقبة لمصر فيتبادر للذهن مباشرة أنه قام بزيارة الدول الرئيسية المقاطعة لقطر، على خلفية رعاية وتمويل الأخيرة للتنظيمات الإرهابية وإيواءها مطلوبين قضائيا في قضايا الإرهاب في أكثر من دولة عربية، علاوة على التصريحات التي أطلقها، من قبل، أمير قطر عن إيران من أنها دولة ذات ثقل كبير وتطلع قطر إلى إقامة علاقات قوية معها.
ومن هنا يفهم أن سحب البساط من تحت القدم الإيرانية في العراق هي محور زيارات "الصدر" للسعودية والإمارات وقريبا مصر، وأن الهدف الاستراتيجي هو عودة العراق إلى بيته العربي بين أشقائه وليستعيد دوره الريادي كما كان قبل الغزو الأمريكي، بعيدا عن الهيمنة العراقية التي بدأت في أعقاب انسحاب الجيش الأمريكي من العراق، وهو ما فسره المحللون بأن أمريكا قامت بتسليم العراق إلى إيران تسليم مفتاح.
ويفهم أيضا لماذا اختيار "الصدر" تحديدا؟ فالصدر هو الزعيم الشيعي الوحيد الذي خرج من بيت الطاعة الإيراني، حيث خلافاته مع إيران منذ أربع سنوات، ومن قلب العراق هتف أنصار "الصدر" في تظاهرات حاشدة ضد الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي، وقد برزت الخلافات العلنية بين "الصدر" ونوري المالكي رئيس الحكومة العراقية السابق إلى العلن، حتى دعتهما إيران لنبذ الخلافات، حفاظا على مصالحها، ومارست ضغوطها على "الصدر" من أجل استمرار نفوذ "المالكي" في العراق الذي استمر ثماني سنوات كاملة، إلا أن "الصدر" عاد متمردا ولم يكن ينصاع لطلبات إيران، واستمرت المناوشات بين "الصدر" و"المالكي" من جهة وعدم الارتياح الكامل بين الصدر وإيران من جهة أخرى.
والمتأمل للمشهد العراقي منذ رحيل الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة أوباما ومجيء الإدارة الحالية للرئيس دونالد ترامب يتذكر أن تقليم أظافر إيران كانت واحدة من البنود الرئيسية في برنامج "ترامب"، حيث وعد ببحث إلغاء معاهدة الاتفاق النووي التي وقعتها إيران مع الدول العظمى، علاوة على تحجيم نفوذها في منطقة الشرق الأوسط والذي يبدأ من سحب بساط نفوذها من العراق.
وقد بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة بالفعل ممارسة ضغوطها على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لينخلع من الهيمنة الإيرانية وأن يقترب لمحيطه العربي من خلال دول المحور السني، كما لوحظ اللقاء الذي جمع بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في مقر إقامته بالقمة العربية الأخيرة في المملكة الأردنية الهاشمية وحيدر العبادي، والذي كان اللقاء الأبرز والأهم على هامش القمة بين الزعماء العرب، حيث قدم "سلمان" الدعوة لـ"العبادي" لزيارة السعودية وهي الدعوة التي لباها "العبادي" فيما بعد. 
وجدير بالذكر هنا أن لقاء "سلمان" و"العبادي" سبقه زيارة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى العراق في آواخر فبراير الماضي، وهي الزيارة الأولى من وعها لمسئول سعودي رفيع المستوى منذ الغزو العراقي للكويت، حيث جاءت الزيارة بعد أكثر من 25 عاما، وكانت الزيارة تمهد لتعبيد الطريق لاستعادة العلاقات بين بغداد والرياض إلى سابق عهدها، وإقامة علاقات طبيعية كاملة، ووعد "الجبير" خلال الزيارة بأن بلاده ستعين سفيرا جديدا لدى بغداد خلفا لثامر السبهان والذي يشغل حاليا وزير شئون مجلس التعاون الخليجي بالمملكة، حيث طلبت بغداد من الرياض مغادرته على خلفية تصريحاته بتدخل إيران في الشأن العراقي، كما انتقد مشاركة "الحشد الشعبي" في القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وتجدر الإشارة هنا إلى زيارات مشابهة لزيارات "الصدر" قام بها أيضا الزعيم الشيعي العراقي عمار الحكيم، زعيم التحالف الوطني العراقي، والذي قام بجولة عربية شملت الأردن ومصر وتونس، إلا أن "الحكيم" كان قد زار إيران بعد زيارته للأردن، وأعلن "الحكيم" من القاهرة، التي كانت المحطة الأهم في جولته العربية، أن زيارته تهدف إلى عودة العراق إلى صفه العربي، إلا أنه في الوقت نفسه نفى أن يكون هناك ابتعاد عن إيران، بل عرض مبادرة لعقد مؤتمر لتقارب وجهات النظر يضم مصر والسعودية والعراق وإيران وتركيا، معلنا أنه قدم المبادرة للرئيس عبدالفتاح السيسي، مؤكدا استعداد العراق للسعي لإتمام مثل هذا المؤتمر .. وإلى الآن لم تبرح المبادرة مكانها، ولم يُكشف عما إذا كانت المبادرة ذاتية من "الحكيم" أم أنها مبادرة حملته إيران إياها.
ومنذ أسابيع قليلة لم تهدأ العاصمة العراقية من استقبال وزراء خارجية مصر والجزائر والبحرين والإمارات في مشهد يرمز لأهمية الدلالة وعمق الهدف، فلم يتعد الأمور طي الكتمان، وإن كان لا يفصح الإفصاح الكامل عن محتوى اللقاءات.
زيارة "الصدر" الأخيرة كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن دول المحور السني تسعى لاستقطاب الشيعة العرب نحو صفهم العربي، في محاولة لإبعادهم عن التأثير الإيراني المهيمن على العراق، منذ سقوط نظام صدام حسين، وأن تنسيقا أمريكيا يلوح في الأفق مع تلك الدول لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما برز جيدا من خلال مقاطعة الدول الأربع المقاطعة لقطر (مصر والسعودية والإمارات والبحرين).
والسؤال الأهم: هل ينجح "الصدر" في تنفيذ المهمة وسط ما يتعرض له من مخاطر وتهديدات متجددة بالقتل من أطراف داخل العراق ومن قِبَل إيران نفسها التي لوحت باستبداله وأن يقود التيار الصدري شقيقه مرتضى الصدر؟
لقد أتت زيارة "الصدر" للسعودية أُكُلها بعد أن تبرعت المملكة بمبلغ 0 ملايين دولار لمساعدة النازحين العراقيين الفارين من حرب الموصل، كما وعدت باستثمارات في مناطق الجنوب الشيعية في العراق، وإنشاء خط جوي بين السعودية والعراق، وفتح المنافذ البرية لتعزيز التبادل التجاري بينهما، كما وعد الأمير محمد بن سلمان ببحث طلب "الصدر" بفتح قنصلية سعودية في مدينة النجف الأشرف (مقر المرجعية الدينية والحوزة العلمية لشيعة العراق) هذا بالإضافة إلى تأكيد رغبة المملكة في تعيين سفير جديد لها لدى بغداد في أقرب فرصة.
إن حصاد زيارة "الصدر" تأتي في اتجاه تصحيح المسار للمملكة نحو العراق بعد أن اعترف ولي عهد السعودية بأن بلاده ارتكبت أخطاء في السابق في علاقاتها مع العراق ويجب تصحيحها الآن، بحسب ما أعلنه المتحدث بإسم التيار الصدري صلاح العبيدي.
وقد رأى المحللون أن رؤية جديدة للأمير الشاب جعلته يقدم على توجيه الدعوة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر بعد أن تمكن العراق من الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي في الموصل، وإقدام العراق على مشهد سياسي جديد تحدده المرحلة فيما بعد "داعش" ومن خلال الانتخابات التشريعية والمحلية القادمتين في عام 2018.
وفي الإمارات لقد استقبل "الصدر" بحفاوة بالغة والتقى به الرجل الثاني في الدولة ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي وعد بدعم الإمارات للعراق ومساهماتها الاقتصادية في العراق فضلا عن مساندتها سياسيا وفي الحرب على الإرهاب.
كما كان للقاء "الصدر" بالداعية العراقي السني أحمد الكبيسي (المقيم في الإمارات منذ سنوات) صدى هائلا، حيث هدف اللقاء لتكوين جبهة معتدلة لخدمة العراق بعيدا عن التعصب الطائفي والمذهبي.
إن زيارة "الصدر" لم يهدأ لها جفن إيران، بل أنها زيارة قدت مضجعها، وهو ما دفع وفد إيراني التقى بالعبادي تزامنا مع زيارته إلى السعودية ليسأله عن سر الزيارة، فأجاب "العبادي" بدبلوماسية بأنها زيارة طبيعية ولا تحمل أي معاني، إذ أنها تأتي في سياقها الطبيعي.
إن زيارة "الصدر" وإن كانت من المفترض أن تكون طبيعية إلا أنها أثارت الدهشة، بحق، كما أوضحنا في بداية المقال، وقد تحمل الأيام القادمة حربا سياسية وإعلامية داخل البيت العراقي بسبب الزيارة، خاصة بعد أن أبدت الأحزاب الدينية الموالية لإيران قلقها من الزيارة واحتمالات تبعاتها من انفتاح على العرب ودول الخليج بشكل خاص.
وعلى دول الجوار العربي تفويت الفرصة على كل المزايدين، خاصة وأن أحد الخبثاء من المحللين الإيرانيين وصف زيارة "الصدر" للسعودية بأنها جرحت مشاعر المسلمين، في محاولة منه لتأجيج غضب المسلمين السنة ضد "الصدر" وزيارته، وجعلها من المحرمات.
وأظنها محاولة بائسة، لأن "الصدر" عراقي عربي وزار دولة عربية، وهو في الوقت نفسه مسلم وجاء إلى بلد مسلم، إما إذا كان هناك اختلاف في المذهب أو الطائفة فهذه نواحي عقائدية لا دخل لنا فيها، والأهم أن "الصدر" جاء ممثلا لدولة عريقة ذات حضارة وتاريخ يعرفه العالم كله، والعراق عضو مؤسس في جامعة الدول العربية ومن أكبر الدول العربية الوازنة في المنطقة ولا يمكن للعرب أن يتخلوا عن العراق أو يساهموا في عزله لصالح دول أخرى ويقع ذلك على حساب العرب أنفسهم، ولعل ذلك ما دفع ولي العهد السعودي أن يعترف بأن السعودية قد أخطأت في الماضي فيما يتعلق بالعلاقات بينها وبين العراق.
إن عودة العراق إلى صفه العربي تمثل الآن ضرورة ملحة وفرض عين على العرب كافة، ولننتظر زيارة مقتدى الصدر للقاهرة في الأيام القادمة لتكتمل الرؤية ولنبلغ اليقين.