السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عصر حقوق الإنسان «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرَّف الفلاسفة الإنسان بأنه «كائن ناطق»، أى عاقل قادر على إدراك العالم من حوله، فلا شك كذلك أنه كائن يركز فى سعيه لتحقيق حاجاته ورغباته إلى ضرورة تأمين حياة كريمة؛ يعتبر والحق والعدل والحرية الركائز الأساسية فيها. وقد ارتبطت قضية «حقوق الإنسان»- بشكل جذرى ومباشر- بوجود الإنسان نفسه؛ حيث نشطت العلوم جميعًا وسخرت نظرياتها ومناهجها للبحث فى ماهية الإنسان بوصفه كائنا حيا عاقلا يختلف عن غيره من الكائنات الحية الأخرى. 
وقد تزايد حجم الاهتمام الدولى والوطنى بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إلى الحد الذى أصبح معه القول؛ إن هذا العصر- وبحق- هو عصر «حقوق الإنسان». وتعبر عبارة «توماس جيفرسون» Thomas Jefferson (١٨٦٢- ١٧٤٣)، (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة والكاتب الرئيسى لإعلان الاستقلال عام ١٧٧٦)، أصدق تعبير عن أهمية حق الإنسان فى الحياة والحرية. يقول: «نحن نعتبر هذه الحقائق من البدهيات التى لا يمكن إنكارها، وهى أن جميع البشر قد خُلقوا متساوين، وأن خالقهم قد حباهم بحقوق معينة لا يمكن انتزاعها؛ ومن بين هذه الحقوق: حق الحياة، والحرية، والسعى إلى تحقيق السعادة». وبهذه العبارة حول «جيفرسون» وثيقة من الوثائق التى كانت سائدة فى القرن الثامن عشر بشأن المظالم السياسية إلى إعلان دائم لحقوق الإنسان. 
ومن الجدير بالذكر، أن حقوق الإنسان كإنسان- بغض النظر عن جنسه وعقيدته ودينه ولغته- لم يتم الاهتمام بها على الصعيد الدولى والعالمي، إلا مع إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام ١٩٤٨. واعتمدت الجمعية العمومية هذا الإعلان وأصدرته، وطلبت من البلدان الأعضاء كافة، أن تدعو لنص الإعلان، وأن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه؛ لا سيما فى المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى، دون أى تمييز بسبب المركز السياسى للبلدان والأقاليم. 
ومن أهم الأفكار الرئيسية فى هذا الإعلان، أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة فى جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام فى العالم، وأن تناسى حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان أقصى ما يصبو إليه عادة البشر هو إيجاد عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة؛ ويتحرر من العبودية والخوف. وكان من الضرورى أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان كى لا يضطر المرء- آخر الأمر- إلى التمرد على الاستبداد والظلم. وقد أكدت شعوب الأمم المتحدة فى الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقى الاجتماعى قدمًا؛ وأن ترفع مستوى الحياة فى جو من الحرية أوسع وأشمل. 
ويعتقد البعض، أن قواعد حقوق الإنسان هى نتاج تطور طبيعى وتلقائى لقواعد الحرية والمساواة؛ فقد كانت الثورة الفرنسية سباقة فى الدعوة إلى تحرير المواطن وحماية حقوق الإنسان من جميع الانتهاكات والقيود، غير أن المجتمع الدولى لم يعرف «حقوق الإنسان» بمفهومها العصرى إلا عند صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. ومن الضرورى تأكيد أنه رغم أهمية وجود التشريعات والقوانين التى تتضمن آليات تحقيق الحماية المطلوبة لحقوق الإنسان، إلا أن موضوع هذه الآليات يبقى موضوعا أكبر من حجم القوانين والتشريعات رغم أهميتها. لذلك، فإن الاقتناع بمشروعية الحقوق والحريات والدفاع عنها، لا تترسخ فى أذهان الناس ووجدانهم إلا عن طريق العلم والمعرفة، ووسائل التثقيف والإعلام المختلفة. 
إن الحديث عن إنشاء آليات لحماية حقوق الإنسان يُعد نقلة نوعية مهمة شهدها المجتمع الدولى بمختلف مكوناته، من حيث إن التوافق بين مضامين الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وسائر العهود والمواثيق الدولية اللاحقة واللوائح المتضمنة ضمانات قانونية وقضائية من شأنها حماية حقوق الأفراد؛ غير أن كل هذه القوانين لا تستطيع تأمين الحماية الفعلية ويستحيل- مع ذلك- صيانتها من كل أوجه الخرق وأشكال الانتهاكات. وعلى الرغم من الالتزام المعنوى والأخلاقى الذى يحمله الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهود والمواثيق والاتفاقيات- حتى إن سلمنا بهذه القيمة وأهميتها- إلا أن ذلك لا يكفى لأداء هذا الدور.