الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

شيوخ ومنتقبات على أبواب مغارة العذراء

كنيسة أبو سرجة
كنيسة أبو سرجة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
زوار السيدة مريم يقصدون كنيسة أبى سرجة الأثرية للحصول على «البركة» من المياه
أيقونات تاريخية وصور أثرية تتحدث دون صوت.. والبئر التى أروت عطش المسيح مليئة بالطحالب الخضراء 
789 أعيد بناؤها وترميمها من قبل أبى السرور يوحنا ابن يوسف الأبح كاتم سر الخليفة المستنصر
1171 أعيد ترميمها بعد تعرض جزء منها للحريق إبان الفوضى فى أواخر عصر الدولة الفاطمية
34 قدمًا تحت الأرض تقع مغارة العذراء مريم والعائلة المقدسة فى كنيسة أبوسرجة
12 عمودًا رخاميًا فى الكنيسة وتمثل عمادها الرئيسى

منذ ألفى عام ويزيد.. لجأت العائلة المقدسة إلى أرض مصر.. ووطأت أقدامها محطات عديدة خلال رحلتها التى على مدار أربعة أعوام بدءًا من خروجها هربًا عن طريق الفرما، وحتى عودتها لأرض أورشليم « فلسطين».
حرص يوسف النجار ومريم العذراء ومعهما الطفل «المسيح» على اختيار الأماكن التى يقطنونها خلال رحلتهم الشاقة، قصدوا الاتجاه نحو المواقع التى يقطنها اليهود، وأعطوا أولوية للمحطة الحالية لنا مع العذراء وجولاتها بأرض البلاد هنا.. «بابليون - مصر القديمة - مجمع الأديان».
ذاك المكان الذى كان صاحب الأولوية، نظرًا لتواجد معبد يهودى آنذاك، ووجود سكان من أهلهم اليهود، لم يصلوا للمكان ببساطة، بينما قاسوا تعب الهرب من جنود هيرودس، ملك أورشليم، الذين قصدوهم بسوء، عبروا خلالها الصحراء، ونزلوا لحارة الروم، ومنها استقروا بالمغارة.
كنيسة أبوسرجة
«البوابة» فى رحاب مسكن العذراء بأبوسرجة، ذاك الموقع الذى احتضن العذراء والمسيح ثلاثة شهور بالتمام والكمال، تقع أسفل كنيسة القديسين سرجيوس وواخس فى مصر القديمة، وتنخفض عن مستوى سطح الأرض بحوالى ٣٤ قدمًا، وتعُد كنيسة «أبوسرجة» أو «المغارة»، إحدى الكنائس المشيدة فى العصر الرسولي، حيث زارها تلميذا المسيح «بطرس ومرقس»، بحسب روايات المؤرخين، وأقاموا فيها الصلوات.
مغطس القبط
فى مدخل الكنيسة، يوجد مستطيل فارغ يعلوه زجاج مقوى ضد الكسر، كانت تلك الفراغات مغطسًا للأقباط حال الاحتفال بأعياد الغطاس، والذين كانوا يحتفلون به على ضفاف النيل، مما دفع الكنائس لاستبدال الأمر ببديل، وهو بناية مجوفة لتشهد الاحتفالات فى العصور الماضية.

مُنتقبات على أبواب المغارة
على أبوابها رصدنا الوافدين أطفالًا ومُسنين، رجالا ونساء، وبات مألوفا للعيون مجيء شيوخ ملتحين وسيدات منتقبات، قاصدين بركات «أم النور» سيدة نساء العالمين.
دخلت سيدة ترتدى السواد عن يمين زوجها، ليقفا قليلًا أمام صورة العذراء، ويوقدا شمعة ويهمهمان بكلمات، تبدو طلبات، ومن أول وهلة تدرك أنهما معتادان على زيارة المكان، ويعرفان كل ما فيه من أثر، وما يحمله من روحانيات يشدو إليها لتحقيق الأمنيات.
فى رحاب تلك الكنيسة، التى سبق وتعرضت للهدم سنة ٧٨٩ للشهداء (التقويم الكنسي)، كانت كنيسة أبى سرجة قد تهدمت، فقام بترميمها ابن السرور يوحنا بن يوسف، المعروف بابن الإبح، كاتم سر الخليفة المنتصر الفاطمى، تقوم الكنيسة على ١٢ عمودًا رخاميًا رمزًا لعدد تلاميذ المسيح.
معمودية القرون الأولي
يقف الأطفال أمام جرن أشبه بـ«الزير» الذى تجده فى كل منزل فى صعيد مصر، لم يكن زيرًا.. ولكن معمودية أثرية، على أقصى يسار مدخل الكنيسة يلتقط الأطفال صورًا تذكارية، ويصلون أمام صورة العذراء، جموع الوافدين للكنيسة تطوف أعينهم بعد الصلاة لتفحص كل أثر وتراث وفن ومعمار ويخطو بثبات تجاه الهيكل الأيمن ليدخلوا المغارة «مسكن العذراء»، الذى شهد معجزات عدة لا حصر لها. يترجّلون على السلالم للنزول، ويقفون أمام كهف به مذبح أثري، ومأجور أو ماعون من الحجر، استحم فيه المسيح وهو طفل بيد أمه، يصعدون سلالم أخرى تجاه اليسار، ليدخلوا إلى بئر المياه التى أروت عطش المسيح وأمه العذراء ورفيق الرحلة والعناء «يوسف النجار».
باتت المنطقة وجوارها مقصدًا للزوار لنوال البركات وتفقد معالم الآثار، وملاذًا آمنًا لأصحاب الطلبات وسائلى حل المشكلات، مُسلمين وأقباطًا، مصريين وعربًا وسياحًا.
يحظر على الوافدين التقاط الصور فى كهف العائلة المقدسة، وفق توجيهات الخدام ومسئولى الآثار، فى تلك الكنيسة التى شهدت تجديدات وإصلاحات ضمن مجموعة كنائس مصر القديمة، استمر المشروع قرابة ١٦ عامًا لحين الانتهاء العام المنصرم، ومجريات حمايتها من المياه الجوفية التى كادت تهدد المنطقة بأكملها.
الهيكل والبكاء وحرارة الدعاء
على أبواب هيكل كنيسة سرجيوس وواخس، والذى عثر حال ترميمها على جانب يرجع تاريخه لقرون من الزمن واحتفظوا به، وتقع أسفلها مغارة العذراء، يقف الوافدون لرفع صلوات ودعاء لحل مشاكل أو لطلب العفو من الله والمغفرة لذنوب الحياة، أو طلب النجاح فى امتحانات الجامعات وغيرها من أمور الدنيا والحياة، وقفت فتاة فى خشوع عميق أمام سترة الهيكل الحمراء والمغزولة عليها صورة للعذراء.
تضع يدها على الشفاه تتلو ما تريده.. وتبتغيه سرًا ليصعد للسماء ببركات صاحبة المكان، وليحقق لها الله الخالق الأمنيات، وأخرى تذرف دموعها فى واجهة العذراء، خلال الاحتفال بصومها، وتذكار إصعاد جسدها للسماء.

صور تتحدث دون صوت
«فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي».. جاءت بإنجيل لوقا بالكتاب المقدس، مكتوبة بلون ذهبى فضفاض يصطف الوافدون أمامها ليتلوا تمجيدًا وتسبيحًا ومديحًا فى العذراء والدة المسيح، وليتحقق نص القول تطويبها وتمجيدها من الجميع مسلمين وأقباطًا.. كهولًا وأطفالًا.
على جنبات الكنيسة وبطولها، صور يرجع تاريخها للقرن الثامن عشر الميلادي، منها صور للعذراء والعائلة المقدس، وأخرى لعدد من القديسين، منهم واخس وسرجيوس، وبشنونة المقاري، ورغم زمان عتيق مضى تحتفظ الصور بملامح لأصحابها تكاد تدفع الناظرين لتبادل الحديث.
الطحالب الخضراء فوق بئر العذراء
ورغم الحرص الشديد على احتفاظ الكنيسة بطابعها الأثري، ولا سيما لما تحتضنه داخلها «مسكن العذراء»، مما جعلها فى مكانة مهمة نصب أعين العالم كله، وليس مصر وحدها، غير أن بئر المياه التى ارتوت منها العائلة المقدسة حينما عطشوا، والمغطاة حاليًا بطبقة زجاجية مقواة غير قابلة للكسر، لم تعد منتجة أو متجددة، تطفو فوق المياه الطحالب الخضراء التى تعكس ثبات المياه وعدم تجديدها، الذى يحتاج لماكينات رفع وغيرها، وهو ما لا يمكن استخدامه حفاظًا على محيطه من آثار ومحتويات.
بينما تشهد غالبية الأماكن التى زارتها العذراء ومنها مسطرد، على سبيل المثال لا الحصر، توافد آلاف البشر سنويًا للحصول على مياه البئر كنوع من البركة والتذكار، وهو ما لا يجد محلًا للإعراب فى بئر «مصر القديمة».
لذا يحرص زوار العذراء عمومًا على قصد كنيسة مسطرد الأثرية للحصول على جزء من المياه فى «كيس بلاستيكي»، ويخزنونها طوال العام لتضاف لمياه الشرب أو للاغتسال للمرضى والتشفع بالعذراء من أجل الشفاء، بينما كنيسة أبوسرجة معُطلة على غرار نظيرتها فى المطرية بجوار الشجرة الشهيرة التى استظلت بها العذراء.
شاهد على التاريخ
يبدو أن كنيسة أبوسرجة شاهد حى على تاريخ كل العصور، بدءًا من لجوء العائلة المقدسة إليها مرورًا بصلاة تلاميذ المسيح وصولًا بالأيقونات والصور الأثرية، وأيضًا شاهد على انتخاب البابوات فى الزمن الماضى فى سنة ٩٧٥، تم انتخاب البطريرك الأنبا أبرآم السريانى البابا الـ ٦٢ فى سلسلة بطاركة الأقباط، بكنيسة أبى سرجة، فقد اجتمع فيها الأساقفة وأعيان القبط لانتخابه، وقد اشتهر البابا أبرآم السريانى أو الشهير بـ«أبرام بن زرعة» أن فى عهده نقل جبل المقطم.
وذكر المؤرخون أن كثيرًا ما كان يجتمع فى كنيسة أبى سرجة الأساقفة والأراخنة لانتخاب البطريرك فى العهود القديمة حتى أوائل القرن ١٢ الميلادى، حيث انتخب فيها البطريرك الأنبا مكاريوس الثانى البابا الـ ٦٩ فى عام ١١٠٢ م.
وقال أحد خدام كنيسة أبوسرجة، إن المغارة تتخذ صورة مصغرة للكنيسة، حيث أضيف لها أعمدة لترمز لتلاميذ المسيح، بعدما كانت قطعة واحدة، قبل مشروع ترميمها وإصلاحها ومعالجة أزمة المياه الجوفية بحيز المنطقة بالكامل. وكشف لـ«البوابة» أنه أثناء مجريات الترميم اكتشفوا جرن المعمودية، والذى يشبه زير المياه يعود للقرن الأول الميلادى، وآخر يعود للقرن الرابع، وكذا عدد من الأوانى الأثرية والفريسكا تعود للقرون الأولى ما بين والسابع عشر والثامن عشر الميلادي.
وأوضح أن المغارة احتفظت على أساس الحجر المكونة منه والبارز منه، ووضعت أثناء مجريات الترميم والصيانة أنوار مضيئة «أسبوتات» عليها، وتمت تغطيتها بزجاج مقوى غير قابل للكسر، لتكون ظاهرة للناظر أو الزائر المتبارك من المكان.
وأكد أن الكنيسة تحتوى على عدد كبير من الأيقونات الأثرية وتعود غالبيتها للقرن الثامن عشر الميلادي، كما توجد أيقونة يعود تاريخها للقرن السادس الميلادي، بالإضافة للهيكل الخشبى النادر، والذى يبدو تاريخه من القرن الأول الميلادى ومصنوع من خشب الجوز.