السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما يريده القراء.. أو الرجل الذي عض كلبًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما تتصفح مواقع وبوابات الصحف، ثم تنظر نحو قائمة الموضوعات الأكثر قراءة، وهى التى اختارها الجمهور من حيث كثافة المتابعة، ستصاب بانزعاج لن يبارحك تأملاً وتفكيرًا، خاصة حين تنظر لطبيعة تلك الموضوعات، فتجدها إما تتعلق بحادثة أو جريمة بشعة، تتضمن جانبًا مثيرًا، ولن تخلو تلك الموضوعات من توقعات بنهاية العالم، وقصة الراقصة التى قتلت خادمتها، وبعض ما تيسر من أخبار ومتابعات المباريات الرياضية ونجومها، نادرًا ما ستجد شيئًا له علاقة بأولويات الحياة وقضاياها يحتل أولوية فى اهتمامات القراء، هكذا انتخب الجمهور من كل أحداث العالم ما يهمه أو يحبه، وجعل ذلك نمطًا حاضرًا ومداومًا فى مختلف المواقع والصحف.
سيكون السؤال وهل خلت الصحف جميعها مما يستحق القراءة والاهتمام، ومما يرتبط بأولويات وهموم المعيشة ؟ والإجابة قطعًا لا، لكن هكذا اختار الجمهور وشاءت له تفضيلاته التى لم يعلنها لبعضه البعض، بل اختارها كل على حده، وكان أن تراكمت إحصائيًا لتنتج ذلك التفضيل، سيدلنا ذلك على حياة مزدهرة ما زالت لتلك المقولة التى طالما سخرنا منها فى تعريف الخبر بأنه ليس كلبًا عض رجلاً، بل هو عن الرجل الذى عض كلبًا.
تجد ذلك حاضرًا فى مختلف بوابات ومواقع الصحف، كتقسيم عادل منتظم، يمنحه الجمهور للجميع عبر ما ينتقيه من موضوعات داخل كل صحيفة أو موقع، سيتحول ذلك إلى دهشة ستكبر حين تتابع موجات الهجوم على آداء الصحف، وحين يصير الجمهور ذاته مشاركًا فيه بفاعلية، وستعلم أن مفارقات الأشياء هنا جائزة تمامًا.
يعبر ذلك بشكل ما عن أن الوظيفة الأكبر والأهم للإعلام ووسائله من وجهة نظر الجمهور أو أكثر شرائحه هى التسلية، ليس باعتبارها حالة مهنية تظلل مختلف المضامين، ومعالجاتها عبر بناء حالة الجدل، وتنويع المصادر، وأهمية الطرح، بل باعتبارها تسلية مصفاة «بيور»، تضم الوقائع العجيبة والغريبة والمثيرة والمفزعة أيضًا.
هكذا ينهمك القراء فى إبعاد وإقصاء المضامين التى تعبر عن مهارة ومهنية وجهد، ويمنع أن يكون لها حضور وثقل واستمرارية، فلا تتشجع إدارات التحرير على تبنيها ودعمها كثيرًا كرد فعل أو يقل ذلك، فتتوارى مع الوقت عن التواجد كحالة صحفية، وبحيث يمكن لأى حادث أو جملة أو تعليق أو حتى «تلاتة أمواه» أن تشغل الاهتمامات والمتابعات المركزية لجمهور الإعلام.
من المهم هنا أيضًا أن نكون صرحاء ونحن نسعى لتطوير آداء الصحف وممارساتها، وأن نقول إن الحديث عن بعض سوءات الآداء الصحفى لن يمكن التعامل معه بحلول مهنية وأخلاقية فقط، وأنه يتكامل معه التأكيد على ضرورة النظر فى مجال ثقافة جمهور فى التفاعل مع محتوى وسائل الإعلام، ودراستها بشكل موسع وتفصيلى، وهو مسار يمنح هيئات الصحافة والإعلام بدائل وحلولاً مهنية، لتقليل وفك هذا الارتباط غير الصحى، ونقصد بذلك قطاعًا ضخمًا من الجمهور يشجع ممارسات إعلامية متدنية.
علينا أن نبذل جهدًا مهنيًا ومعرفيًا فى أن نصنع توافقًا مهنيًا وتغييرًا نوعيًا لحالات اهتمامات وأولويات القراءة، وألا تكون التسلية مجرد وظيفة بدائية للصحافة، بل إطارًا مهنيًا يجعل المحتوى الصحفى جذابًا وممتعًا ومشوقًا، إطار يغلف طريقة اختيار الأفكار ومعالجتها، فالصحف ليست كتب معاجم ولا قواميس أرشيفية، الإطلاع على تجارب دولية هنا مهم، وتقديم رؤى ومبادرات مهنية مطلوب تمامًا للعمل على تطوير أداء الصحفيين نحو اختيار الأفكار ذات الأولوية، وبناء طرق المعالجة والسرد، التى تلقى قبولاً واهتمامًا، عسى أن نجد ذات يوم قريبا فى قوائم الموضوعات الأكثر قراءة نسبة معتبرة مما يقرأه الجمهور مهنيًا، مفيدًا وممتعًا معًا.