الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

مدير عام المتحف القبطي لـ"البوابة": وزارة الآثار ترفع شعار "مفيش".. وليس لدينا ميزانية.. ونجمع بعض المبالغ من العاملين للصرف على الأنشطة

مدير عام المتحف القبطى
مدير عام المتحف القبطى لـالبوابة القبطية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أسندت إليه مسئولية لا يستهان بقدرها، وهى إدارة الموقع الذى وطأته أقدام العائلة المقدسة حال هروبها من هيرودس الملك بأرض مصر. وبات يدير مكانا مهمًا تحيطه العراقة والروحانية مفعم بالرسومات الأثرية يحتضن آثارا قبطية لا تقدر بالمال، وذلك فى رحاب المتحف القبطى.. إنه «عاطف نجيب» مدير عام المتحف القبطى.
تحدث «نجيب» لـ«البوابة»، عن رحلة العائلة المقدسة والكهف الذى لجأوا إليه، وباتت كنيسة شهيرة اسمها «أبو سرجة»، والكنيسة المعلقة شاهد المعجزات ومقر الباباوات، ومحتويات المتحف الخالدة رغم مرور العصور والأيام، واستفاض الحديث عن الموروث المبارك الذى تركته العائلة الهاربة من بطش الملوك لتنثر الخيرات بأرض مصر.
وكشف أسرار مزامير طل المظل، وأسفار أبو كريفا، ومخطوطات نجع حمادى من دفنها لاكتشافها، وتفاصيل تأسيس المتحف من أول حجر حتى وصوله رمزا مهما فى قلب مصر القديمة.. وإلى نص الحوار:

■ حدثنا عن فكرة تأسيس المتحف القبطى؟
- الفكرة جاءت من قبل مرقس سميكة وهو المؤسس، وأنشئ المبنى ليضم الآثار القبطية التى كانت ضمن الآثار الموجودة بالمتحف المصرى، عندما كان فى بولاق قبل أن ينقل إلى ميدان التحرير عام ١٩٠٢، ثم صار ازدياد فى الآثار القبطية نتيجة البحث فى أديرة وادى النطرون.
وجاء إنشاء المتحف بمحض الصدفة، فخلال زيارة قام بها مرقس سميكة للبابا الأسبق كيرلس الخامس، وجد عددا كبيرا من أوانى المذبح والأدوات الكنسية، وبسؤاله عنها أشار إلى أن الكنيسة تمر بضائقة مالية وإنه ينتوى أن يبيعها حتى يتم صرف الرواتب للعاملين بالكاتدرائية وقتئذ، فاعترض سميكة على بيع تلك المقتنيات الثمينة، وقام بعمل اكتتاب لجمع الأموال لتسديد الأزمة، وأخذ تلك الأوانى ووهبه البابا قطعة أرض مجاورة للكنيسة المعلقة، وهى أرض كانت عليها مدرسة الأقباط ومدافن.
وقام بتشييد المتحف على أنقاض المدرسة والمدافن، وظل سميكة مسئولا عنه منذ عام ١٩١٠، وحتى ١٩٤٤، وكانت إدارة المتحف تخضع للكنيسة حتى عام ١٩٣١، ووقتها خضع لوزارة المعارف فأصبح من ذلك الوقت خاضعا للإشراف الحكومى.
وأود أن أشير إلى عام ١٩٢٩، وقيام راغب عياد الفنان والرسام بتصميم الواجهة الخاصة بالمتحف القبطى وبها صليب، ومأخوذة من تراث واجهة المسجد الأقمر نفسه، الذى يرجع لأواخر القرن الـ ١٢ ميلاديًا، والتى تتخذ شكل الصدفة فى المسجد، وتحمل لفظ الجلالة، وفى المتحف القبطى محلها الصليب الملطى، وأخذ عناصر من معروضات المتحف لتكون ممثلة على واجهة باب المتحف، مثل مشهد المسيح المتوج والراعى والملائكة والحمام، والمناظر تعبر عن مقتنيات المتحف من أحجار أو قطع من الأخشاب الموجودة بمعروضات المتحف.

■ ماذا تعنى القوقعة.. ولماذا لجأ لها تحديدا؟
- هى رمز من المسيحية مستمدة من الأساطير اليونانية - الرومانية؛ لأن مرحلة من الفن القبطى فى القرن الثانى الميلادى لم يكن معترفًا بها رسميًا، وكانت تعبيرًا عن الأفكار المسيحية من خلال ربطها برموز ودلالات تحمل معانى حياة المسيح أو الأفكار اللاهوتية التى يراد التعبير عنها، ولم تكن الأساطير ذات مبادئ كنسية وإنما دلالات معبرة عن المسيح.
■ هل مصمم واجهة المسجد الأقمر هو نفسه صاحب واجهة المتحف القبطى؟
- هناك شواهد تاريخية تقول إن مصمم الواجهتين هو فنان قبطى، وجاء ذلك خلال العصر الفاطمى الذى شهد تسامحًا دينيًا، وكان وقتها وزيرًا قبطيًا فى البلاط الملكى، ولا تزال واجهة المتحف تحمل نص افتتاحه فى عهد الملك فؤاد وحبرية البابا يؤانس الـ ١٩ والأب شنودة يوحنا ومرقس سميكة المهتم.
■ وكيف توسع المتحف ليصبح بهذه الصورة.. وما الأزمات التى مر بها؟
- ضاق المبنى القديم بما يحويه من آثار، مما استدعى التوسع بالمبنى، وبدأ «سميكة» إنشاءه، ولكنه توفى قبل اكتماله بثلاث سنوات، وتم افتتاحه ١٩٤٧ ولا زال يشهد التطوير لمواكبة العصر.
وبالطبع فإن المتحف شأنه كسائر الكنائس المحيطة، يعانى مخاطر المياه الجوفية، وآثار زلزال ١٩٩٢، ولذا خضع للتطوير مرتين خلال العصر الحديث، إحداهما عام ١٩٨٤، والأخرى ٢٠٠٦، وبناء عليه أعد العرض وأصبح بالصورة الحالية التى يشهدها زواره.
■ ما مكونات المتحف؟
- المتحف يبدأ بقاعة العرض رقم واحد، وبعدها القاعات من ٢ : ٢٦، وتعرض موضوعا أو مادة معينة معادن أو أيقونات أو نسيج أو مخطوطات أو موضوعات الكتاب المقدس أو الحياة اليومية، وكذلك قاعة مستر بيز لابرز.
وتتعدد مقتنيات المتحف، ومنها سفر مزامير «طل المظل» المكتوب باللهجة البهنساوية، وهو موجود بالقاعة رقم ١٧ مستقل، وبكل المتاحف يضعون القطع المهمة ذات الأولوية فى قاعات مستقلة مثل وضع متحف برلين رأس نفرتيتى بقاعة مستقلة.
وبالطبع لدينا قطع لا تقل أهميتها عن سائر محتويات المتحف القبطى مثل شرقية باويط، ومخطوطات نجع حمادى وغيرها.

■ حدثنا عن أبرز هذه المخطوطات وبخاصة نجع حمادى وما تحويه؟
- المتحف القبطى خصص لها قاعة للعرض، والمخطوط يضم بعضا من إنجيل فيليب «فيلبس»، وهى عبارة عن أسفار أَبُوكْرِيفَا «العهد القديم»، والمفترض أنها سرقت عام ٤٥ ميلادية، وتناثرت بالعالم كله، وأول نشاط لمنظمة اليونسكو هو جمع المخطوطات، وحال تولى الدكتور باهور لبيب رئاسة المتحف القبطى، ظل محتفظا بهذه المخطوطات حتى عام ٥٦، وجرت دراسة عليها بواسطة عالم أمريكى.
ومحتويات المخطوطات التى تتجاوز ١٣٠٠ صفحة تضم عددا من الأناجيل المنحولة، ولدينا ٥٢ موضوعا بـ ٦٤ عنوانا لمخطوطات نجع حمادى، وتحتوى على الفكر الغنوسى، أى أن الخلاص بالعلم والمعرفة والعقل وليس بالإيمان المسيحى.
وهؤلاء «الغنوسيون» ربطوا ما بين الديانات القديمة بشقها المصرى القديم أو اليونانى الرومانى وبين المسيحية.
■ لماذا لم يقم الرهبان ورجال الدين بإعدام تلك المخطوطات التى تحمل أفكارا غنوسية مخالفة للتعاليم المسيحية؟
- رهبان الأنبا باخوميوس فى القرن الرابع الميلادى قاموا بدفن هذه المجلدات بحمرا دوم فى فاو قبلى بنجع حمادى، لاحتوائها على أفكار مخالفة للمسيحية، وكنا نعانى هذه الفترة من وجود الفكر «الأورجانى»، ولم يريدوا إحراقها أو إتلافها، واكتفوا بدفنها فى مكان بعيد حتى لا تكون ذات تأثير على الفكر المسيحى أو الرهبان بهذه الفترة.
■ وماذا عن السبع كنائس؟
- السبع كنائس تعد القاعة رقم ٢٧ للمتحف، ولكنها تحمل اسم كنائس مصر القديمة، وهى من مقتنيات الكنائس المحيطة «السبع كنائس»، وأهمها المعلقة، وتقع جنوب المتحف وأبو سرجة شمال المتحف، وأعتبرهم الحضن الذى يعيش فيه المتحف القبطى، ومن هذا المنطق أشيد بالكنائس المحيطة، وعلى سبيل المثال، فإننا الأسبوع الماضى وجدنا نخلة كانت تهدد مبنى المتحف القديم والتربية المتحفية وسور الكنيسة المعلقة، ولضيق ذات اليد – ودعنى أستخدم هذا التعبير دون الدخول فى تفاصيل – لم نستطع إزالتها دون إضرار شىء.
بينما قامت الكنيسة المعلقة على نفقتها وبصلواتها، ونشكر الأنبا يوليوس والأب يعقوب، لدعمهما المادى والمعنوى للتخلص من النخلة ونزولها دون خسائر، كما قام الأب أنجيلوس كاهن كنيسة أبو سرجة، بإصلاح وتجديد فاترينات العرض المؤقت للمتحف حاليا بالقاعة رقم واحد، لذلك فإن الكنيستين بمثابة الصدر الذى يرتمى فيه المتحف القبطى، وأشكر جميع كهنة مصر القديمة.

■ فى رأيك ما الأثر والميراث الذى تركته العائلة المقدسة بمصر القديمة؟
- مسار العائلة المقدسة يشمل أكثر من ٢٠ محطة، وإحدى المحطات المهمة كانت مصر القديمة، ولدينا كنيسة القديسين «سرجيوس وواخس»، التى بنيت فوق الكهف الذى لجأت إليه العائلة المقدسة بعد قدومها من حارة الروم والأزبكية، وبعدها رحلوا إلى المعادى تجاه الطريق النيلى، مما أضفى على المكان أهمية خاصة، وأرى أن زيارة العائلة المقدسة أثرت فى مجريات الأحداث فيما بعد.
وأبرز هذه الأحداث، معجزة نقل جبل المقطم فى أواخر القرن العاشر الميلادى إبان عهد البابا أبرام بن زرعة، الذى كان مقره بالكنيسة المعلقة وخرج الصبح وبعد صوم ورؤية العذراء التى باركت المكان، والأخرى أصبح مقرا بابويا بعد الإسكندرية لمدة تتجاوز الثلاثة قرون، بالإضافة إلى الظهورات التى تشهدها المنطقة للعذراء ما بين الحين والآخر.
■ هل يشهد المتحف القبطى توافدا كسائر المتاحف الأخرى؟
- علينا أن نكون واقعيين ونعترف بأن النقطة شديدة التوهج بالدولة المصرية هى الحقبة الفرعونية، ولذلك فإن الأجانب أو الخارج عمومًا يسألون أولا عن المتحف الكبير، ويليه فى الاهتمام متحف الحضارة بالفسطاط، وبعدها المتحف المصرى، ويعتبر القمة فى متاحف مصر القومية، ولكن المتحف القبطى أو الإسلامى بلا شك يكون أقل توافدًا.
■ إذًا لا تشارك الآثار القبطية والإسلامية فى المعارض الخارجية؟
- غالبية المعارض بالخارج تكون من الآثار المصرية، بينما هناك مشاركات فى معارض للآثار القبطية والإسلامية، ومؤخرا كان هناك معرض فى كازاخستان، وهى دولة إسلامية، وشهدت معرضا للآثار الإسلامية الشهر الماضى.
ولدينا معارض قبطية شاركت فى المجر ومع العالم العربى فى باريس وغيرها.
■ وما المشاكل التى تواجهها بالمتحف.. وكيف تشجع على زيارته؟
- لدينا مشكلة بالفعل، وهنا ألقى اللوم بشكل شخصى على المرشد السياحى أو بشكل عام على توجه وزارة السياحة؛ لأن الزائر الأجنبى يأتى ويدخل الكنائس بشكل مجانى دون مروره على المتحف، رغم أن رسوم الدخول ليست عبئا على السائح، بينما أتصور أن زيادة سعر التذكرة «جه على المصرى أكثر».
كانت التذكرة بـ ٢ جنيه وللطالب جنيه، ثم تمت مضاعفتها ٥ مرات، ولكن على أية حال بالنسبة لإقبال الزائرين من المصريين أمر يسعدنى أكثر، وبالأكثر فإن دخول طفلة مصرية أهم من دخول سفير أو وزير للمتحف.

■ ألم تسعد بزيارة «فرانسوا هولاند» الرئيس الفرنسى؟
- بالطبع سعدت بزيارة الرئيس الفرنسى للمتحف خلال إبريل العام الماضى التى زارها مع القلعة، وسعدت باختياره متحفًا أشرُف بالخدمة فيه، ولكن سعادتى تزداد بزيارة الأطفال الصغار وبخاصة الفتيات، لأنها تزرع فى الطفل الانتماء، مما يخرج مواطنا صالحا يحب بلاده وينتج ويغير مفاهيم سيئة انتشرت من خلال التعامل العام فى مصر. ويهمنى من يزور المتحف القبطى أن يذهب إلى المتحف الإسلامى والعكس، فإن البنت الصغيرة ستكون أمًا وستعلم جيلا فيما بعد وبترسيخ المفاهيم لديها تخرج أجيالا أفضل.
■ قام المتحف بعدد من الأنشطة فى النيروز وغيرها.. هل لديكم ميزانية للصرف؟
- ليست لدينا ميزانية للصرف، بينما أستخدم هنا تعبيرا كنسيا بتاع «فلسى الأرملة»؛ لأن بعض العاملين ومعظم الأمناء بمساهمات بسيطة نجمع المبالغ لنصرف منها على البانرات والخامات وغيرها.
■ من المفترض أن المصروفات دور وزارة الآثار باعتبارها المشرف العام على المتحف؟
- فى ظل انخفاض أعداد السياح وإمكانيات الوزارة بالصورة دى لا نريد الإثقال عليها، وأحيانا نقابل بـ«مفيش» وسبق وجربت الطلب، والاجتهاد البشرى يسد جزئية كبيرة، والأهم عندنا تغيير الفكر أكثر من توافر الإمكانيات المادية.
■ قارن نسبة التوافد قبل ثورة يناير وبعد ثورة يونيو؟
- عاما ٢٠٠٩ و٢٠١٠ كانت نسبة الزيارات عالية، منذ عام ٢٠١١ حتى أواخر ٢٠١٣، حدث انخفاض حاد فى الزيارة، وبدأ المؤشر يعود بعد ثورة يونيو، وتزداد أعداد الزيارات مع وجود أنشطة وفاعليات بالمتحف.