الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شهادة معارض شريف في حق دولة محترمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأستاذ الأنور الهوارى، الصحفى المخضرم، خريج قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة فى العام ١٩٨٦، الصحفى بالأهرام، والذى تولى فيما سبق رئاسة تحرير «الوفد»، وكان رئيس التحرير المؤسس لصحيفة «المصرى اليوم»، وأحد كُتابها الكِبار، ورئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية» الأسبق، يعلم عنه الجميع من خلال كتاباته وتدويناته على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» أنه يعارض نظام ٣٠ يونيو، وكتب فى سبيل ذلك لا أقول عشرات، بل مئات التدوينات التى ينتقد فيها النظام دون تطاول أو تهجم، فقد كانت بعض هذه التدوينات بمثابة نصائح يُسديها للنظام فى بعض الأحيان. وقد فوجئت مساء ٢٩ يوليو ٢٠١٧ بتدوينة للأستاذ الهوارى يقول فيها ما يأتى:
«فيروس الكبد الوبائى (سى)، سكن كبدى وأنا فى تالتة إعدادى، اكتشفته بعد ذلك بعشر سنوات، يعنى وأنا عندى ٢٥ سنة، عشت به، ٢٥ سنة أخرى، مررت بكل مراحله، حتى تلف الكبد القديم تمامًا، أجريت زراعة كبد جديد، وبحمد الله نجحت العملية، لكن بقى الفيروس ساكنًا فى الدم، ثم بدأ يرعى فى الكبد الجديد، لم يكن عندى حلم أن أتخلص منه فى عمرى كله مهما طال. ثم جاء النظام الجديد -الذى أعارضه- وأتاح العلاج بالمجان للجميع، تلقيت العلاج، كتب الله لى الشفاء، وكتبه لمئات الألوف غيرى، قرأت تحقيقًا صحفيًا مطولًا، أجراه مراسل «نيويورك تايمز»، من محافظات الوجه البحرى، قال فيه، أحد أبناء مركز دسوق، ما يحكى قصتى تمامًا، وهو بالمصادفة يبلغ من العمر ما أبلغ ٥٢ عامًا، وفى الخاتمة قال: «عشت طول عمرى كأننى أموت بالتدريج، الآن أشعر، أن العافية قد دبت فى جسدى، أشعر كما لو كنت فى الخامسة والثلاثين من العمر. انتهى كلام الرجل. أنا -أنور الهوارى- مدين بالشكر، لكل من أسهم، فى هذا المشروع العظيم، ودعواتى خالصة بالشفاء للجميع. هذه شهادة لله، واعتراف بالجميل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين».
قليلٌ هم المعارضون الشرفاء الذين يعترفون بإيجابياتٍ للنظام الذى يعارضونه، وأحسب أن الأستاذ الأنور الهوارى من هذا الطراز الفريد فى مجتمعاتنا العربية عامة والمجتمع المصرى خاصة، فلم يتوانَ الرجل عن الإدلاء بشهادةِ حقٍ فى نظامٍ يُعارضه ما دام تحقق الخير على يديه سواءً له أو لغيره من جموع المصريين، الذين كان الفيروس الكبدى الوبائى (سى) يرعى فى أكبادهم، ويقضى عليهم بالتدريج ويسلب منهم أعز ما يمتلك الإنسان.. الحياة.
وكثيرٌ من المصريين ليس لديهم إمكانية زراعة كبد، إذا لم تكن وراءهم مؤسسات أو قرارات للعلاج على نفقة الدولة، علاوة على طوابير الانتظار التى لا تنتهي لزراعة الكبد فى مصر لدى المراكز الطبية المتخصصة. لقد جاءت مصر الجديدة المتمثلة فى دولة ٣٠ يونيو لتُقر حقّ جميعِ المصريين فى التخلص من هذا الفيروس اللعين الذى يقضى على جهود التنمية، فلا تنمية دون أن يستعيد المصريون عافيتهم وحيويتهم ويبرأوا من الأمراض التى تنهشُ أجسادَهم صغارًا وكبارًا وشيوخًا. ولأن دولةَ ما بعدَ ٣٠ يونيو دولةٌ شريفة؛ فإنها تتيح العلاج لجميع المصريين دون وساطة أو محسوبية، دون تمييز بين الموالين والمعارضين؛ فمصر الجديدة ترى الجميع مصريين، بغض النظر عن النظر إلى المصريين بنظارة المعارضة والموالاة، كما يحدث فى بعض دولٍ من وطننا العربى الكبير.
بيْد أننى أقول للأستاذ الأنور الهوارى، ذلك المعارض الشريف إنك يا سيدى مطالب بنشر فقه المعارضة الشريفة فى ربوع هذا الوطن؛ فثمة فارق كبير بين معارضة النظام والتمرد عليه، فالبعض ممن يستخدمون الرشاشات الآلية والمتفجرات والعبوات الناسفة يعتقدون أن هذه هى المعارضة، وهو فهمٌ خاطئ بثه من لا يريدون الخير لمصر، فالمعارضة الشريفة هى التى تعارض أوجه الخلل فى السياسات والاستراتيجيات وخطط التنمية ومكافحة الفساد والإرهاب، وتطرح رؤى وسياسات بديلة يمكن أن تنفذها إن هى استطاعت الوصول إلى الحُكم من خلال الممارسة الديمقراطية، أو تفيد الوطن بطرح هذه الرؤى والسياسات البديلة التى يمكن أن تتبناها الدولة من أجل العبور إلى المستقبل. المعارضة الشريفة يجب أن تعلم أنها جزءٌ لا يتجزأ من هذا الوطن، ويجب أن تسهم مع الدولة والحكومة فى بناء الوطن، لا أن تسعى إلى هدمه.
كما أقول للأستاذ الهوارى، إن علاج فيروس (سى) لم يكن الإنجاز الوحيد الذى قدمته الدولة المصرية لمواطنيها فى المرحلة التالية لثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، بل هناك عديدٌ من الإنجازات التى يتمثل أولها فى حرية الرأى والتعبير، وأنت المثال الحى على ذلك، فأنت تكتب ما تشاء على شبكات التواصل الاجتماعى دون تضييق أو ممانعة، وغيرك كثيرون، ولم يضق صدر الدولة بأبنائها؛ ففارقٌ كبير بين النقد البناء الذى يهدفُ أولَ ما يهدف إلى بناء الوطن، والنقد الهدام الذى يستهدف التحريض على الدولة وبث الشائعات والدعاية السوداء التى تعمل على نشر الإحباط وفقدان الأمل فى مستقبل هذا الوطن.
لن أذكر مزيدًا من الإنجازات التى تحققت ولا زالت تتحقق باتساع خريطة هذا الوطن، بل أقول إن لدينا الآن رئيسًا ودولة يسعيان بكل ما أوتيا من قوة وكفاءات وإمكانات ومقدرات لإعادة بناء مصر بعد أن كادت تنهار وتصبح هشيمًا تذروه الرياح. وإن لم يُصب النظام الحالى سوى فى تحقيق إنجازٍ واحد، وهو تثبيت أركان الدولة المصرية واستعادتها من جديد، لكى تقف على قدميْن ثابتتيْن فى السياسة والاقتصاد ومكافحة الفساد والإرهاب واستئناف جهود التنمية واستعادة الاحتياطى من العملات الأجنبية، كما كان قبل يناير ٢٠١١، إن لم يُصب النظام سوى هذا الإنجاز فهو يكفيه ويدعو إلى استمراره ما دام الله قد أجرى على يديْه الخير لهذا الوطن.
إن مِصْرَ قادمةٌ وتستيقظُ من غفوتها التى استمرت سنوات عدة، وسوف تنطلقُ إلى آفاقٍ رحبة فى البناء والتنمية.. بناءِ الإنسان وتنميةِ الوطن، ما دام فيها نظامٌ يحلم بالخير لمصر، ولديه الأدوات والوسائل التى يعرف كيف يستخدمها لتحويل الحُلم إلى حقيقة.