الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

برعاية «التنمية المحلية».. مصنع الموت يقتل أطفال الإسكندرية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هُنا منطقة خورشيد، التابعة لحى المنتزه بالإسكندرية، لا أحد يبالى أو يهتم بحياة آلاف البشر.. مصنع بلاستيك تنبعث منه الأدخنة السامة وسط الكتلة السكنية، أدى إلى إصابة العديد من سكان المنطقة، خاصة الأطفال، بالأمراض الصدرية المختلفة. ويبلغ عدد سكان المنطقة حوالى ٣٠٠ ألف مواطن، يمثل الأطفال 35 ٪ من السكان.
الغريب أن المصنع تم إغلاقه فى عهد المستشار عبدالسلام المحجوب، محافظ الإسكندرية الأسبق، إلا أنه تم تشغيله مرة أخرى! مما يضع علامات الاستفهام حول كيفية إعادة تشغيل المصنع مرة أخرى؟ ومن المسئول؟ ورغم عشرات الشكاوى للمحليات والبيئة ضد المصنع المخالف لم يستجب لهم أحد من المسئولين لحل الأزمة، مما دفع الأهالى للجوء إلى محكمة القضاء الإدارى، لغلق المصنع.. لكن القضية ما زالت منظورة أمام القضاء.. والأهالى والأطفال يصابون بالأمراض.
ارتفاع نسب الملوثات والمواد الضارة فى الهواء
أطباء: احتراق البلاستيك سبب السرطان.. والأمراض الصدرية
ارتفاع نسبة التلوث فى منطقة خورشيد بالإسكندرية، وإصابة السكان بالعديد من الأمراض دفعا «البوابة» إلى التعرف على أسباب التلوث وأنواعه، والأمراض الناتجة عن تلوث الهواء.
فى البداية، يقول جمال مصطفى، دكتور أمراض الصدر والجهاز التنفسي، إن تلوث الهواء هو اختلاط الهواء الجوى مع الأرض مع مواد أخرى تهدد صحة البشر، مشيرا إلى أن نسب الملوثات والمواد الضارة فى الهواء الذى نستنشقه حاليا أضعاف ما كانت عليه قبل بضع مئات من السنين، وما زالت هذه النسب فى ازدياد مستمر حتى وقتنا الحالى.
وتابع: إن من أسباب تلوث الهواء هو عوادم المصانع، والمدن الصناعية، والمركبات، والنشاطات النووية، والحرائق، والتلوث الصناعى الذى ينتج عن «الأسبستوس» وغاز ثانى أكسيد الكربون يكون الأعلى نسبة فى دخان المصانع، وهو من الغازات ذات التأثير الخانق، خاصة إذا ارتفع معدله على ٥٠٠ جزء من المليون، ويتسبب ازدياد معدل وجوده فى الهواء فى الشعور بالصداع والدوخة، واحمرار العينين، وضيق تنفسى، وضعف فى العضلات، وتشويش فى الأذنين.
وهذه الملوثات قد تسبب السرطان عند استنشاقها، فإنه يمكن أن تسبب أمراضا مثل التليف وأنواع عديدة من السرطان، ويشير إلى أن الآثار السامة والضارة بالصحة الفورية أو بعيدة المدى للمواد الكيميائية فى ظروف التعرض الحاد أو المزمن، تصنف المواد على أساسها فى إحدى المجموعات كمواد مهيجة للعين.
وتتميز بتأثير موضعى والتهاب للعيون والجلد والجهاز التنفسي، وتحديد الجزء المتهيج من الجهاز التنفسي، مرتبط بمدى انحلالية المادة فى الماء أو الأغشية المخاطية، الفلور والنشادر وحمض الكلور مهيجة للطرق التنفسية، غازات الكلور والبروم وأكاسيد الكبريت مهيجة للقصبات الهوائية، وتؤثر بعض المواد على الجهاز العصبى المركزى كمواد مخدرة، ويستخدم قسم منها كمخدرات طبية، بالإضافة إلى تأثيرها على الصحة، وغازات ثانى أكسيد الأزوت مهيجة للرئتين، وهى ليست سامة بحد ذاتها، إلا أن ارتفاع تركيزها على حساب الأكسجين، يؤدى إلى خفض نسبة الأكسجين عن المستوى الضرورى لعملية التنفس.
أما البنزول، الأسبست، الأمينات العطرية فهى التى تنتج عن الاحتراق الكامل لنوع من البلاستيك فى الهواء، أساسا بخار الماء وثنائى أكسيد الكربون.
ينتج عن احتراق بعض المواد البلاستيكية غازات أخرى سامة تشكل خطرا على حياة الإنسان مثل غاز كلورور الهيدروجين، غاز سيانور الهيدروجين، غاز ثنائى أكسيد الكبريت، وتحتوى المواد البلاستيكية على ذرات الكربون والهيدروجين، وعلى ذرات أخرى مثل الأزوت والكبريت والكلور،لكن بنسب مختلفة وبالطبع جميعها تسبب الأمراض.
ويقول محمد ابراهيم، دكتور الكبد والجهاز الهضمى، إن الصناعات تستخدم كميات كبيرة جدا من الوقود مثل الفحم، وبعض الزيوت مثل زيت البترول والغاز الطبيعى، وعند احتراق هذا الوقود تنتج عنها كميات كبيرة من الغازات على هيئة دخان يحمل الأتربة والكثير من الشوائب، وتنتشر هذه الغازات فى جو المدن، وفى جو المناطق المحيطة بالمصانع مسببة ظواهر خطيرة كالاحتباس الحرارى.
أما بالنسبة للإنسان فهى تؤدى به إلى الإصابة بأمراض خطيرة منها أمراض الجهاز التنفسى مثل الالتهاب الشعبى المزمن والربو الشعبى وانتفاخ الرئة، بجانب أنها تؤدى إلى ارتفاع نسبة إصابات الصدر والأنف وأمراض القلب والشرايين والحساسية، وإلى تدنى مستوى مقاومة الإنسان للأمراض الميكروبية، كما تعمل الصناعة على تلوث المجارى المائية بما تلقيه فيها من مخلفاتها ونواتجها الثانوية.
«المحجوب» أغلق المصنع.. والفساد وراء إعادة تشغيله
قال طارق محمود، المحامى بالنقض والدستورية العليا، والمفوض من قبل أهالى المنطقة، إن المصنع مقام وسط كثافة سكانية مرتفعة، على مساحة أكثر من ١٠ آلاف متر، مشيرا إلى أن المعدات داخل المصنع ثقيلة، والآلة الواحدة تزن أكثر من ٣٠٠ طن، ويضم المصنع أكثر من ألف عامل.
وكشف عن أن المصنع تم إغلاقه فى عهد اللواء عبدالسلام المحجوب، المحافظ الأسبق للإسكندرية، ولكن تمت إعادة فتح المصنع مرة أخري، وبما يخالف القوانين وشروط البيئة، بتجريم إقامة مصانع وسط المناطق السكانية. وينتج عن المصنع مخلفات وغازات تؤثر على صحة الأطفال، فالمصنع مقام على أرض زراعية وغير مرخص.
وقال «طارق» إنه بناء على استغاثات الأهالى بالمنطقة، قد تقدم بدعوى قضائية بمحكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، ضد كل من محافظ الإسكندرية ووزيرى الصناعة والزراعة، ورئيس الوزراء بصفته، ورئيس حى المنتزه، ومالك المصنع المدعو «هـ.ش.هـ»، وتم رفع دعوى قضائية بسبب انتهاء تراخيص المصنع، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبى بالامتناع عن إصدار قرار بإيقاف التراخيص لمصنع خورشيد للبلاستيك، والصادر له الترخيص الذى يحمل رقم مسلسل ٥٠٤ وملف رقم ٨٢٨-٤٥ الصادر من حى المنتزه بالإسكندرية بتاريخ ١٩٨٥-١-٢٩، والمعدلة بتاريخ ٢٠٠٧-٦-٢ بإنشاء مصنع على أرض عزبة خورشيد.
وأوضح أنه بعد إثبات أن الغرض من إنشاء المصنع، هو صناعة عبوات الحاصلات الزراعية بغرض التحايل على القانون، وجد أنه مخصص لصناعة «المواد البلاستيكية»، وليس له علاقة بالحاصلات الزراعية.
وقال طارق إن المطعون ضده محافظ الإسكندرية ووزير الإسكان والمرافق برقم ٨١١ لسنة ١٩٩٧ بشأن إيقاف تراخيص المنشآت فى المناطق السكانية، وقانون الزراعة الصادر بقانون رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦ معدلًا بقانون رقم ١١٦ لسنة ١٩٨٣ بشأن حظر تقسيم الأراضى الزراعية والبناء عليها، كما أن الجلسة الأولى قد عقدت يوم ٣٠-٤-٢٠١٧، مؤكدا أن النزاع اشتد بالمحكمة من قبل الطرف الآخر، ونتج عنه قرار من محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار شحاتة هرمينى بإحالة الدعوى رقم ١٢٨٢١ لسنة ٧١ ق إلى المفوضين لإعداد الرأى القانونى فى الدعوى المقامة، تمهيدًا لإصدار الحكم.
مصنع خورشيد يبيع الموت للأهالى والأطفال
«إحنا تعبنا ومفيش حد بيحس بينا وعيالنا بتموت»... هكذا وصف محمود على، أحد سكان منطقة خورشيد حال أهالى المنطقة، نتيجة وجود المصنع وسط المنطقة السكنية المكتظة بالسكان، فمخالفات المصنع، سواء المخلفات الصلبة أو الأدخنة أدت إلى إصابة معظم أهالى المنطقة بالأمراض، خاصة الأمراض الصدرية كالربو والحساسية.
وأضاف محمد السيد، أحد سكان المنطقة، أن أبناءه مصابون بـأمراض الربو والصدر، وقال إن الأهالى تقدموا بالعديد من الشكاوى للمسئولين فى المحافظة والبيئة ووزارة التنمية المحلية، لكن المسئولين يتجاهلون الرد، ليبقى الوضع كما هوه عليه، المصنع يبعث الأدخنة السامة الناتجة عن احتراق البلاستيك.. والأهالى يصابون بالأمراض!. وقالت سها على، إنها وأطفالها يعانون من أمراض الصدر، بسبب الهواء الملوث الذى يحاصرهم.
عندما تقابل أحدا من الشباب أو الأطفال، فإنه يقول «مبنعرفش نتنفس من دخان المصنع ونعانى من أمراض (الربو) والصدر، والدخان الكثيف يخترق جدران البيوت (إحنا بنموت)، لأن القمامة ومخلفات المصنع تحاصرنا».
وتكشف المستندات التى حصلت «البوابة» على صورة منها، أن مصنع خورشيد للمواد البلاستيكية، القائم وسط منطقة سكانية مكتظة، حيث تم إنشاء المصنع على أرض عزبة خورشيد، وهى أرض زراعية، وكان الهدف من المصنع، «صناعة عبوات الحاصلات الزراعية»، بغرض التحايل على قانون الزراعة رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٦، لكن الواقع أن المصنع هو صناعة المواد البلاستيكية، والذى لا علاقة لها بالحاصلات الزراعية من قريب أو من بعيد. هذا بالإضافة إلى التلوث الناتج والمنبعث فى البيئة من هذا المصنع، والتى يضر بالصحة العامة، لكون هذا المصنع غير قانونى.
أحمد رفعت: لا بد من إغلاق المصنع فورا.. ونقله إلى منطقة صناعية
قال أحمد رفعت، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى بالبرلمان، إن وجود أى مصنع داخل منطقة سكنية يشكل خطرًا كبيرًا على القاطنين بالمنطقة، ويجعلهم عرضة للتلوث البيئى، فضلًا عن أن هذه المصانع تستهلك كهرباء بشكل كبير، وبالتالى تضعف التيار الكهربائى بالمنطقة، ويعود بالسلب على المواطن البسيط الذى يدفع ثمن عدم تخطيط الإدارة المحلية للمنطقة الصناعية بشكل سليم.
وأوضح «رفعت»، أنه من المفترض أن يتم بناء المصنع فى المنطقة الصناعية المخصصة، والتى تنظم القوة الكهربائية المحددة والصرف الصناعى، وتابع: إذا تم بناء هذا المصنع من البداية داخل منطقة سكانية، فالإدارة المحلية هى التى تحاسب فى ذلك؛ لأنها عرضت السكان للضرر، وإذا كان هذا المصنع ظهر فى غفلة من الزمن دون ترخيص أو رجوع الإجراءات الرسمية أو تغير نشاطه أن يصبح مصنعًا داخل كتلة سكانية وغير مرخص، فيجب على الإدارة المحلية ومحافظ الإسكندرية اتخاذ إجراءات الغلق فورا، ونقل المصنع إلى منطقة صناعية بأرض بديلة.
وأكد أن وجود المصنع داخل حزمة سكانية، لا يجوز استكمال التراخيص نهائيا؛ لأن شروط الأمن والسلامة للمواطنين غير متوفرة، وهذا يكفى لغلق النشاط ونقله إلى منطقة أخرى.
وأكد أن محافظ الإسكندرية لا بد أن يتدخل على الفور ومسئولو وزارتى الصحة والبيئة أيضا؛ لأن الموضوع يرجع إلى الإدارة المحلية التى سمحت بتلك الكارثة.