الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

علي السمان.. نوافذ المحبة

علي السمان
علي السمان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عاش من أجل السلام، هذا ما سيذكره التاريخ للمفكر الراحل د. علي السمان، رئيس الاتحاد الدولي لحوار الثقافات والأديان، ومستشار الرئيس أنور السادات، والذي ودع دنيانا أمس بالعاصمة باريس عن عمر يناهز 86 عامًا، فيما تنتظر مصر تشييع جثمانه وسط أجواء من الحزن.
"السمان" لم يمل من تذكير أبناء الديانات السماوية الثلاث أن جوهر رسالتهم هو المحبة، ورفض استخدام الدين كورقة سياسية من قبل بعض التنظيمات الموجود على الساحة اليوم، وكان أحد الوجوه البارزة في تأسيس "بيت العائلة" لمجابهة الطائفية بمصر.
حاز الراحل على وسام شرف "ضابط النظام الوطني الفرنسي" وغيرها من الميداليات لخدمته حوار الأديان.
أما أبرز إنتاجه الفكري فيتمثل فى ثلاثة كتب؛ أولها كتاب يتناول مذكراته مع الملك فاروق وعبدالناصر والسادات، والثاني يتناول ثورة 25 يناير وحال مصر بعدها، صدر بباريس بالتعاون مع الكاتب تيو كلين. 
أما الكتاب الثالث فيركز على جوهر التسامح في رسالات السماء.
بين ناصر والسادات
في كتابه الأبرز "أوراق عمري.. من الملك إلى عبدالناصر والسادات" يعود المفكر علي السمان لجذور علاقته بالرئيس جمال عبدالناصر، منذ كان طالبا يستكمل دراساته العليا بباريس، وأحد أوائل مؤيدي ثورة يوليو بإعلان الطلبة 24 يوليو 1952.
ويعترف بأن رأيه المخالف لزملائه بخطورة عودة الجيش لثكناته، إبان أزمة 1954 الشهيرة، جعله متهمًا بالفاشية، كما تعرض لتوبيخ حاد من المستشار الثقافي المصري آنذاك.
كان الطلبة المجتمعون بمؤتمر مدينة ليون مجمعين على رأي اللواء محمد نجيب بأهمية عودة الأحزاب والحريات والانتخابات والديمقراطية، فيما اعتقد السمان أن إجراءات القيد ستكون مؤقتة، وهو ما لم يحدث، بل وجرى اعتقال محمد نجيب، والمثير أن المستشار الثقافى طلب من السمان أن يجند الطلاب المصريين هناك لصالح عبدالناصر، لكن الأخير اعتذر!
في الستينيات، لعب السمان أدوارا دبلوماسية هامة مع السفارة المصرية في باريس، إلى جانب مقالاته بالصحف، وانضم لقسم الإعلام وشارك برحلات المشير عامر وأم كلثوم وجان بول سارتر، لمحو الآثار السلبية للعدوان الثلاثي ونكسة يونيو.
كان السمان في تلك المرحلة يلقي محاضراته حول العنصرية والعداء للسامية بباريس، مؤكدًا فيها أن العرب لا يعادون اليهود ولا اليهودية لكنهم يختلفون مع إسرائيل.
ولا ينكر أحد زعامة وشعبية ناصر، والتي تبدت مثلًا بالتفاف الجماهير حوله بقرار التأميم والعودة عن التنحي بعد النكسة وحمل سيارته بسوريا إبان الوحدة، وأخيرًا مشهد وداعه المهيب.
أما عن الرئيس السادات فكان دوره مختلفًا، فهو رجل دولة ذو دهاء، قاد حرب أكتوبر للنصر بحنكة وحكمة، وتحدى الأمريكان قائلا لكارتر أنه يرفض أي تفاوض على أي شبر من أرض مصر.
كان السادات كما يرى المؤلف يعلم تمامًا متى ينتهي الدور العسكري والمعارك، وتبدأ مرحلة المفاوضات.
 وهنا أعد كتيبة من أهم عقول الدبلوماسية المصرية لتكون بجانبه في كامب ديفيد، كان السمان أحد أبرز أعضائها بوصفه مستشار الإعلام الخارجي.
من ثورة لأخرى
تحت عنوان "مصر من ثورة إلى أخرى" صدر بباريس كتاب المفكر الراحل بعد عام من ثورة يناير، وفيه يعترف بأن عهد حسني مبارك كان يفتقر إلى الرؤية، والنظرة المستقبلية، ومن ذلك التقاعس في منح الأقباط حقوقهم، واعتماد نظامه على الاعتبار الأمني وهو الذي عزز الاحتقان بالشارع.
وفي شهادة للتاريخ، يؤكد الكاتب أن المواجهات التي تمت بين السادات والكنيسة، وبينه وبين الإخوان المسلمين وبعض القوى والرموز السياسية كفؤاد سراج الدين كانت في ظروف استثنائية خاصة حينما كان السادات يريد أن تكون الأولوية المطلقة لإنهاء مفاوضات السلام في كامب ديفيد بنجاح، وكان البابا شنودة يرفض بشدة زيارة الرئيس الى الكنيست واتفاقية كامب ديفيد، كما منع الأقباط من زيارة القدس، فأبعده السادات من كرسي البابوية وحدد إقامته في الدير بقرار جمهوري.
وفي كتاباته يؤيد علي السمان ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، مؤكدًا أن مطالب العدل والحريات والكرامة يجب أن تتحقق بجدية لكن بعد أن نلتف حول الوطن أولا قبل الثورة، معتبرا أننا نعيش انقساما وفوضى حادة تفتقد لصوت العقل.
حوار أتباع الرسالات
"ثلاث نوافذ تطل على السماء" كان عنوان أحد أبرز كتب السمان، وهو يعني بها القرآن والإنجيل والتوراة التى تطل على السماء بنصوصها فتحقق أهدافا ثلاثة بحثها الكتاب وهي قبول الآخر والحوار والسلام.
انطلق الكتاب بلندن وتبعته نسخة عربية بالقاهرة، ويحمل رؤى لعلماء أديان من الجامعة الكاثوليكية الأسترالية، والأزهر الشريف، واللجنة اليهودية الأمريكية، ويخلص جميعهم إلى نتيجة مهمة واحدة، وهي أن جميع البشر، خصوصًا أولئك الذين يصدحون بالإيمان بالديانات الإبراهيمية، عليهم واجب أخلاقي لقبول وحماية ليس فقط أهلهم وعشيرتهم، ولكن أيضًا أولئك الذين يختلفون عنهم من حيث العرق والثقافة والعقيدة.
ويؤكد الكاتب أن القرآن لا يصف الإسلام بأنه دين جديد بل بأنه امتداد واستمرار لأديان الأمم القديمة، وذكر الأنبياء في الكتب المقدسة السابقة مرارًا وتكرارًا الصلات الدينية والتاريخية المشتركة بين أبناء إبراهيم والتي تمثل أساسا قويا للحوار، ويدعو القرآن المسلمين إلى أن يمدوا أيديهم بالسلام لمن يريد أن يبادلهم إياه.
وبدأت العلاقات بين منظمة "أديك" التي ترأسها الكاتب، والأزهر والفاتيكان في بداية التسعينيات وعقدت اجتماعات في كل من برن، باريس، والقاهرة، وخرجت برؤية شاملة لحوار الديانات.
وظلت قناعة المفكر د. علي السمان أنه عندما نقبل الآخرين ونتعلم كيفية التواصل معهم من القلب، سنفهم حقا التعاليم الدينية التى أنزلت لهدايتنا.