الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دبلوماسية «عمرو دياب»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما كان السفير الأمريكى الأسبق دافيد ويلش، يمثل بلاده فى القاهرة، كانت هناك حالة توتر بينه وبين المسئولين وقطاعات كبيرة من النخب والصحافة المصرية، كان يبدو شخصًا جادًا متجهمًا؛ مما خلق حاجزًا بينه وبين المصريين.
فى تلك الفترة قال لى دبلوماسى صديق فى السفارة الأمريكية: إن ويلش لا يكاد يركب سيارته إلا ويبدأ تشغيل أغنيات عمرو دياب حيث تتفكك فجأة تلك الملامح المتجهمة، ويبدأ فى الرقص مع الأغنية، يومها قلت له ضاحكا: ربما من الأفضل تعيين عمرو دياب وزيرًا للخارجية، فهو يمكنه عندها الحصول على ما يريد من ويلش إذا وقّع له على أوتوجراف! 
هذا الكلام ليس من أجل الترويج لـ «الهضبة»، فأنا أنتمى موسيقيًا لعصر الطرابيش، وربما يعود آخر عهدى بالطرب إلى زمن المطربة الشابة أم كلثوم، لكن الحقيقة أن دياب تحديدًا له «سوق» رائجة فى أمريكا، فكثيرا ما وجدت أعماله لدى أصدقاء أمريكيين لا يعرفون الكثير عن مصر أو اللغة العربية، كما أنه المطرب العربى الأكثر شعبية فى تشغيل أغانيه فى المحلات أو الملاهى الليلية فى واشنطن ونيويورك، وربما يعود ذلك فى الأساس لاختياراته الموسيقية الموفقة التى تجد قبولا لدى الأذواق المتباينة فى الشرق والغرب وهو ما يجب التركيز عليه للوصول إلى تلك الجماهير المتنوعة.
الموضوع هنا ليس عن الموسيقى تحديدًا أو عمرو دياب شخصيًا، ولكن عن كيفية تفعيل ما يسمى بـ «القوة الناعمة» لمصر.
فرغم التراجع الملحوظ فى الدور المصرى فى المنطقة سياسيا واقتصاديا خلال العقود الماضية، إلا أن دور الثقافة والفنون والآداب المصرية لايزال يحتفظ ببعض بريقه حتى وإن كان هو نفسه شهد تراجعا لا يمكن إنكاره خارج مصر وداخلها بما فى ذلك الدول العربية بمنافسة الأعمال الدرامية والفنية التى يتم إنتاجها فى المحيط العربي. 
لذلك من المهم إدراك أن توفير الدعم والترويج للثقافة والفنون المصرية ليس مجرد منافسة صبيانية مع أى طرف فى المنطقة؛ لكنه قضية «أمن قومي» بالحفاظ على ما تبقى من نفوذ أو دور لمصر فى المنطقة والعالم.
فعندما جاء اختيار الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما لمصر لإلقاء خطابه إلى العالم الإسلامى برر ذلك بالدور الثقافى المهم لمصر واختار أحد صروحها التعليمية (جامعة القاهرة). 
ولو فكرنا قليلا فى بعض مشكلاتنا الأساسية الخارجية لوجدنا أن عددًا كبيرًا منها يعود جزئيا لتراجع قوتنا الناعمة، على سبيل المثال فإن هناك حالة تحفز وعداء لمصر فى الشارع الإثيوبى بسبب صورتها السلبية لديهم التى تصل أحيانا لتوصيفها كقوة استعمارية، لا يمكن هنا أن نفصل مواقف إثيوبيا المتعنتة فى قضية سد النهضة عن تلك الصورة الذهنية السلبية لمصر لديهم.
الأمر نفسه ينطبق على بعض الحساسيات لدى الأشقاء السودانيين بسبب اللغة الاستعلائية أحيانا التى تصدر عن المصريين ووسائل الإعلام تجاههم. 
لا بد إذن من تحفيز قوى الإبداع المصرية، ونشرها فى المحيط الإقليمى والدولي، وإعادة تفعيل وصياغة رسالتنا الإعلامية لتلك الدول بما يعالج السلبيات، ويؤكد على الإيجابيات وهى كثيرة وتحتاج فقط أن تقدم بصورة ذكية، وليس ذلك الأسلوب المباشر الفج عن دور مصر ومساعداتها لتلك الدول بما يستفز مزيدًا من العداء تجاهنا بدلا من تخفيفه.