السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

توابيت الموتى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك من يعتقدون بعد نعمة يتملكونها من الله أنهم أصحاب تلك النعم، وأنهم بقدراتهم وذكائهم من جعلوا تلك النعم تأخذ طريقها إليهم، وأنها لن تزول أبدا، لأنهم قادرون على الحفاظ عليها والإتيان بالمزيد، فنجد البعض يسعى فى الأرض دون التفكير فى مسببات الرزق، وآخرين ينعمون ببعض الرزق دون أن يلتفتوا لغيرهم ممن ضاق بهم حال الدنيا.
كذلك هى بلادنا.. أنعم الله علينا ببلاد تحتوى على رزق وفير ونحن لا نبذل أى جهد لإظهاره؛ فنجد الشباب يعتمدون على شىء من الفساد الذى انتقل إلينا من أجيال سابقة، فالطالب فى التعليم يعتمد على قدراته الاحتيالية ليرضى المعلم ويحصل على الدرجات، والمعلم يسعى إلى الاعتماد على قدراته الإدارية لجذب أكثر عدد للدروس ولتحقيق المكاسب السريعة، والموظف يسعى إلى عمل آخر ويهمل عمله، وصاحب المصلحة يسعى إلى المرتشى لينجز وقته ومصلحته، والمرتشى يسعى إلى تضييق الخناق على المواطنين ليتربح ويعلو مقدار ما يربح، والمواطن لا يسعى إلى إنهاء إجراءاته دون اللجوء للغلط؛ لأن أوراقه غير مكتملة، ولو كانت مكتملة يقول: هى جت علىّ أنا، ولا مبالاة تصيب المجتمع لن تؤدى بنا إلا إلى التهلكة، وسنجد فى نهاية الأمر أن كل ما نتشبث به ما هو إلا وهم وقد يوقعنا فى حفرة لا خروج لنا منها.
أفيقوا واستعدوا لتغيير ثقافتكم فى الحياة؛ فإنهم الفائزون وأنتم الخاسرون.
هناك سِرٌ بسيط عن ذلك المليونير.. الذى أودع فى سجن ما على جزيرة نائية تمهيدًا لإعدامه لجريمة قتل قام بها..
حسنًا.. لأنه مليونير فقد قرر رشوة حارس السجن ليتم تهريبه من جزيرة السجن بأى طريقة وأى ثمن..! 
...
أخبره الحارس أن الحراسة مشددة جدًا، وأنه لا يغادر الجزيرة أحد إلا فى حالة واحدة.. وهى الموت!!
ولكن إغراء الملايين الموعودة جعل حارس السجن يبتدع طريقة غريبة لكن لا بأس بها للهرب..
وأخبر المليونير السجين بها وهى كالتالى....
«اسمع، الشىء الوحيد الذى يخرج من جزيرة السجن بلا حراسة هى توابيت الموتى.. يضعونها على سفينة وتنقل مع بعض الحراس إلى اليابسة ليتم دفنها بالمقابر هناك بسرعة وطقوس بسيطة ثم يرجعون..! التوابيت تنقل يوميًا فى العاشرة صباحًا فى حالة وجود موتى..
الحل الوحيد هو أن تلقى بنفسك فى أحد التوابيت مع الميت الذى بالداخل.. وحين تصل اليابسة ويتم دفن التابوت.. سآخذ هذا اليوم إجازة طارئة.. وآتى بعد نصف ساعة لإخراجك..
بعدها تعطينى ما اتفقنا عليه.. وأرجع أنا للسجن وتختفى أنت.. وسيظل اختفاؤك لغزًا وهذا لا يهم.. ما رأيك..؟».
طبعًا فكر صاحبنا أن الخطة عبارة عن مجازفة مجنونة.. لكنها تظل أفضل من الإعدام بالكرسى الكهربائى! المهم أنه وافق.. واتفقا على أن يتسلل إلى دار التوابيت ويرمى نفسه داخل أول تابوت من على اليسار غدًا.. هذا إن كان محظوظًا وحدثت حالة وفاة..!
المهم.. فى اليوم التالي.. ومع فسحة المساجين الاعتيادية.. توجه صاحبنا إلى دار التوابيت.. ووجد تابوتين من حسن حظه.. أصابه الهلع من فكرة الرقود فوق ميت لمدة ساعة تقريبًا.. لكن مرة أخرى، هى غريزة البقاء..
لذلك فتح التابوت ورمى نفسه مغمضًا عينيه حتى لا يصاب بالرعب... أغلق التابوت بإحكام وانتظر حتى سمع صوت الحراس يهمون بنقل التوابيت إلى سطح السفينة.. شم رائحة البحر وهو فى التابوت وأحس بحركة السفينة فوق الماء.. حتى وصلوا اليابسة..
ثم شعر بحركة التابوت وتعليق أحد الحراس عن ثقل هذا الميت الغريب! شعر بتوتر.. تلاشى هذا التوتر عندما سمع حارسًا آخر يطلق سُبة ويتحدث عن هؤلاء المساجين ذوى السمنة الزائدة.. فارتاح قليلًا.
وها هو الآن يشعر بنزول التابوت.. وصوت الرمال تتبعثر على غطائه.. وثرثرة الحراس بدأت تخفت شيئا فشيئًا... هو الآن وحيد مدفون على عمق ٣ أمتار مع جثة رجل غريب وظلام حالك وتنفس يصبح صعبًا أكثر مع كل دقيقة تمر..
لا بأس.. هو لا يثق بذلك الحارس.. ولكن يثق بحبه للملايين الموعودة هذا مؤكد.
انتظر.. حاول السيطرة على تنفسه حتى لا يستهلك الأكسجين بسرعة.. فأمامه نصف ساعة تقريبًا قبل أن يأتى الحارس لإخراجه بعد أن تهدأ الأمور.
وبعد ٢٠ دقيقة تقريبًا.. بدأ التنفس يتسارع ويضيق.. الحرارة خانقة.. لا بأس.. عشر دقائق تقريبًا.. بعدها سيتنفس الحرية ويرى النور مرة أخرى
وبعد لحظات قليلة............
بعد لحظات.. بدأ يسعل.. ومرت ١٠ دقائق أخرى.. الأكسجين على وشك الانتهاء.. وذلك الغبى لم يأت بعد.. سمع صوتًا بعيدًا جدًا.. تسارع نبضة..
لا بد أنه الحارس... أخيرًا..! لكن الصوت تلاشى.. شعر بنوبة من الهستيريا تجتاحه.. تُرى هل تحركت الجثة.. صور له خياله أن الميت يبتسم بسخرية.
تذكر أنه يمتلك ولاعة فى جيبه.. ربما الوقت لم يحن بعد، ولكنّ رعبه هيأ له أن الوقت مر بسرعة.. أخرج الولاعة ليتأكد من ساعة يده.. لا بد أنه لا يزال هناك وقت..!
قدح الولاعة وخرج بعض النور رغم قلة الأكسجين.. لحسن حظه.. قرب الشعلة من الساعة.. لقد مرت أكثر من ٤٥ دقيقة..!!! هو الهلع إذًا.
وقبل أن يطفئ الولاعة خطر له أن يرى وجه الميت.. التفت برعب وقرب القداحة.. ليرى آخر ما كان يتوقعه فى الحياة.. وجه الحارس ذاته..!!!!
والوحيد الذى يعلم أنهُ هنا فى تابوت تحت ثلاثة أمتار.