الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«لا تقل لي شيئًا.. ودعني أرى»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الملاحظ أن الألفاظ والعبارات قد فقدت دلالتها ومعناها، إذ راجت بيننا تجارة الكلام المعسول الزائف، فنحن كثيرًا ما نصادف أشخاصًا قد برعوا فى التلاعب بالألفاظ، وقلب الحقائق وفقًا لما تتطلبه مصلحتهم الخاصة دون أدنى اعتبار لمصلحة غيرهم أو المصلحة العامة، وقد ارتقت المكانة الاجتماعية لبعض هؤلاء الأشخاص وازدادت خطورتهم. فأصبحت الألفاظ على يد هؤلاء عملة زائفة، فهم يقولون ما لا يفعلون دون أن يعتريهم خجل أو حياء، ويأمرون الناس بالبر والتقوى وينسون أنفسهم، ويحسبهم المرء حين يسمع أو يقرأ ما يقولون أو يكتبون بحماس وانفعال شديدين أنهم قدوة صالحة ينبغى أن تحتذى، أو أنهم حكماء يجب الاهتداء بتعاليمهم ووصاياهم، ولكن سرعان ما تكشف الأيام عن زيف أقوالهم، وتهافت مواقفهم!!
حين تراهم فى مواقف محددة (بعيدًا عن الأقوال المرسلة والكلام المعسول).. مواقف تتطلب جسارة وشهامة وإنكار ذات، تتكشف حينئذ حقيقتهم، ويتضح زيفهم، تجدهم يتكالبون من أجل تحقيق مصالحهم ويتهافتون من أجل تحقيق أغراضهم، ويستخدمون كل وسيلة مشروعة أو غير مشروعة للوصول إلى مآربهم!!.. وتتساءل حينئذ فى دهشة: أين ذهبت الأقوال الرائعة عن الزهد والتعفف وغنى النفس؟! أين إنكار الذات والسعى لتحقيق مصالح الغير؟! أين ذهب كل ذلك؟!.. كشفت المواقف عن أن تعفف هؤلاء هو أقرب ما يكون لتعفف العاهرات، تقول الواحدة منهن شيئًا وتسلك على نحو مناقض لما تقول!!
الكلام سهل.. الكلام يمكن ترتيبه وتحضيره وتجهيزه على نحو معين بحيث يستحوذ على إعجاب المستمعين له. أما الفعل أو السلوك فهو يصدر بتلقائية وعفوية نتيجةً للظروف الطارئة، ولذلك تأتى الأفعال والتصرفات كاشفة لحقيقة صاحبها: أما الكلمات والألفاظ فهى فى حالات كثيرة – ليس دائمًا - تكون مضللة ومخادعة. 
هناك مثل شعبى كلماته قليلة، ولكنها دقيقة ومعبرة عن حكمة بالغة العمق، تشير إلى وجود تناقض صارخ بين أقوال بعض الناس وأفعالهم، يقول المثل:
«أسمع كلامك يعجبني.. أشوف أمورك أستعجب!!»
يكشف هذا المثل عن وجود أشخاص تنصت إلى ما يقولون فتنبهر بروعة ما تسمعه منهم، ثم تأتى بعد ذلك أفعالهم وتصرفاتهم فتكشف زيف أقوالهم، وأنهم قالوا ما قالوه فى محاولة منهم لتضليل المستمع وخداعه، والظهور بمظهر حسن يخفى جوهرا بالغ القبح!! 
لتكن العبارة التالية: «لا تقل لى شيئًا.. ودعنى أرى» هى معيارنا للحكم على مواقف الآخرين، فلا ننخدع بمعسول الكلام، ولنجعل مقياس حكمنا على من يتعاملون معنا مواقفهم وأفعالهم لا ألفاظهم وأقوالهم. لذلك يجب علينا، حتى فى حياتنا العامة، أن نُـقيّم الشخصيات العامة والأساتذة والرؤساء والزعماء من خلال الأفعال لا الأقوال.. ليس مهمًا الوعود التى يقطعونها على أنفسهم، وليس مهمًا الكلام المعسول الذى يشنّفون به آذاننا، وإنما المهم ما يحققونه على أرض الواقع من نجاحات وإنجازات!! 
لا يحق لأى مسئول يحترم شعبه وجلال المنصب الذى يشغله أن يدلى بتصريحات ارتجالية وليدة الساعة، ويطلق الوعود والعهود جزافًا، بل الواجب يحتم عليه ألا يصرح بشىء أو يعد وعدًا أو يقطع عهدًا إلا إذا تأكد أن هذا التصريح أو الوعد أو العهد قد انبنى وتأسس على دراسات متأنية، وفى إطار خطط تنمية موضوعة بشكل علمى دقيق من قِبَل خبراء وعلماء درسوا كل الظروف والأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وأُعدت خطط تنمية على ضوء هذه الدراسات العلمية الموضوعية، بحيث يتم تنفيذها وفقًا لمدد زمنية محددة، واستنادًا إلى خطط التنمية هذه يتحدث المسئول، ويصرح بما يريد، بدون ذلك سوف تتآكل الثقة بينه وبين القاعدة الشعبية التى تثق به.
إن المرء يفضحه سلوكه، فسلوكيات المرء وتصرفاته العملية – وليست كلماته – هى التى توضح لنا إلى أى مدى يكون ذلك الإنسان صادقًا أو زائفًا. قد ينجح شخص ما فى خداع كل الناس بعض الوقت، أو قد ينجح فى خداع بعض الناس كل الوقت. ولكنه أبدًا لن ينجح فى خداع كل الناس كل الوقت.