الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

جرحه الحب وضمده الموت.. حكاية الطيب صالح

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"نظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا؛ فعلمت أن الحياة لا تزال بخير؛ أنظر إلى جذعها القوي المعتدل؛ وإلى عروقها الضاربة في الأرض؛ وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها؛ فـ أُحس بالطمأنينة؛ أُحس أنني لست ريشة في مهب الريح؛ ولكنني مثل تلك النخلة مخلوق له أصل.. له جذور.. له هدف" كانت هذه الجمل من روايته الأشهر موسم الهجرة إلى الشمال، تلك التي قادته إلى العالمية؛ إنه الطيب صالح الأديب السوداني العالمي الذي تصارع مع ذاته.
في صيف عام 1929 ولد الطيب صالح لأسرة سودانية تنحدر أصولها من صعيد مصر، وقد قيدوا مولودهم الثالث في سجل المواليد باسم الطيب، كان ذلك في قرية الدبة "منطقة مروي" في شمال السودان، كان أبواه رزقا بمولودين ذكرين قبله، لكنهما توفيا وهما في سن الرضاعة، لذلك أصرت والدته أن تسميه "الطيب" تفاؤلًا بالصحة وطول العمر.
وقد كان الطيب من الفئة المحظوظة التي نالت قدرا غير يسير من التعليم، حيث إن المدارس دخلت متأخرة الى هذه المنطقة، وكان الأهالي يعزفون عن إرسال أبنائهم إلى المدرسة لاعتقادهم أنها قد تفسد أخلاقهم، وقد شاءت الظروف أن تحط به في لندن في وقت مبكر، فكان من أوائل السودانيين المتعلمين الذين هاجروا إلى الغرب.
ولكنه أبدا لم ينسَ قريته التي شب فيها، رغم ضيق مواردها واعتماد أهلها في الطعام على ما يزرعونه، رغم ضيق الأراضي الزراعية، إلا أن أهالي المنطقة كانوا قانعين بما لديهم، ولكن حين اشتد عليهم الحال خاصة خلال سنوات الأربعينيات، اضطر كثير من أبناء المنطقة إلى الهجرة شمالًا نحو مصر، وجنوبًا نحو الخرطوم، وبعضهم هاجر إلى الجزيرة للعمل في المشروع الزراعي الذي يعد من أكبر المشاريع الزراعية في السودان، واستقروا هناك، وكما هو الحال مع الطيب المهاجر إلى أقصى الشمال فإن الذين هاجروا ظل ارتباطهم بالمنطقة متصلًا، يجيئون في العطلات والأعياد للتواصل مع أهلهم، وكان هذا إلهامه لكتابة روايته التي توجته عبقريًا للرواية العربية وهي "موسم الهجرة إلى الشمال" التي طبعت لأول مرة عام 1966.
وجاءت عبقريته من اتصاله الشفيف مع أبناء بلدته التي حكى عنهم في روايته، والتي شكلت تلك الحكايات والقصص، تراثًا غنيًا في الذاكرة الشعبية لأبناء المنطقة، ومما ورد من تلك الحكايات التي أوردها الباحث السوداني "طلحة جبريل" رسالة أرسلتها أم إلى ابنها الذي كان يعمل في مصر في سلاح الحدود، تشرح له فيها حالتها، وتطلب منه أن يسعفها بشيء من المال، يعينها على ضيق المعيشة، وقد أرسلتها إلى ابنها باللهجة العامية لأهالي تلك المنطقة.
وهكذا ألهمت الحكايات والقصص الشعبية النابعة من قلب إقليم من أقاليم السودان، والتي اندمجت مع ثقافته الجديدة التي تأثر بها أثناء مقامه في لندن، في كتابة روايته التي اختيرت واحدة من أفضل مائة رواية في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي، "موسم الهجرة إلى الشمال" والتي نشرت لأول مرة في مجلة حوار سبتمبر 1966، ثم نشرت بعد ذلك في كتاب مستقل عن دار العودة في بيروت في نفس العام.
وقد تطرق فيها الطيب صالح إلى هذه العلاقة من خلال شخصية بطلها السوداني الذي يذهب ليدرس في العاصمة البريطانية لندن، وهناك يضيف إلى جانب تميزه وذكائه العقلي وتحصيله الجامعي العالي رصيدًا كبيرًا في إثبات فحولته مع نساء بريطانيا الذين احتلوا بلاده، مع تقديم صورة ساحرة عن الحياة في المجتمع الريفي السوداني.
وتعد رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" من الأعمال العربية الأولى التي تناولت لقاء الثقافات وتفاعلها وصورة الآخر الغربي بعيون الشرقي والغربي بعيون الآخر الشرقي الذي ينظر إليه كشخص قادم من عالم رومانسي يسوده السحر ويكتنفه الغموض.
ومن أهم أعمال الطيب صالح أيضا رواية "عرس الزين" والتي تدور أحداثها حول شاب مبروك أو درويش يُدعى الزين، يعيش في قرية سودانية كان يريد الزواج من ابنة عمه نعمة، وهي رائعة الجمال، أما هو فمظهره قبيح إلى حد ما، ولهذا السبب يستغرب أهالي القرية هذا الزواج، وقد تميز زين باختياراته الدائمة لحب الفتيات الجميلات رغم قبحه.
إضافة إلى مجموعته القصصية "دومة ود حامد" والتي تضم سبع قصص قصيرة، وهي: نخلة على الجدول، حفنة تمر، رسالة إلى ايلين، دومة ود حامد، غدا جاءت، هكذا يا سيدتي.
إضافة إلى الرواية التي خلد فيها سيرة صديقه منسي، والتي حملت عنوان "منسي إنسان نادر على طريقته".