الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الغاز نار.. أزمة "البوتاجاز" تشعل غضب المواطنين بالمحافظات

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: أمانى عيسى - محمد العدوى – أسامة علاء – حسام فهمى – حمدى حامد – يسرا على – أمل سمير- محمد حميدة- إبراهيم عطاالله

الأنبوبة بـ50 جنيهًا.. والتسعيرة الرسمية «كلام حكومة»
السوق السوداء يتحكم بالعرض والطلب.. وضبط موزعين يبيعون أنابيب مدعمة 
7 ملايين طن استهلاك مصر من « البوتاجاز » سنويًا 
رفع الأسعار يهدد منظومة وزارة التموين والموزعون يرفضون التسليم بالتسعيرة الجديدة
«زهران»: الأسطوانة بـ 42 جنيهًا.. وخطة توصيل الغاز للمنازل معطلة

ارتفع سعر أسطوانة الغاز أمس إلى ٥٠ جنيهًا فى بعض المحافظات، ووصف مواطنون التسعيرة الرسمية بأنها «كلام حكومة لا تلتزم به السوق»، واندلعت مشاجرات بين تجار ومستهلكين ممن اشتكوا من ضعف الرقابة وارتفاع الأسعار، في حين نجحت جهود الرقابة فى محافظات أخرى، فى ردع جشع التجار، وإجبارهم على البيع بالسعر الرسمى.
وضبط رجال مباحث التموين بالإسكندرية ٣ موزعين ليست لديهم تراخيص يبيعون الأسطوانات المدعمة فى السوق السوداء، وصادرت حملة ١٥ أسطوانة سعة ١٢.٥ كيلوجرام، بنطاق قسم شرطة أول العامرية، وكرموز والمنتزه، وجار عرضهم على النيابة العامة لتتولى التحقيقات.
وضرب أصحاب المستودعات بمحافظة القليوبية التسعيرة الرسمية، بعرض الحائط، وسيطرت السوق السوداء على السلعة الأساسية، وأحيل ٩ من مسئولى مستودعات البوتاجاز للنيابة العامة، لبيعهم الأنبوبة بسعر ٣٢ جنيهًا بزيادة جنيهين عن السعر الرسمى.
وشهدت قرى المحافظة ارتفاع أسعار أسطوانة الغاز إلى أكثر من ٤٧ جنيهًا، وفى بعض المناطق وصلت إلى ٥٠ جنيهًا، واندلعت مشاجرات أمام منافذ بيع أسطوانات البوتاجاز، رغم تصريحات المسئولين بالسيطرة على الأسعار.
وفي دمياط اشتكى أهالى المحافظة، من عجز إسطوانات الغاز فى المستودعات، وقال أهالى كفر سليمان التابعة لمركز كفر سعد بدمياط، إنه لا توجد بالمستودعات أسطوانات غاز، ما دفع المحافظ لإرسال سيارة تحمل ٢٠٠ أسطوانة غاز لبيعها للمواطنين بسعر ٣٠ جنيهًا لحل الأزمة القائمة.
كما اشتكى أهالى مدينة رأس البر وقرية البصارطة من تخطى سعر الأنبوبة حاجز ٣٢ جنيهًا، إلى ٣٨ جنيهًا وأحيانا ٤٠ فى المستودع بذريعة عدم وجود أنابيب، ما دفع الأهالى لتقديم شكاوى مطالبين بسيارات متنقلة لتوفير أسطوانات الغاز بالسعر المعتمد.
وفي بنى سويف شهدت المحافظة اشتباكات ومشادات ساخنة بسبب ارتفاع حدة أزمة أنابيب البوتاجاز بعد تحكم التجار والسريحة فى الكميات الواردة للمراكز وبيعها بسعر أعلى من السعر التى حددته المحافظة مما أثار غضب واستياء المواطنين الذين تزاحموا أمام المستودعات فنتج عن ذلك وقوع مشاجرات بينهم وبين التجار. 
ويقول راشد علي موظف إن غياب الرقابة التموينية ببني سويف عن الأسواق أدى إلى تحكم التجار فى الأسعار وفرض سيطرة السماسرة والبلطجية على حصة أنابيب البوتاجاز فى معظم مستودعات المحافظة وبيعها بأسعار مضاعفة للمواطنين على مسمع ومرأى من المسئولين.
ويضيف هشام ميهوب «موظف» أن تصريحات المسئولين بالمحافظة بقرب انتهاء الأزمة ما هى إلا «مسكنات» مشيرًا إلى أن البيع يتم علنًا بسعر يصل إلى ٤٠ جنيهًا فى ظل غياب المسئولين.
وأغلقت مستودعات الغاز أبوابها أمام الجماهير ما أسفر عن ارتفاع الأسعار إلى ٤٠ جنيهًا للأسطوانة المنزلية، 
وأوضح متولى سعيد، موظف، أن أصحاب المستودعات امتنعوا عن توزيع أسطوانات البوتاجاز، فبعضهم قام بإغلاق المستودع والآخر يقوم ببيعها للتجار فى السوق السوداء بـ٣٥ إلى ٤٠ جنيهًا، ولا مراعاة لظروف المواطن الفقير.
واختلف الوضع فى أسوان وقنا حيث توافرت أسطوانات البوتاجاز فى مستودعات المحافظة نظرًا لاعتماد العديد من المناطق على الغاز الطبيعى، ويبلغ سعر الأسطوانة ٣٠ جنيهًا من المستودع و٣٥ جنيهًا فى حالة توصيلها إلى المنزل ضمن مشروع « أنبوبتك دليفرى».
وهو الأمر نفسه الذى حدث فى محافظتى الشرقية والإسماعيلية بعدما حدد المحافظ سعر بيع الأسطوانة المنزلية بقيمة ٣٣ جنيهًا، فى حين باعها بعض التُجار بمبلغ وصل إلى ٤٥ جنيها.
فضلًا عن أن قرار الحكومة الذى قضى برفع أسعار أسطوانات البوتاجاز من ١٥ جنيهًا إلى ٣٠ جنيهًا للمنازل، و٦٠ جنيهًا للمنشآت التجارية والصناعية، لم يحدد حتى الآن «تعريفة توصيل الأسطوانات إلى المنازل، إذ إن القرار اكتفى بالإعلان عن سعر الأسطوانة عند باب المستودع بمبلغ ٣٠ جنيهًا دون ذكر مزيد من التفصيل والتوضيح. 
ويصل إجمالى عدد المستودعات إلى ٧ آلاف مستودع، منها ٣ آلاف و٦٠٠ مستودع خاص، و٣ آلاف و٣٥٠ مستودعًا حكوميًا، بالإضافة إلى ذلك يوجد الآلاف ممن يُطلق عليهم «السريحة»، وهم الذين يملكون عددًا من النقاط فى كل قرية أو عدد من القرى، ويكونون هم حلقة الوصل ما بين المستودع والمواطنين.
وفى محافظة قنا، ما زال أصحاب المستودعات والتُجار مُعترضين على رأي المحافظ ومديرى الإدارات، الذى طُرح خلال الساعات القليلة الماضية، بتسليم أسطوانة البوتاجاز إلى يد المُستهلك بسعر لا يتخطى ٣٣ جنيها، وهو ما يُهدد منظومة تسليم وبيع الأنابيب فى المحافظة بشكل كامل، وهى المنظومة التى اتفق عليها أصحاب المستودعات والتُجار من جهة، والمُحافظ ومديرو الإدارات من جهة أخرى.
حيث إنه منذ ما يزيد على العامين، اتفق أصحاب المستودعات بقُرى المحافظة المُختلفة مع مكاتب التموين، على ربط تسليم أسطوانة البوتاجاز إلى المُستهلك ببطاقة التموين، لإنهاء فترة من حدوث المُشكلات أمام المستودعات نتيجة التكدُس المُستمر من المُستهلكين.
ويقول عبادى عبدالظاهر، تاجر تموين بقرية أبو دياب مركز دشنا بقنا، إنه يحصل على حوالى ١١٠٠ أنبوبة من المستودع الرئيسى شهريًا، بعد ربطها ببطاقة التموين بشكل ودى مع مُفتشى التموين بالقرية منذ عامين تقريبًا، لتوزيعها على المُستهلكين، حيث كان سعر أسطوانة البوتاجاز قبل زيادة الأسعار الأخيرة تتراوح بين ١٨،٥ إلى ١٩،٥ جنيه من المستودع، ويتم توزيعها على المُستهلكين بسعر يتراوح بين ٢٠ إلى ٢٢ جنيها بعد تحميلها تكاليف النقل.
ويُضيف عبدالظاهر: «لا نسعى إلى الأرباح بقدر ما نسعى إلى تقديم خدمة لأبناء القرية، من خلال تسهيل تسليم الأنابيب إليهم عبر ٢٦ تاجر تموين فى القرية، وذلك لإنهاء التكدُس على المُستودع، لكن فى نفس الوقت لا نقبل تحمل الخسارة».
ويوضح عبدالظاهر: «حتى الآن لم يتم الاتفاق على تحديد سعر أنبوبة البوتاجاز بشكل نهائى، حيث تواصل أصحاب المستودعات مع مديرى الإدارات بالمحافظة والمحافظ، وخرج القرار بأن يتم توزيع الأنابيب من المستودعات بسعر ٣٢ جنيها، لكن هذا الاقتراح ما زال مرفوضًا من أصحاب المستودعات أنفسهم، حيث إنهم يتكلفون ثمن نقل الأنبوبة من داخل المستودع إلى التُجار، كما أن تلك التكاليف سترتفع بطبيعة الحال بسبب زيادة أسعار البنزين الأخيرة».
وبحسب عبدالظاهر فإن «الحكاية مش جايبه همها»، موضحًا أن مستودع البوتاجاز سيقوم بتسليمهم الأسطوانة بسعر ٣٢ جنيها، فى الوقت الذى يكون فيه التاجر مُطالبًا بتسليمها إلى المواطن بسعر ٣٣ جنيها، وهو ما يعنى أن الفارق عبارة عن جنيه واحد، ما يُعتبر غير عادل ومقبول بالنسبة له، لأنه سيتحمل بذلك تكاليف مُضاعفة».
ويُتابع حديثه لـ«البوابة»: «الجنيه الواحد لن يكفى لنقل الأنبوبة من المستودع، لأن تكاليف النقل للأسطوانة تصل إلى ١،٥ جنيه، إذن سأتحمل خسارة قدرها نصف جنيه على الأنبوبة، قد تزداد بسبب غلاء البنزين الأخير، فى الوقت الذى أتحمل فيه تكاليف أخرى مثل مُرتب شخص مسئول عن تسجيل أسماء المُستهلكين وآخر مسئول عن التوزيع، لذلك لن أستمر فى تحمل تسليم أنابيب البوتاجاز إلى المُستهلكين بسبب ما سيلحق بى من خسائر مادية».
واختتم عبدالظاهر حديثه قائلًا: «إنه حتى الآن الحل الأمثل هو أن يتم تحديد سعر الأنبوبة المُسلمة إلى المُستهلكين بـ٣٧ جنيها على الأقل حتى تُغطى تكاليف نقلها وتوزيعها، مع تحقيق ربح قد لا يتخطى نصف جنيه، أو عودة المُستهلكين مرة أخرى إلى طوابير المستودع بمشاكلها».
على جانب آخر، قال حمادة عبدالعال، تاجر أسطوانات بوتاجاز، إنه يشترى الأنابيب من خلال أحد التُجار بمبلغ ٢٢ جنيها ليقوم ببيعها للمُستهلكين عبر «تروسيكل» بسعر ٢٥ جنيها، لكنه وقف نشاط عمله منذ إعلان مجلس الوزراء بزيادة سعر الأسطوانة إلى ٣٠ جنيها.
ويُكمل عبدالعال: «التاجر الذى أتعامل معه ينتظر تطبيق السعر النهائى لبيع الأسطوانة حتى يتمكن من تحديد سعر شرائى منه للأنابيب، وقد يصل سعر بيع الأسطوانة إلى ٤٠ جنيها فى حالة إن تسلمتها منه بسعر ٣٥ جنيها، خاصة أن البنزين الذى يستخدمه للتروسيكل ارتفع إلى ٣٦٥ قرشا».
«إحنا بنشترى أسطوانة البوتاجاز بـ٢٥ و٢٨ جنيها لما كان سعرها ١٥ جنيها» قالها حسن جمال، ٤٧ عاما، بفيصل، مُعربًا عن غضبه الشديد من ارتفاع أسعار أنابيب البوتاجاز الأخيرة، حيث تضعه فى رحمة التُجار معدومى الضمير.
ويوضح: «سعر الأنبوبة وصل ٤٠ و٤٥ جنيهًا، لأن السوق مش محكوم، مفيش حد بيفتش على الأسعار وبيراقب التُجار، والحكومة لما بتقول الحاجة دى بجنيه بنلاقيها وصلت لـ٢ جنيه».

من جانبه، يكشف الدكتور إبراهيم زهران، الخبير البترولي، أن استهلاك مصر من المواد البترولية يصل إلى أكثر من ٧ ملايين متر سنويًا، تستورد الحكومة نصفها تقريبًا من الخارج، لافتًا إلى ضرورة توصيل الغاز الطبيعى للمنازل، خاصة أن الحكومة تمتلك خطة لذلك، إلا أنها مُعطلة منذ مدة. 
وقد قامت الحكومة المصرية بتوصيل الغاز الطبيعى إلى نحو ٣،٢ مليون مواطن فى مناطق القاهرة الكبرى والإسكندرية وبورسعيد والسويس والإسماعيلية ومحافظات الدلتا؛ كما زودت ١٥ ألفًا و٦٠٠ منشأة تجارية وعامة بالغاز الطبيعي، بدلًا من أنابيب البوتاجاز، بحسب شركة غاز مصر.
وتمتلك الحكومة المصرية مصنعين لتصنيع غاز البوتاجاز فى دمياط تصل نسب مشاركتهم فى الإنتاج نحو ٢٥٪، و١٥٪ من معامل التكرير، ويصل عدد مصانع تعبئة الغاز إلى ٥٥ مصنعًا، ٤٥ منها تابعة للقطاع الخاص، والباقى يتبع شركة بتروجاس، بحسب الخبير البترولي. 
ويشير زهران إلى وجود بعض «المتربحين» من وراء صفقات الاستيراد، لافتًا إلى أن وزارة البترول تقوم بتحديد سعر المواد البترولية والغاز الطبيعى على أساس السعر العالمى، رغم أن هذا منافِ للواقع والمنطق، إذ إن هذه الثروات تُستخرج من داخل أملاك الدولة، وبالتالى لا تتحمل جنيهًا واحدًا فى استخراجه. 
ويقول الخبير البترولي: «إن سياسة تقدير أسعار المواد البترولية على أساس السعر العالمى مُتبعة من أيام حكومة رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، مطالبًا بضرورة تغييرها. 
ويضيف، أيضًا الحكومة لا تضع نظامًا عادلًا للأجور يتوافق مع المعدلات العالمية، ناهيك عن عدم توافر الخدمات. 
ويوضح زهران، أن القائلين بأن هذه اشتراطات البنك الدولى «لا يفقهون شيئًا»، إذ تنص اشتراطات البنك على تحديد السعر على أساس الفرق بين سعر البيع وسعر التكلفة، متابعا، أن سعر الأنبوبة الفعلية يُقدر بنحو ٤٢ جنيها فقط وليس بالسعر الذى أعلنت عنه الحكومة. 
فى نفس السياق، يقول الدكتور رمضان أبو العلا، خبير المواد البترولية ونائب رئيس جامعة فاروس: «إن هناك مغالاة من جانب الحكومة فى تقدير أسعار أسطوانة الغاز»، لافتًا إلى أن هذه الثروات هى ملك للشعب المصري، ويجب على الحكومة أن تتعامل على هذا الأساس. ويضيف أن الحكومة أعلنت أن سعر أسطوانة الغاز ١٥٠ جنيهًا، وهذا ليس صحيحًا، وأتحدى أى مسئول حكومى يعتنق مثل هذا الفكر، مؤكدًا أن الحكومة حمّلت المواطن فاتورة الدعم كاملةً.
ويشير رمضان إلى أن الإعلان عن رفع الدعم عن المواد البترولية ورفع أسعارها جانبه التوفيق تمامًا، فلا الظرف ولا التوقيت مناسب، خاصة فى ضوء معدلات الاقتصاد المنخفضة، سواء من حيث ارتفاع معدلات التضخم أو انخفاض قيمة العملة المحلية.